خبراء لـ "العين" : الانتفاضة تجاوزت مرحلة الاحتواء أو التقويض
وقف الانتفاضة مرهون بإنهاء الاحتلال
تقييم الخبراء السياسيين الفلسطينيين للانتفاضة بعد شهرين من انطلاقها.
توقع خبراء سياسيون فلسطينيون اتساع دائرة المواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي وارتفاع وتيرتها في المدى القريب، مستبعدين وقفها عبر إجراءات الاحتلال القمعية، أو التدخلات الدولية.
ويرى الخبراء أنه دون نزع العوامل الإسرائيلية التي أدت إلى انفجار الغضب في الشارع الفلسطيني، من بطش شديد وقتل واعتقال وتدمير، وتهويد القدس والمقدسات والاستيطان وتقييد حرية الحركة وحصار غزة، لن تقف الانتفاضة بل على العكس من ذلك "ستتسع دائرتها وتزيد درجة قوتها".
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس د. أحمد عوض: "بعد شهرين من الانتفاضة انخلق جو آخر تمامًا على مستوى الجمهور الفلسطيني.. فبعد أكثر من 103 شهداء وآلاف الجرحى، والتدمير الواسع والإهانة الشديدة من إسرائيل وغطرستها واستمرار اقتحام الأقصى والاستيطان، لم يعد لدى الفلسطيني ما يخسره"، لذلك لا يرى الفلسطيني غير الاستمرار في الانتفاضة.
ومنذ اندلاع الانتفاضة التي اصطُلح على تسميتها "انتفاضة القدس"، استُشهد 103 فلسطينيين، وأصيب أكثر من 12 ألف على أيدي قوات الاحتلال، فضلًا عن أسر أكثر من 1500 فلسطيني، وتدمير عدد من المنازل السكنية والأراضي الزراعية، وتقييد حرية الحركة بين مدن الضفة الغربية.
ويتوقع عوض لـ"بوابة العين"، أن تستمر الانتفاضة لفترة طويلة من الوقت "لن تقف الانتفاضة في المدى القريب.. لقد انطلقت ولا عودة إلى الوراء"، مشيرًا إلى أن احتواء الانتفاضة أو وقفها لن يكون قبل معالجة الأسباب الحقيقية التي فجّرتها.
ويتابع: "الفلسطينيون ذاهبون إلى آخر الشوط في هذه الانتفاضة لكن بوتائر مختلفة". لافتًا إلى أن هذه الانتفاضة هي "انتفاضة جمهور يتميز فيها الفعل النضالي بالفردية والجرأة والتضحية العالية"، لذلك من الصعب أن تقف بقرار سياسي فلسطيني أو بإجراءات عسكرية قمعية من الاحتلال أو حتى بأي وعود دولية بحل الصراع.
ويوافقه الرأي د. عثمان عثمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بمحافظة نابلس شمال الضفة الغربية، بقوله: "من الصعوبة أن تعود الأمور إلى الوراء"، ويشير إلى أن موجات الانتفاضة تركزت طوال شهرين في القدس والخليل، وفي الأيام الأخيرة امتدت لنابلس ومناطق أخرى كثيرة.
ولأيام خلت كان مصير الانتفاضة مرتبط بثلاثة سيناريوهات مختلفة؛ الأول نجاح إجراءات الاحتلال في تقويض الانتفاضة، والثاني تذبذب المواجهات بين مد وجزر، والثالث وهو ما استقر عليه رأي الخبراء بعد تطورات اليومين الأخيرين "اتساع دائرة المواجهات وتعمقها في الوجدان الشعبي الفلسطيني"، خصوصًا بعد فشل الجهود الأمريكية الأخيرة في احتواء الموقف، وكذلك عدم نجاح إجراءات الاحتلال في وقف الانتفاضة.
ويستبعد عثمان في حديثه لـ" بوابة العين" أن تنجح خطوات الاحتلال وإجراءاته القمعية في ردع الشعب الفلسطيني "بل على العكس، القمع الإسرائيلي يزيد غضب الفلسطينيين، ويُلهب مشاعرهم الوطنية. ويتابع "مع كل خطة عسكرية وإجراء إسرائيلي على الأرض في الضفة والقدس ترى فلسطينيًّا يهبّ لينفذ عملية طعن أو دهس أو إطلاق رصاص".
واعتمد المجلس الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية المصغر المعروف بـ"الكابنيت" قبل أيام، خطةً عسكرية من ستة بنود لمواجهة الانتفاضة الفلسطينية، ترتكز على اعتقال مزيد من الفلسطينيين، وإبعاد عدد منهم إلى قطاع غزة، وسحب تصاريح عمل، وتعزيز قوات الاحتلال في المناطق المشتعلة، وإقامة جدران فاصلة بين مستوطنات ومناطق فلسطينية جنوب الضفة.
حرج إسرائيل
ويعتقد عثمان أن إسرائيل غير معنية برفع درجة التصعيد العسكري ضد الفلسطينيين " لأنها تخشى من انفلات الأوضاع من يديها"، وذلك ما يسبب لها "ضغطًا وحرجًا على المستويين الداخلي والخارجي" الآخذ في التململ من حجم انتهاكاتها الواضحة بحق الفلسطينيين العزل.
ويرى عوض أن ما يزيد من حرج إسرائيل، وقوع معظم المواجهات في المناطق المعروفة وفق اتفاق "أوسلو" في مناطق ( ب، ج) في الضفة الغربية والخاضعة أمنيًّا لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، "معظم المواجهات تقع في مناطق خارج المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنيًّا.. وهذا ما يشكل أشد الحرج لإسرائيل" إذ لا تستطيع مطالبة السلطة (وفقًا للاتفاقيات المبرمة معها) بالتدخل لوقف المواجهات في مناطق خارج سيطرتها الأمنية.
ويربط عوض ارتفاع مستوى التصعيد على الأرض بإجراءات إسرائيل وقراراتها، مشيرًا إلى "أن الغباء الإسرائيلي يدفع الأمور نحو التشدد" ويواصل "في حال دفعت إسرائيل الأوضاع نحو التشدد فإننا نتوقع حدوث أشياء كثيرة وكبيرة لا يمكن لأحد أن يتوقعها"، ويتوقع عثمان أن تصل الأمور إلى حد إدخال السلاح الناري والعمليات التفجيرية الفردية (البعيدة عن التنظيمات)، وهذا ما تخشاه إسرائيل وتعمل على تجنب الوصول إليه.
لا عودة إلى الوراء
أكثر ما يقلق إسرائيل من وجهة نظر الخبراء السياسيين "الموقف المريح للسلطة الفلسطيني من خط سير الانتفاضة ونتائجها على الأرض"، ويفسر عثمان ذلك بقوله: "السلطة لم تدعُ للانتفاضة ولم تحرّك أنصارها للمشاركة فيها بل على العكس من ذلك"، وهذا ما يقلق المستوى السياسي الحاكم في إسرائيل.
ويضيف عثمان: "إسرائيل تدرك أن النتائج الحالية للانتفاضة تصب في صالح السلطة.. وقد أخرجتها من حالة الأزمة التي فرضتها سياسات إسرائيل عليها"، لذلك إسرائيل تعمل كل ما في وسعها "لإحباط مساعي السلطة لتحقيق نتائج إيجابية لصالحها من وراء الانتفاضة".
ويوضح عوض أن ما يقلق إسرائيل "رفض السلطة الاستجابة للتسهيلات التي تقدمها إسرائيل للفلسطينيين في سبيل وقف انتفاضتهم"، ويشير إلى أن "السلطة ترفض الوقوع في فخ الإغراءات الإسرائيلية والتسهيلات الفارغة مقابل التهدئة أو إعادة إنتاج الاحتلال من جديد أو حتى التعايش معه".
ويستبعد عوض أن تنجح التدخلات الدولية في احتواء الانتفاضة: "التدخلات الدولية أحد أسباب تفجر الانتفاضة.. بعد سنوات طويلة من تلك التدخلات أدرك الفلسطيني العادي أنها لم تكن لصالحه بل عملت على زيادة قوة الاحتلال"، لذا أخذ الفلسطينيون المسألة على عاتقهم وقرروا المضيّ في طريقهم النضالي حتى تحقيق شيء ملموس على الأرض.
ويرى الخبراء أن زمن "تقديم التسهيلات الإسرائيلية لحياة الفلسطينيين في الضفة وغزة مقابل تحقيق التهدئة لإسرائيل قد ولّى"، ويؤكدون أنه لن يُرضي الفلسطيني إلا إنهاء الاحتلال "بشكل كامل" أو على الأقل الاتفاق على الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الاحتلال على الأراضي الفلسطينية في حدود عام 67.
aXA6IDE4LjE4OC41OS4xMjQg جزيرة ام اند امز