الوطن كالأم لا يمكن التخلي عن حضنها وعن حنانها ولو بلغ الفتى منا من العمر عتيًّا، فنحن ننتمي لأوطاننا كما ننتمي لأمهاتنا فلا فرق بينهما
اكم هي مليئة هذه الحياة بالذنوب والأخطاء التي تتفاوت درجاتها وجسامتها، لدرجة أن بعضها يكاد لا يغتفر، ولكن أمام الله ﷻ لا يوجد ذنب لا يغتفر، ما عدا الشرك به سبحانه وتعالى.
وبالأمس في إحدى وسائل التواصل الإجتماعي، برز أحد المواطنين ليحكي تجربةً مريرة عاشها في كنف تنظيم الإخوان المسلمين، وكيف استُدرِج إلى وحل الظلمات وإنكار الذات، وإجحاد الحق وعصيان ولي الأمر، مقابل الإخلاص والطاعة لتنظيم الإخوان المسلمين وقادته، وكيف أنه قد عايش وشاهد في هذا التنظيم التحريض على ولي الأمر والأوطان ومهاجمتهما، في مجلسٍ اجتمع أعضاؤه يحيكون ويدبرون الخطط لخداع المجتمع وأفراده باسم الدين وباسم الله ﷻ، وهم يرتشفون فنجان الغدر والخيانة، ويسقون أوطانهم أقداح التخوين والتكفير والعبودية !!تمعنت بالأمس تمعن المتأثر، حتى كاد الدمع يفيض من صدق ما جادت به نفس العائد لحضن وطنه، ومن مرارة ما عاناه وهو غريبٌ عن وطنه، ليس هذا فحسب، بل إنه يتألَّمُ من ذكرى موقفٍ عاشه يومًا ما وهو يقف صفًا مرصوصًا بجانب من يخطط ويدبر الأمر ليل نهار، ليحطم وطنه ويقتل شعبه ويدمر أمةً بأكملها، وتمعنت في صدق إحساسه تجاه هذا الوطن، الذي لم ينضب عطاؤه للبعيد والغريب، ولم يبخل قط مثقال ذرةٍ من العطاء والجود لأبنائه لا من قريب ولا من بعيد.
إن الوطن كالأم لا يمكن التخلي عن حضنها وعن حنانها ولو بلغ الفتى منا من العمر عتيًّا، فنحن ننتمي لأوطاننا كما ننتمي لأمهاتنا فلا فرق بينهما، فالأم أنجبت وربت والوطن احتضن وتكفل، فكل منهما يستحق منا البذل والعطاء والتضحية، ولاشك أن الوطن من أسمى الضرورات التي تستقيم بها حياة الفرد، ولا معنى للحياة إن عاشها الإنسان مشردًا من غير وطن، ولا معنى للأرواح مالم تنذر لله ثم الوطن ثم الرئيس.
ولأن تعيش يتيمًا بلا أم أهون من أن تعيش مفقودًا بلا وطن، ولأن تموت جوعًا في وطنك أهون عليك من أن تحيا غارفًا للمال ذليلًا في غير موطنك، ولا أعني هنا من ارتحل من موطنه طالبًا العلم والعمل، متأملًا الخير طارقًا لأبواب الرزق؛ لأنه بذلك يسعى لخدمة وطنه حتى ولو بإعانة أهله وإعمار أرضه وأرض أبائه وأجداده، فخير الغربة لاشك عائدٌ على وطنه ومجتمعه.
وإنما المعني هنا أولئك الذين امتعضوا من أوطانهم، بانتمائهم لتنظيمات متأسلمة لا وطن لها، فتغذت قلوبهم وعقولهم على الحقد والجحود وعقوق الأوطان، وترسخت في داخلهم عقيدة التنظيم بأن الوطن ما هو إلا حفنة تراب!!
ففي عقيدتهم لا انتماء ولا ولاء لوطن أو قائد، رغم أن أمر الله ﷻ جاء صريحًا في كتابه بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر منا، إلا أن تنظيم الإخوان المسلمين أنكر الولاء لولي الأمر وصنفه عبوديةً وكفرًا بالله ﷻ، وعلى النقيض من ذلك جعل هذا التنظيم من الولاء له وللمرشد أمرًا مقدسًا قدسيةً لا تقبل المساس ولا النقاش ولا التردد أو السؤال.
تنظيم الإخوان لم يعترف بالأوطان وقدسية حدودها، فاتخذ من الأوكار السرية والمظلمة وطنًا، يعيش فيها مختبِئًا في جحور المكر والخداع عاكفًا على التحريض ضد ولاةِ الأمر وتدمير الأوطان ومقدراتها، فما يلبث أن يرى بصيص أمل في تولي زمام السلطة هنا أو هناك، إلا وأخرج رأسه صادحًا بالإسلام دينًا وبالله ربًا وبمحمدٍ ﷺ نبيًّا، وما يلبث العامة من الناس أن يصدقوا جميل قولهم، حتى تتساقط أقنعتهم تباعًا كما تتساقط أوراق الشجر من ريح الخريف، وإنه لمن الغريب في دعواهم المتأسلمة أنك لا تجد في كتب هذا التنظيم أو هذه الجماعة ما يحث على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى أن مشايخهم ودعاتهم يسحرونك بمعسول الكلام وأطيبه، ثم ما يلبثوا حتى يشمروا عن سواعدهم، ويكشفوا عن وجوههم، وقبيح نياتهم بالدعوة إلى هلاك الحرث والنسل، والعاقل منا يسأل أخُلقنا لنهُلِك العباد أم لنعبد رب العباد؟ وندعو إليه بالرحمة والرفق واللين ونعمر أرض الله بالخير والإحسان؟
ولا عجب فيما سبق طالما أنهم يعتبرون أنفسهم هم المسلمون المؤمنون فقط وغيرهم ممن لا ينتمي لحزبهم وتنظيمهم كافرٌ فاجر!!
فلقد صوَّر قادةُ التنظيم أنفسهم منذ نشأته، على أنهم مستضعفين في الأرض، وتشبهوا أمام أتباعهم بالمهاجرين من مكة، وأنهم الصابرون إلى أن يشاء الله ثم يؤتيهم بحوله وقوته من بعد الضعف قوة وعزمًا، فيستبدلوا الود وليّن الحديث بشدة السلاح، لرسوخ عقيدتهم بأن لا مكان للإسلام من غير قوة السلاح!!
كثيرةٌ هي الشواهد على استغلال هذا التنظيم لمعطيات الزمان والمكان الذي يعيشون واقعه، فتجدهم يستغلون بوق الديمقراطية ومنابر العدالة والمساواة، فَينْصِبوا ويوجهوا مدافعهم تجاه أمتهم وأوطانهم تكفيرًا وتفجيرًا متى سنحت لهم الفرص.
ولأننا اليوم أصبحنا في زمن لا يمكن للأفاعي أن تخفي نفسها مهما صغُر حجمها أو زاد مكرُها، فكلنا اليوم جنود للوطن، تحت أمر ولاتنا وقادتنا، يدًا بيد معهم وبهم نعمر الوطن وندافع عنه ونذود عن حدوده ومقدراته.
وعلى من أخطأ وتدارك نفسه، أن يعلم بأن الإمارات دولةٌ حباها الله بقادة ينظرون إلى شعبهم نظرة الأب لأبنائه حنانًا وعطفًا وكرمًا، فتجدهم يقضون الليل بالنهار عملًا وتخطيطًا وبذلًا لإسعاد أبنائهم، وما جزاؤهم في ذلك منا إلا الإحسان والطاعة.
فهنيئًا لمن جعل وطنه نصب عينيه واعتنى به كما يعتني بجسده وعائلته، وهنيئًا لمن أدرك خطأه ووقف شامخًا ينكر ما كان فيه، أوابًا إلى الحق وطريق السلام، فليس هناك أجمل من العودة لحضن الوطن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة