بوادر سوق سوداء للقمح في مصر.. الأسباب والحلول
بعد قرار حكومي متعنت بعدم استلام القمح إلا بموجب حيازة زراعية أو حصر أراضٍ، اتجه العدد الأكبر من المزارعين للسوق الموازي
دائمًا ما تنشأ الأسواق السوداء أو الموازية لأية سلعة في مصر عن طريق خلل في الإجراءات الحكومية أو جمود القوانين الحاكمة للعلاقة الشرائية بين الدولة والعملاء، وهو الأمر ذاته الذي يسيطر حاليًا على سوق "القمح" المحصول الإستراتيجي الأول في مصر، وينذر بلجوء المزارعين لترويج القمح في السوق الموازي بعد قرار حكومي متعنت بعدم استلام المحصول إلا بموجب حيازة زراعية أو حصر أراضٍ، مع العلم أن آلاف مزارعي القمح في مصر لا تتوفر لديهم هذه الشروط لكونهم مستأجرين للأراضي.
الازمة بدأت تتصاعد مع شكاوى المزارعين بكل المحافظات المصرية الذين احتفظوا بمحاصيل القمح وبدأوا يشقون لها سوقًا موازية تزامنًا مع استنفار من تجار الحبوب لاستغلال الموقف وتجميع القمح من المزارعين بأسعار أقل من الرسمية (420 جنيها للأردب) – باعتبار أنه أقل الضررين على المزارعين -، مما دفع نواب البرلمان للتدخل لدى الحكومة لتوفير الحلول التي تضمن حقوق المزارع.
في الوادي الجديد بمصر – الأكثر إنتاجًا للقمح – تمكن النائب تامر عبد القادر عضو مجلس النواب عن المحافظة، انتزاع موافقة وزارتي التموين والزراعة على استثناء الوادي الجديد من قرارها بربط استلام محصول القمح ببطاقة الحيازة، وذلك بعد أن تقدم بطلب عن أهالي الوادي الجديد، لوزير التموين ووزير الزراعة للمطالبة بضرورة هذا الاستثناء، وبرر "عبد القادر" هذا الاستثناء بأن أغلب مزارعي الوادي الجديد حاصلين على أراض زراعية من جمعيات استثمارية وليس لديهم أي بطاقات حيازة لأراضيهم.
في باقي المحافظات المصرية لازالت الأزمة قائمة والتناوش بين المزارعين ومسئولي وزارة الزراعة يتزايد بعد تهديد المزارعين باللجوء للإضراب والتظاهرات، مما دفع وزير الزراعة المصري "عصام فايد" أمس للخروج بتصريحات تطمينية تفيد استلام القمح من المستأجرين أيضًا مؤكدًا أنه تم تشكيل لجنة من مديريات الزراعة وقطاع استصلاح الأراضي، وبنك التنمية والائتمان الزراعي، لحصر المساحات التي لم ترد في كشوف الحصر التي تم إعدادها منذ زراعة المحصول، والتيسير على مزارعيها واستلام القمح منهم، وتوريدها، وقال إن كل من زرع قمحًا سواء كان مزارعًا مالكًا أو مستأجرًا، فالدولة مسئولة عن استلام القمح منه، لافتًا إلى أن الاستلام لا يتم من خلال الحيازة فقط، ولكن أيضًا من خلال كشوف الحصر .
ورغم تصريحات وزير الزراعة إلا أن المشكلة لا زالت تتصاعد مع سقوط مساحات كبيرة من كشوف الحصر حتى بعد تعديلها، خاصة في محافظتي الشرقية والمنيا، حيث نظم مزارعو "المنيا" وقفات احتجاجية أمام منافذ تسليم القمح، وردًا على ذلك أفاد احمد يوسف وكيل وزارة الزراعة في المنيا – خلال تصريحات صحفية – أن الهدف من عدم استلام المحصول، هو منع التلاعب بتوريد القمح المستورد، والحصول على مبالغ مالية دون وجه حق، مؤكدًا استلام المحصول من المزارعين، غير الحائزين للأراضي الصحراوية، بشرط وجود حصر فعلي للمساحة المنزرعة.
وتعقيبًا على ذلك قال أحد مزارعي محافظة المنيا المتضررين لبوابة "العين" الإخبارية: "إن الحكومة المصرية ليست هزيلة أو معدومة الخبرة حتى يمكنها التفريق بين القمح المحلي والمستورد، وليس لدينا أي مانع من فرز القمح بحوزتنا والكشف عنها قبل توريدها، الأهم بالنسبة إلينا أن يتم التوريد لنحصل على حقوقنا كاملة وتحصل الدولة على حقها".
وأضاف "لا نعرف كيف تشجعنا الدولة على زراعة القمح ثم ترفض استلامه فيما بعد، ثم نتحدث بعد ذلك عن أزمة في عدم الاكتفاء الذاتي من القمح".
فيما عقب آخر: "فدان القمح في مصر يكلفنا 15 ألف جنيه كمتوسط إيجار وأسمدة، والآن ترفض الحكومة استلامه، لا لوم علينا إذا اتجهنا لبيعه في السوق السوداء للتجار بأسعار أقل من الرسمية، وعندما يحتكر التجار سوق القمح ويتحكمون في سعر رغيف الخبز سوف تعود وزارتي الزراعة والتموين لتصحيح أخطاءها، ولكن بعد فوات الأوان وبعد أن تكون أهدرت ثروة قومية ستسعى لاستيرادها من الخارج".
وفي تصريحات صحفية لبوابة "العين" الإخبارية قال "محمد برغش" نقيب فلاحي مصر، إن تحديد 420 جنيها لأردب القمح جاء في صالح المزارع المصري وهو القرار الذي نثني عليه جميعًا، أما فيما يتعلق بعدم استلام القمح من المزارعين المستأجرين أو "واضعي اليد" فنطالب الدولة بتحديد تلك الأراضي عن طريق جهاز الاستشعار عن بعد الخاص بها – ونحن واثقون في قدرتها على ذلك – وبدء إعطاء تعليمات فورية للجمعيات الزراعية باستلام القمح من هؤلاء المزارعين حتى نفض هذا الاشتباك.
وأشار مسئول في وزارة الزراعة المصرية في تصريحات لـ"العين" أن الحكومة تعطي الآن أولوية لاستلام المحصول من المزارعين التي تنطبق عليهم الشروط كاملة، وبعد ذلك سنناقش كل المقترحات والسبل التي يطرحها الجميع لاستلام المحاصيل بالشكل الذي يضمن للدولة حقها وللمزارع أيضًا.
وقال إن تصريحات وزيري الزراعة والتموين واضحة للجميع، فكلاهما أكد على استلام القمح من جميع المزارعين سواء كانوا ملاك للأراضي أو مستأجرين مشيرًا إلى وعد وزير التموين للمزارعين جميعًا "مفيش واحد هيزرع قمح ومش هيعرف يسلمه".
وكانت وزارة التموين المصرية أعلنت في بيان لها أمس السبت أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، سيفتتح المشروع القومي للحد من إهدار القمح 17 صومعة جديدة، بمنحة من دولة الإمارات، قامت بتنفيذها الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، و105 شون حديثة تم تحويلهم من ترابية إلى شون حديثة متطورة، قامت بتنفيذه أيضًا الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة بالتعاون مع شركة "بلومبرج".
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjE1MiA=
جزيرة ام اند امز