حلم الاكتفاء من القمح.. مؤشرات إيجابية وعقبات لوجستية
تستورد مصر ما يربوا على 4 ملايين طن سنويًّا، ومن هناك يطرح السؤال نفسه، هل فعلًا مصر في طريقها لحلم الاكتفاء الذاتي؟
تمثل المرحلة الأولى من مشروع استصلاح 1,5 مليون فدان، ضمن خطة طموحة لاستصلاح 4 ملايين فدان، في إطار برنامج لتغيير وجه مصر الزراعي في السنوات المقبلة، خطوة نحو تحقيق شكل من أشكال الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل الزراعية خصوصًا القمح.
وتبرز أهمية هذا المشروع لكون مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تستورد ما يربوا على 4 ملايين طن سنويًّا، ومن هناك يطرح السؤال نفسه، هل فعلًا مصر في طريقها لحلم الاكتفاء الذاتي، والذي دار في خلد المصريين على مدى أكثر من 40 عامًا، وظل مثار بحوث خبراء الزراعة، وجرت عليه أكثر من 100 رسالة دكتوراه وماجستير، بخلاف عشرات بل مئات الأبحاث، في الجامعات والمعاهد، ومراكز البحوث المختصة في مصر، خاصة مع بروز مشاكل في التوريد والتخزين وكفاية الصوامع للقدرات الإنتاجية المتوقعة من القمح.
المرحوم الدكتور عبد السلام جمعة، "أبو القمح المصري" أهم من حلموا بمشروع وطني مصري طموح لإنتاج القمح، وصولًا إلى الاكتفاء الذاتي، وبذل جهودًا كبيرة في هذا الشأن من خلال زيادة إنتاجية الفدان من محصول الغذاء الرسمي للمصريين، وتم خلال رئاسته للمركز استنباط أصناف جديدة من تقاوي القمح ذات الإنتاجية العالية تحت الظروف البيئية المختلفة كالحرارة والجفاف والملوحة، والتي رفعت إنتاجية محصول الفدان إلى 9 أرادب، مقابل نحو 5 أرادب.
وحول حلم الاكتفاء الذاتي من القمح، كان الدكتور عبد السلام جمعة يرى أن نقص المساحة الصالحة للزراعة في مصر والبالغة 8,5 مليون فدان الحائل أمام حلم الاكتفاء الذاتي من القمح، حيث تستهلك مصر 15 مليون طن سنويًّا، فيما يصل إجمالي إنتاج القمح المصري نحو 9 ملايين طن سنويًّا فقط، ويتم استيراد باقي الكمية من الخارج.
ومصر تزرع نحو 3 ملايين فدان من محصول القمح سنويًّا، ولكي يتم الاكتفاء الذاتي لا بد من زراعة 5 ملايين فدان، وهو ما يؤثر سلبًا على باقي المحاصيل التي تنتجها مصر، وبالتالي فإن في ظل ذلك فإن تحقيق هذا الحلم مستحيل، والحل في توسيع الرقعة الزراعية.
ومن رؤى المرحوم "أبو القمح المصري" فإنه يمكن تحسين محصول القمح في مصر عبر استراتيجية تقوم على التنمية الرأسية عبر تحسين إنتاجية الأراضي، والتنمية الأفقية عبر زيادة إجمالي المساحة المزروعة بالقمح، إضافة إلى ترشيد الاستهلاك وتحسين الحوافز السعرية للمزارعين.
ومن المقترحات الخاصة تحقيق الاكتفاء الذاتي، اقتراح دعا إلى تثبيت مساحة زراعة القمح عند 3 ملايين فدان سنويًّا، وتقليل مساحة الأرز إلى 1.4 مليون فدان، بدلا من مليوني فدان مع وقف تصديره للخارج، وهو ما يوفر المياه اللازمة للتوسع في زراعة الذرة والذرة الرفيعة خلال فصل الصيف لتصل مساحتهما إلى 3.5 مليون فدان، تنتج ما يزيد على 15 مليون طن من الذرة تكفي لتأمين مليون طن يتم خلط دقيقة الذرة بدقيق القمح في صناعة الخبز البلدي.
ويبدو أن خطوات تحقيق حلم مصر نحو الاكتفاء في إنتاج القمح يخطو في اتجاه صحيح، وذلك من خلال خطة التوسع في استصلاح الأراضي، والتي انطلقت مرحلتها الأولى باستصلاح 10 آلاف فدان بمنطقة الفرافرة، وترتفع إلى 31 ألف فدان العام المقبل.
المشروع طموح ومبشر، وانطلاقة لخطة مهمة على أرض الواقع، باستصلاح المرحلة الأولى من مشروع المليون ونصف المليون فدان، حيث نجحت القوات المسلحة بالتعاون مع وزارتي الزراعة والري ومحافظة الوادي الجديد في إتمام استصلاح 10 آلاف فدان تمت زراعتها جميعها بمختلف المحاصيل وإقامة 3 قرى نموذجية للريف المصري تستوعب ما يقرب من 2500 أسرة، وحفر أكثر من 700 بئر جوفية تمثل النواة الحقيقية لعمليات استصلاح الأراضي ورصف طرق واستكمال البنية الأساسية من صرف ومياه وخدمات كهرباء للقرى التي تمت إقامتها حتى لا تتكرر أخطاء عمليات التوطين التي تمت في التسعينيات وإقامة محطة للطاقة الشمسية.
اللواء أركان حرب كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، قال إنه تم زراعة 7500 فدان قمح وشعير، و2500 فدان خضراوات وأشجار زيتون بالأراضي الزراعية الجديدة، كما سيتم الانتهاء من زراعة 31 ألف فدان بسهل بركة بحلول مايو 2017، وبناء مساكن تتناسب مع احتياجات المشروع، وتم استخدام نظام الري المحوري والري بالتنقيط وفقًا لطبيعة المحاصيل بالأراضي الجديدة.
ونوه في تصريحات صحفية بأن هناك 280 ألف فدان سيتم زراعتهم بالوادي الجديد، وتم استعراض خرائط المياه الجوفية بالفرافرة، وتحديد أماكن الزراعة ونوعية المحاصيل الأنسب بمشروع المليون ونصف المليون فدان بالتعاون مع وزارتي الري والزراعة.
في ضوء هذه المؤشرات والسير بهذا المعدل في استصلاح الأراضي، ستضيف مصر نحو 1,5 مليون فدان في غضون 8 إلى 10 سنوات، وهو ما يؤشر إلى توفير مساحات لا تقل عن مليون فدان لزراعتها بالقمح، مما يمثل خطوة نحو الاكتفاء الذاتي من القمح، بزيادة الرقعة الزراعية، وتقليل الفجوة بين الاستهلاك والاستيراد، من أهم محصول يعتمد عليه المصريون.
والسؤال المهم هنا، هل الطريق معبد بالأحلام نحو الواقع، أم سيواجه بالعقبات والمشاكل؟ الإجابة مختلف عليها، خصوصًا مع ما تشهده عمليات توريد القمح الموسم الحالي، وما يواجهه من معوقات.
وإذا كانت صرخات الفلاحين ما زالت تطن في الآذان ليل نهار عن مشاكل التوريد وتضارب القرارات الوزارية، فماذا سيكون الواقع في السنوات المقبلة، مع ارتفاع حجم الإنتاج والمساحات المنزرعة قمح؟
وبدلًا من مساعدة الفلاحين والمزراعين لتحصيل القمح، وضعت العراقيل، ليصرخ المزراعون مرات ومرات، وهو ما اعتبرها الفلاحون أنها لصالح مافيا الاستيراد، خصوصًا مع تخلي الحكومة عن استلام القمح بالسعر العالمي.
والمشكلة الأكبر من وجهة نظر الموردين، تتمثل في قلة عدد الشون والصوامع اللازمة للتخزين الصحيح وعلى المدى الطويل للقمح، نظرًا لأن عمية توريد القمح تُعَد أهم خطوة لدى الفلاحين عقب الحصاد، بخلاف ارتفاع أجور العمالة اللازمة للحصاد، الأمر الذي دفع المزارعين لطلب تدخل الحكومة لفض حالة الاشتباك، خصوصًا بعدما وضع المزارعون والموردون كميات كبيرة من محصول القمح في الشوارع تحت أشعة الشمس معبأة في أجولة بلاستيكية، ما يعرضها للتلف والسرقة، بعد الفشل في توريد الكميات الكبيرة إلى شون بنك التنمية والائتمان الزراعي المصري.
ولمواجهة المشاكل التي تعترض توريد القمح، شكَّل وزير الزراعة الدكتور عصام فايد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي لجنة من مديريات الزراعة وقطاع استصلاح الأراضي، وبنك التنمية والائتمان الزراعي، لحصر المساحات التي لم ترد في كشوف الحصر التي تم إعدادها منذ زراعة المحصول، والتيسير على مزارعيها واستلام الأقماح منهم، وتوريدها، مؤكدًا أن الحكومة حريصة على التيسير على جميع المزارعين خلال موسم توريد القمح، وإزالة جميع العقبات التي تواجههم، فضلاً عن حصولهم على مستحقاتهم في أسرع وقت.
وأضحت أن الأزمة هي غياب سياسة واضحة لمنظومة زراعة ورعاية وتوريد القمح، يتم تنفيذها على مدار العام، وليس خلال الموسم فقط، ولا يتوقف الأمر عند تشكيل لجنة في كل أزمة، وحين تظهر، لمعالجة خلل هو إداري بشكل عام، خصوصًا أن وزير الزراعة اعترف بأن تأخر معدلات توريد الأقماح هذا الموسم، يرجع إلى تأخر اعتماد الشون وقلة عددها بالمحافظات.
ولا شك أن قضية الصوامع مسألة جوهرية في منظومة زراعة القمح، والوصول لبوابة الاكتفاء الذاتي، وهو ما يؤكده الجميع، حيث يقول اللواء أركان حرب كامل الوزير، إن الصوامع ليست وحدها العامل المهم في استصلاح واستزراع الأراضي، فشبكة الطرق أحد هذه العوامل أيضًا، إلى الخدمات اللوجستية، ونظم التخزين، خصوصًا الصوامع، وهو ما تم الاهتمام به، من خلال مد شبكة طرق واسعة تربط الأراضي الجديدة بمناطق الاستهلاك، والموانئ من أجل التصدير.
ونوه بمشروع تشييد عدة صوامع تغطي حجم الإنتاج المتوقع من القمح في الأراضي الجديدة.
مكتب مشروعات التنمية الإماراتية في مصر، أدرك أهمية صوامع الغلال ضمن مشروعاته في مصر، من خلال مشروع تصل سعة التخزينية الإجمالية لـ1,5 مليون طن، للحد من مشاكل التخزين التقليدية التي تؤدي إلى فقدان وهدر كميات كبيرة من القمح، خصوصًا في الصوامع الترابية واستبدالها بأخرى معدنية، وتكفي طاقة الصوامع الجديدة التي تشيدها الإمارات، وأنجزت جزءًا منها، استهلاك نحو 30 يومًا متصلًا، وإنتاج نحو 11,5 مليار رغيف.
الطريق نحو الاكتفاء الذاتي من القمح رغم مؤشراته الجيدة، إلا أنه ليس معبدًا بالكامل، وبحاجة إلى منظومة متكاملة، تبدأ من بداية الزراعة وربما الاستصلاح، وصولًا إلى نقاط الاستهلاك مرورًا بالتوريد وتخطي عقباته والسعر العادل والتخزين، واختيار مواقع الصوامع وقربها من مواقع الإنتاج والاستهلاك وشبكات المواصلات.
aXA6IDMuMTUuMTQ4LjIwMyA= جزيرة ام اند امز