شباب سوري يهرب من أجواء الحرب إلى الحانات والملاهي
شباب سوري يلجأ إلى الحانات والملاهي في دمشق هربًا من أجواء الحرب التي يعيشونها منذ عام 2011
بجانب حاجز أمني للجيش في دمشق القديمة وعلى مسافة 1.5 كيلومتر من الخط الأمامي بين القوات الحكومية والأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة يجلس شبان سوريون على سور حديقة وهم يدخنون ويحتسون المشروبات الخفيفة ويتحدثون في أي شيء إلا الحرب.
وتمثل عودة النشاط إلى هذا الحي الذي كانت الحركة لا تهدأ فيه جزءًا من المساعي الرامية لإضفاء جو الحياة العادية على العاصمة السورية رغم استمرار المعارك المستعرة في الحرب التي سقط فيها أكثر من ربع مليون قتيل وخرج 5 ملايين لاجئ من البلاد.
وفي اتجاه الشرق والجنوب الغربي مازالت الغوطة الخاضعة لسيطرة المعارضة تحت الحصار والقصف من جانب القوات الحكومية.
وفي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبًا واجه السكان في الآونة الأخيرة الجوع، حيث يتقاتل تنظيم القاعدة مع تنظيم داعش من أجل الفوز بالسيطرة.
وفي أواخر العام الماضي كانت القذائف تنهال على وسط مدينة دمشق بما في ذلك باب شرقي، أما الآن يدخن الناس النارجيلة (الشيشة) خارج حانة باب شرقي أو يشاهدون مباراة في كرة القدم في حانة مجاورة أكثر ضوضاء.
وقال نيكولاس رحال الذي يعمل مصمم طباعة وعمره 23 عامًا بصوت مرتفع حتى يكون مسموعًا وسط الموسيقى الهادرة النابعة من إحدى الحانات "من المؤكد أن هذا أمر لم تكن لتشهده منذ عامين، وقد انتعش أكثر من ذلك في الفترة الأخيرة."
وقال رحال، إن عدد ممن يخرجون للتنزه ازداد بعد أن فتحت الحانات أبوابها الواحدة تلو الأخرى ووظفت أعدادًا إضافية من الناس.
وتابع "بوسعي الآن الاختيار بين الذهاب لتلك الحانة أو ذلك الملهي الليلي، فقد افتتحت الأماكن وجاء الناس إليها."
ومازالت الحرب محسوسة داخل العاصمة، ويتولى جنود يحملون بنادق هجومية فحص السيارات بحثًا عن القنابل في الحواجز الأمنية للجيش الأمر الذي يتسبب في زحام مروري في مختلف أنحاء المدينة، في حين يمكن سماع دوي نيران المدفعية البعيدة.
ويخاف الشبان في مقتبل العمر بالمدينة على المستقبل، فقد فقدوا أحبة في أحداث العنف والنزوح، كما أن التضخم الجامح جعل الحياة مكلفة للغاية ويتلهف بعض الشبان كذلك على تفادي التجنيد في الجيش.
وتريد هذه الشريحة من سكان دمشق الاستمتاع بالحياة قدر الإمكان يشجعها على ذلك تحسن الوضع الأمني بعد تدخل روسيا الذي أدى إلى تعزيز وضع الحكومة، كما أدت هدنة جزئية في فبراير/شباط إلى جلب قدر من الهدوء.
وقالت دانا دقاق (21 عامًا) التي تعمل ليلا نادلة في حانة وتدرس نهارًا للحصول على درجة جامعية في الفنون الجميلة، وقد صبغت شعرها باللون الأشقر "الناس ملوا من الحرب ويريدون فقط أن يحيوا حياة عادية ولذلك يخرجون ويتواصلون."
وأضافت "في الشهور القليلة الماضية لم يعد الخروج في العطلات الأسبوعية، بل كل يوم، والأماكن مزدحمة."
بقيت هنا
وقالت دانا، إن حياة الحانة أكثر من مجرد وسيلة لنسيان الحرب، وإن كل الموجودين بالحانات لديهم ما يروونه من قصص شخصية عن تجاربهم المؤلمة.
وقالت دانا إبراهيم (21 عامًا) التي كانت تجلس في نفس الحانة التي جلس فيها رحال: "أقارب لي من ناحية والدي يخدمون في الجيش قتلوا تحت الحصار في حمص، وتعيش أمي وشقيقاتي الأربع بالقرب من المطار العسكري في المزة."
وقد تعرضت القاعدة الجوية في غرب دمشق لنيران القذائف وهي تقع ملاصقة لضاحية داريا التي يحاصرها الجانب الحكومي.
وقالت دانا: "في وقت من الأوقات كان القصف كل يوم، وذات مرة سقط صاروخ بجوار البيت، كنت خارج المدينة ولم أسمع أي أخبار لمدة يومين، واعتقدت أن أسرتي أصيبت."
وفكرت دانا في الرحيل مثل كثير من صديقاتها اللائي هربن إلى أوروبا أو دول مجاورة لكنها تفضل البقاء الآن بعد أن أصبح في إمكانها التواصل مع الآخرين.
وقالت "لما بدأت أشوف حياتي بقيت هنا، لا أريد أن أصبح لاجئة."
ويريد رحال أيضًا البقاء رغم ما مر به من تجارب الصراع، ويقول "حدث أكثر من مرة قرب بيتي أن شهدت أشخاصًا تفجرهم القذائف."
كانت السلطات قد ألقت القبض على رحال لمشاركته في احتجاجات عام 2011 قرب بداية الانتفاضة التي تحولت إلى حرب أهلية شاملة وكلفته آراءه السياسية صداقات.
وقال رحال، إن المشاحنات على فيس بوك تحولت إلى شجار بدني في الشوارع.
وأضاف "في الأيام الأولى من الأزمة اضطررت لمصاحبة آخرين، وأعرف شقيقين لا يتبادلان الحديث."
كلفة المعيشة
ومع ذلك فربما يدفعه عامل واحد للرحيل، وقال رحال "لم أنجز الخدمة العسكرية، وقد يحدث أن يستدعوني وليس لديك فكرة أين سيرسلونك أو طول المدة التي ستقضيها هناك، لدي أصدقاء وأقارب في الجيش في حلب وتدمر على سبيل المثال."
وأضاف "إذا استدعوني سأرحل عن البلاد، وربما أحاول العثور على عمل في بيروت."
وعلى الجانب الآخر من الخطوط الأمامية يجد السكان من الشبان خيارات أقل من ذلك.
قال ماهر أبو جعفر (23 عامًا) طالب الهندسة الزراعية الذي يعيش في الغوطة الغربية، إن العنف المتصاعد والحصار الذي تفرضه القوات الحكومية جعلا من المستحيل عليه أن يرحل عن المدينة.
وقال عن طريق رسالة عبر الإنترنت: "أعمل في الوقت الحالي في كشك بالشارع لبيع أدوات منزلية، أسرتي كبيرة لا يمكننا ضمان الحصول على الإمدادات الأساسية. والأمور تتدهور بسبب كلفة المعيشة."
وأدى التضخم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية بنسبة 90 % منذ عام 2011.
وفي الحانة بالحي القديم وضع رحال أوراقًا مالية قيمتها 550 ليرة سورية أي ما يزيد قليلًا على دولار واحد على المائدة.
وقال "ربما تحسن الوضع قليلًا من أجل العمل لكن الوضع الاقتصادي سيء، الأشياء غالية الثمن ومستويات المعيشة انخفضت."
وأثناء الليل تهدر مولدات الكهرباء خارج البيوت، بينما ينتشر الظلام في الأحياء بعد أن ظلت الكهرباء موجودة ما يقرب من نصف يوم.
وقالت دانا دقاق النادلة، إن علبة السجائر الرخيصة التي كان ثمنها 250 ليرة سورية قبل بضعة أشهر أصبح سعرها الآن 450 ليرة.
ومع ذلك فهي مشغولة الآن هي وأصدقاؤها وزبائنها لا بالحرب ولا بالاقتصاد أو التفكير في الهجرة، بل هم يريدون الاستمتاع بالحياة.
aXA6IDMuMTQyLjE1Ni41OCA= جزيرة ام اند امز