محمد بن زايد : كل قطرة دم إماراتية في معارك الشرف وسام على صدورنا
في ذكرى توحيد القوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، يوجه كلمة للإماراتيين، يتحدث فيها عن مواجهة الإرهاب، ويحي لشهداء الذين ضحوا بأرواحهم
وجه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كلمة إلى الإماراتيين وأفراد قواتهم المسلحة، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأربعين لتوحيد القوات المسلحة.
وقال محمد بن زايد، في الكلمة التي جهها عبر "مجلة درع الوطن": "نحتفل اليوم بالذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة، ونحن نقف على أرض صلبة، ونتطلع إلى المستقبل بكل أمل وثقة بما تثبتونه من جدارة وعزيمة وقدرة على تحقيق النصر في المعارك العادلة، ضد قوى البغي والشر والإرهاب، وتعلنون من خلاله للخارج قبل الداخل سلامة النهج الذي سلكناه على مدى العقود الماضية، في تطوير جيشنا وإعداده وفق أحدث المعايير العالمية".
وفيما يلي نص الكلمة:
"إخواني وأخواتي أبناء القوات المسلحة الباسلة..
نحتفل اليوم بالذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة، ونحن نقف على أرض صلبة ونتطلع إلى المستقبل بكل أمل وثقة، بما تثبتونه من جدارة وعزيمة وقدرة على تحقيق النصر في المعارك العادلة، ضد قوى البغي والشر والإرهاب، وتعلنون من خلاله للخارج قبل الداخل سلامة النهج الذي سلكناه على مدى العقود الماضية، في تطوير جيشنا وإعداده وفق أحدث المعايير العالمية فأنتم أبناء الإمارات أساس هذا الجيش وأساس منظومة تطويره، وعليكم بعد الله نعتمد، تنيرون الطريق لدولتنا الغالية نحو غد مشرق تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.. غد عنوانه الأمن والاستقرار والمنعة وشعاره التنمية التي تحميها القوة وتصونها الوحدة.. في هذا اليوم الذي يحمل ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا أهنئكم وأشد على أيديكم وأؤكد دعم القيادة اللامحدود لكم واعتزازها وفخرها، والشعب الإماراتي كله بالدور البطولي الذي تقومون به في الدفاع عن الوطن والتصدي للأخطار التي تهدد الأمن العربي.
إخواني وأخواتي أبناء القوات المسلحة.. حصن الوطن ومصدر فخره واعتزازه.. تثبت الأحداث من حولنا أن قرار توحيد القوات المسلحة في السادس من مايو 1976، كان من أهم القرارات التي تم اتخاذها في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنه فتح الطريق أمام بناء جيش عصري قوي، يواكب مسيرة التنمية الوطنية، ويردع أي محاولة لتهديدها أو النيل منها، وربط أبناء الإمارات برباط مقدس هو رباط الدفاع عن الوطن وبذل الروح والدم في سبيله، وأسس مدرسة راسخة في الوطنية الإماراتية، تلهم المجتمع الإماراتي وتقدم له النموذج والقدوة في التضحية والفداء.
إن بناء القوات المسلحة الإماراتية، الذي بدأ منذ اليوم الأول لتوحيدها، انطلق من الإيمان بأن القوة هي التي تحمي المكتسبات وتصنع السلام وتردع المعتدين، وأن الضعف يخلق الفوضى ويغري بالعدوان.
وقد قام هذا البناء على أسس قوية، أنتجت جيشا يفخر به كل مواطن إماراتي وعربي، أول هذه الأسس إعطاء أهمية كبرى للعنصر البشري المواطن باعتباره عماد أي قوات مسلحة حديثة ومصدر تفوقها، لأنه مهما كانت أهمية التكنولوجيا العسكرية، فإنها يجب أن تترافق مع عنصر بشري مدرب ومتعلم ومؤمن بدوره وبالمهمة السامية الملقاة على عاتقه، ويمتلك إرادة القتال والتضحية والثقة بالنفس والقدرات.
الأساس الثاني هو إمداد القوات المسلحة بأحدث الأسلحة، التي يتم إنتاجها في أكثر الدول تقدما في مجال إنتاج السلاح للقوات البرية والبحرية والجوية، مع التركيز على الأسلحة التي تحقق التفوق النوعي لجيشنا، وتجعله قادرا على الحركة بكفاءة داخل حدوده وخارجها، والمشاركة بفاعلية مع أحدث جيوش العالم وأعرقها في عمليات مشتركة.
الأساس الثالث هو العمل على بناء صناعة سلاح محلية، تكون قادرة على مد قواتنا المسلحة بجانب مهم من احتياجاتها، وتكون رافدا مهما للابتكار والتقدم الصناعي، ضمن المنظومة التنموية لدولتنا الفتية، وقد قطعت الإمارات شوطا مهما على هذا الطريق بالفعل، وهي مستمرة في السير فيه لمزيد من تنمية وتطوير صناعة السلاح المحلية.. الأساس الرابع هو تعزيز القاعدة العلمية، التي تستند إليها القوات المسلحة من خلال التوسع في إنشاء الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية الوطنية، وفي الوقت نفسه إرسال البعثات العسكرية، لتلقي العلم في أعرق الأكاديميات العسكرية في العالم.
الأساس الخامس هو التدريب وفق أحدث الأساليب المتبعة على المستوى الدولي، والتوسع في المناورات المشتركة مع الدول الشقيقة والصديقة، من أجل إتاحة الفرصة لأبنائنا وإخواننا في القوات المسلحة، للاحتكاك بخبرات عسكرية من دول مختلفة والاستفادة منها والبقاء دائما في أعلى درجات الكفاءة والاستعداد.
الأساس السادس يتمثل في النهج الذي تم اتباعه في تطوير قواتنا المسلحة، وهو توسيع القاعدة البشرية فيها من خلال نظام الخدمة الوطنية، الذي أثبت منذ تطبيقه أنه كان توجها استراتيجيا مهما جاء في وقته تماما، حيث خلق جسورا من التواصل والتفاعل بين المجتمع وقواته المسلحة، ونقل تقاليد الالتزام والنظام والجدية التي تميز العمل العسكري إلى المجالات المدنية، فضلا عن أنه أثبت للعالم كله، أن الشباب الإماراتي الذي تسابق على الانخراط في الخدمة الوطنية، يقدر مسؤوليته في الدفاع عن وطنه، وأن دولة الإمارات العربية المتحدة مثلما هي رمز السعادة والرفاهية والتنمية المستدامة، فهي أيضا رمز الشباب الواعي المدرك لمسؤولياته، والمستعد لبذل الغالي والنفيس في سبيل الذود عن حياض وطنه والقيام بواجباته الوطنية.
إخواني وأخواتي.. فخر الإمارات وعنوان شموخها..
لقد عبر النهج الذي سارت عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال العقود الماضية لتطوير قواتها المسلحة وتحديثها وتقويتها، عن بعد نظر القيادة ورؤيتها الاستراتيجية ونظرتها الثاقبة إلى المستقبل، وقراءتها الدقيقة لمسارات وتفاعلات الأحداث الإقليمية والدولية، وهذا يتضح في ما تشهده منطقتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط من اضطرابات، ففي ظل هذا الوضع المملوء بالمخاطر والتهديدات على الأمن الوطني لدول المنطقة والأمن العربي بشكل عام، برز دور قواتنا المسلحة الباسلة، وظهرت ثمار تطويرها والجهد الكبير الذي بذل في هذا التطوير على مدى سنوات طويلة، من خلال الدور البطولي الذي قامت وتقوم به في حماية المصالح الوطنية العليا، وتحقيق أهداف السياسة الخارجية الإماراتية، ومد يد العون للأشقاء، والدفاع عن منظومة الأمن القومي العربي، في مواجهة محاولات التدخل في الشؤون الداخلية العربية، والتصدي لقوى التطرف والإرهاب، وإجهاض خططها ومشروعاتها الشريرة.
في هذه المناسبة الوطنية الغالية، أوجه رسالة إكبار وإجلال إلى أبنائي وإخواني، أبناء قواتنا المسلحة الباسلة الموجودين على أرض اليمن، المشاركين في عملية إعادة الأمل ضمن قوات التحالف العربي، بهدف إعادة الشرعية وحفظ الهوية العربية الأصيلة لليمن الشقيق، وأعبر عن الاعتزاز بما قدموه ويقدمونه من تضحيات، وما أظهروه من بسالة فائقة كشفت عن المعدن الأصيل للمواطن الإماراتي، الذي يتجلى في ظروف التحدي وأوقات الصعاب والمحن، فسوف تظل بطولاتهم ناصعة في صفحات التاريخ الإماراتي والعربي.
في الذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة الباسلة، نترحم على شهدائنا الأبرار الذين كتبوا بدمائهم مجدا جديدا لوطننا، ومنحوا الوطن بتضحياتهم حياة آمنة مستقرة، ونقبل رؤوس وجباه ذويهم الذين غرسوا فيهم حب الوطن والشجاعة والبطولة، وضربوا المثل الأعلى في التضحية والفداء والصبر والاحتساب، ونؤكد وقوفنا الكامل إلى جانبهم، وفاء لما قدمه أبناؤنا جميعا من تضحيات عظيمة، وقدوة حسنة للأجيال القادمة.
إن كل قطرة دم إماراتية سالت في معارك الشرف وميادين الحق، هي وسام على صدورنا جميعا يشعرنا بالفخر والشموخ، ويضع على كاهلنا مسؤولية كبرى، في الحفاظ على قواتنا المسلحة قوية عزيزة مهابة الجانب، وقادرة على العمل في كل الظروف والبيئات، داخل الوطن وخارجه، وهذا ما نعمل من أجله بكل قوة وعزم.
إخواني وأخواتي حماة الوطن ورمز عزته وقوته..
إن المجتمعات التي لا تمتلك القدرة للدفاع عن نفسها، وإرادة التضحية للحفاظ على مصالحها وسيادتها، هي مجتمعات هشة لا يمكنها الحياة بكرامة، في عصر يموج بالمخاطر والمطامع والتهديدات، وقد أثبت المجتمع الإماراتي خلال السنوات الأخيرة، أنه مجتمع صلب ومتماسك، وقادر على تحمل التضحيات، وواع بما يجب عمله لدرء الأخطار عن الوطن، وهذا ما ظهر بوضوح في التفافه حول قواته المسلحة، ودعمه لها في المهام التي قامت بها خلال السنوات الأخيرة، خاصة في إجهاض المؤامرة التي استهدفت مملكة البحرين الشقيقة في عام 2011، ومرورا بالانخراط في التحالف الدولي ضد الإرهاب، والمشاركة في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن الشقيق، وعبر عن نفسه بجلاء، في الفخر الشعبي بشهداء الإمارات، ومظاهر التكافل والتضامن مع أسرهم وذويهم.. وهذا مما يثلج الصدور، ويبعث الطمأنينة في النفس، على مستقبل هذا الوطن، ويعزز الثقة بمنعته واستقراره ووحدته، مهما كانت التحديات أو المخاطر التي تحيط به.
إن ما تشهده المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، من أزمات واضطرابات تنطوي على أخطار وتحديات مباشرة على أمننا الوطني، وما يعيشه العالم من تحولات وتغيرات، خاصة في سياسات واستراتيجيات القوى الكبرى تجاه منطقتنا، كلها عوامل تجعل من الاعتماد على القدرات الذاتية في مجال الدفاع أولوية كبرى وهدفا أسمى، وهو أمر أدركته القيادة الإماراتية منذ وقت مبكر واستعدت له، وفي هذا السياق، فإن الرسالة التي توجهها قواتنا المسلحة، من خلال دورها مع الدول الشقيقة والصديقة، في تحالف استعادة الشرعية في اليمن، ومناورات "رعد الشمال" والتحالف الدولي ضد الإرهاب، والتحالف الإسلامي في التعامل الفاعل مع التهديدات التي تحيط بالمنطقة، هي أنها تمتلك الإرادة والقدرة للدفاع عن مصالح الإمارات، والمساهمة الفاعلة في المحافظة على الاستقرار والسلام، على المستويين الإقليمي والعالمي، ومن هذا المنطلق سوف نمضي على طريق تطوير القوات المسلحة، وتحديثها خلال السنوات المقبلة، حتى تظل قوة نوعية ضاربة، قادرة على التعامل الفاعل مع كل مصادر الخطر والتهديد.
في هذا اليوم المجيد من أيام دولة الإمارات العربية المتحدة، الذكرى الأربعين لتوحيد قواتنا المسلحة، أتوجه بالتهنئة إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله وإخوانهما أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وإلى الشعب الإماراتي العظيم الذي يضرب المثل دائما في وحدته وتماسكه والتفافه حول راية الوطن لتبقى عالية خفاقة ومصونة.
نترحم على أرواح آبائنا المؤسسين، الذين اتخذوا القرار التاريخي بتوحيد القوات المسلحة، فأثمر غرسهم جيشا قويا، نعتز به ونفخر بتضحيات أبنائه البواسل، ونضعها تاجا فوق رؤوسنا.. وتحية لضباطنا وجنودنا الأبطال درع الوطن وسيفه القاطع، وكل عام ودولة الإمارات العربية المتحدة في عزة ووحدة، وقواتنا المسلحة في قوة ومنعة.