نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر تعهد بملاحقة قتلة الصحفيين الفلسطينيين ومحاسبتهم على جرائمهم التي ارتكبوها بحقهم منذ عقود طويلة.
امتنع الصحفي الفلسطيني إبراهيم أبو ريدة، لعدة أشهر، عن التوجه لمنطقة التماس مع دولة الاحتلال الإسرائيلي شرقي قطاع غزة، لتغطية المواجهات والاعتداءات هناك، بعد أن نجا في تغطية سابقة بأعجوبة من الموت.
فبعد 7 أشهر من إصابته لا يزال أبو ريدة يحتفظ بتفاصيل ما جرى في ذلك اليوم الذي كتب له فيه حياة جديدة بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، فقد أصابت رصاصة صدره تماما، وظن المسعفون أن لحظاته مع الحياة محدودة.
تفاصيل الخوف
قبل يوم واحد من حلول اليوم العالمي للصحافة الذي يصادف الثالث من مايو كل عام، تحدث أبو ريدة بمرارة لبوابة "العين" عن الاستهداف الذي يواجه الصحفي الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي، عارضا تجربته المرة التي دفعته في لحظات إلى إعادة النظر في مهنته التي يعشق كمصور صحفي.
مساء 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي توجه أبو ريدة الذي يعمل مصورا لوكالة "إيلياء" المقدسية، وإلى شرق خان يونس حيث كانت تدور مواجهات مع قوات الاحتلال تفاعلا مع المواجهات التي بدأت تشعل للأسبوع الرابع على التوالي في الضفة في حينه.
يقول: "باشرت عملي وبدأت بتصوير الأحداث الجارية بواسطة كاميرا فوتوغراف خاصة بالعمل كانت بحوزتي، وخلال ذلك شاهدت عددا من الشبان يقتربون على بعد أمتار قليلة من الشريط الحدودي ويرشقون جنود الاحتلال بالحجارة، وكنت أسمع صوت إطلاق نار متقطع مصدره من ناحية جنود الاحتلال، وشاهدت جنود الاحتلال يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع تجاه المتظاهرين وقمت بتصوير ذلك".
ألم ومفارقة
وأضاف: "قمت بتصوير أحد الشبان خلال تعرضه للإصابة بالرصاص الحي.. وبعد حوالي 20 دقيقة توقف إطلاق النار قليلاً، فتقدمت عدة أمتار باتجاه الشريط الحدودي وكنت أحاول الوصول إلى بعض الشبان الذين تقدموا نحو السياج الفاصل لتصويرهم من مسافة قريبة.. أثناء ذلك تجدد إطلاق النار وسمعت صوت الرصاص بالقرب من مكان تواجدي، وبعد لحظات شعرت بشيء أصابني في صدري بقوة وشعرت بألم شديد. نظرت إلى موضع الإصابة فشاهدت دماء تنزف من صدري".
المفارقة أن أبو ريدة شاهد الجزء الخلفي من عيار ناري ظاهر من صدره، وكان الجزء الأمامي منه اخترق الصدر، انتابه شعور بأن إصابته خطيرة ومن شدة الخوف لم يستطع المشي وسقط على الأرض، وصرخ على الشبان المتظاهرين واستغاث بهم لمساعدته وبالفعل نقلوه إلى سيارة الإسعاف التي نقلته إلى المشفى وأدخل لقسم العناية الفائقة كون إصابته بالصدر .
وأشار إلى أن الأطباء استخرجوا الرصاصة التي تبين أنها اخترقت مسافة بسيطة من الصدر ووصلت إلى عظمة (الشست)، وبعدها تم إخراجي من قسم العناية ونقلوني إلى قسم الجراحة للمتابعة واستكمال العلاج.
200 انتهاك في 6 أشهر
وبحسب توثيق منتدى الإعلاميين الفلسطينيين فقد سجل قرابة 200 اعتداء من قوات الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطينيين منذ مطلع أكتوبر الماضي أي الفترة التي شهدت انطلاق موجة المواجهات الحالية مع إسرائيل.
إخراس الصحافة
ويؤكد ياسر عبد الغفور، نائب مدير وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أنه بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، تم إصدار تقرير خاص بعنوان إخراس الصحافة، رصد تصعيداً ملحوظاً في انتهاكات قوات الاحتلال التي تمارسها ضد الصحفيين والعاملين في وكالات الأنباء المحلية والعالمية والمؤسسات الإعلامية، خاصة في أعقاب اندلاع موجة التظاهرات والاحتجاجات في الأرض المحتلة منذ أكتوبر/تشرين الثاني 2015.
وأشار في حديثه لبوابة "العين" إلى أنه تم رصد (106) اعتداءات على الصحفيين، تشمل 34 حالة إطلاق نار أخرى أدت إلى إصابة (56) صحافيا، بينهم (11) صحافية، بينهن صحفية إيطالية بجروح مختلفة، و7 حالات تعرض خلالها (19) صحفيا، بينهم (3) نساء، ومعاق حركياً، للضرب والإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة.
كما أشار إلى 17 حالة تعرض فيها الصحفيون للاعتقال والاحتجاز، وحالات منع من العمل والسفر ومداهمة المنازل ومنع طباعة الصحف.
1406 انتهاكات خلال 8 سنوات
ووثق تقري خاص صادر عن لجنة دعم الصحفيين أكثر من 1406 انتهاكات ضد الصحفيين، خلال 8 سنوات لافتا إلى أن هذه الفترة شهدت استشهاد 27 صحفياً وإصابة المئات، فيما لا يزال 19 صحفيا يخضعون للاعتقال في سجون الاحتلال.
وقال التقرير الذي تلقت بوابة "العين" نسخة منه: "يستمر الاحتلال الإسرائيلي في ضرب المبادئ الأساسية لحرية الصحافة بعرض الحائط، من خلال الاستمرار في انتهاكاته، دون أدنى اهتمام بما يمثله الثالث من أيّار/مايو من كل عام، وهو التاريخ الذي يُحتفل فيه بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة؛ وذلك من أجل تقييم أوضاع حرية الصحافة في العالم أجمع، وحماية وسائل الإعلام من كل أنواع الاعتداءات والانتهاكات لاستقلالها ولتوجيه تحية إلى الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في ممارسة مهنتهم".
محاسبة قتلة الصحفيين
وفي ضوء الانتهاكات الدامية التي طالت الصحفيين الفلسطينيين، أكد نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر التزام النقابة بمحاسبة ومحاكمة قتلة الصحفيين.
وشدد نقيب الصحفيين في بيان أصدره عشية يوم الصحافة العالمي، وتلقت بوابة "العين" نسخة عنه، على أن جرائم الاحتلال لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن وستبقى مسؤولية العمل على محاكمة ومحاسبة من قتلهم مسؤوليتنا التي لن نتخلى عنها.
وأشار إلى أن الاحتلال لم يتوقف يوما واحدا عن حربه على الإعلام الفلسطيني والصحفيين الفلسطينيين، من أجل تكميم الأفواه ومنع نقل حقيقة جرائمه بحق شعبنا إلى العالم.
وأكد أبو بكر أن النقابة ماضية على درب الشهداء والجرحى والأسرى ولن توقفها قوة على هذه الأرض عن النضال من أجل حرية الصحفيين الفلسطينيين وحصولهم على حرية الحركة والتنقل دون أي تأخير أو إبطاء أو مماطلة.