يشكل التطرف الديني خطراً كبيراً على البشرية، خاصة بعد أن أخذ منحى تصاعدياً وتمكن من الانتشار ولم ينج منه شرقٌ ولا غرب
يشكل التطرف الديني خطراً كبيراً على البشرية، خاصة بعد أن أخذ منحى تصاعدياً وتمكن من الانتشار ولم ينج منه شرقٌ ولا غرب، ورغم أن التطرف الإسلامي هو سيد المشهد اليوم بفضل «داعش» وشقيقاتها من نماذج الإرهاب، إلا أن التطرف المسيحي هو أكثر خطراً ليس فقط لما تشكله دول الغرب من قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية في عالم اليوم وإنما لما يشكله هذا الداء من ضرب القيم السامية التي قامت عليها الحضارة الغربية وهي قيم الإخاء والحرية والمساواة.
وتعتبر المسيحية الصهيونية أخطر أشكال التطرف، لأنها نجحت في السيطرة على مفاصل القرار في أكبر الدول الغربية، وهي الولايات المتحدة.
وتجلى ذلك من خلال الانحياز المطلق ل«إسرائيل» في كل انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني، وقد دأب مرشحو الرئاسة الأمريكية على مر العهود يقطعون العهود على أنفسهم بضمان أمن «إسرائيل»، والعمل على ضمان تفوقها التقني والعسكري على كل دول المنطقة مجتمعة.
ومؤخراً مضى دونالد ترامب، المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للوصول إلى البيت الأبيض، على درب سابقيه، وتعهد أمام لجنة العلاقات الأمريكية - «الإسرائيلية» (إيباك) بمواصلة تحالف أمريكي قوي مع «إسرائيل» إذا انتُخِبَ رئيساً، وأنه سيقاوم أية محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على «إسرائيل»، وسوف ينحاز إلى «إسرائيل» في أية مفاوضات بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين».
ويؤمن المسيحيون الصهيونيون أن قيام دولة «إسرائيل» عام 1948 كان ضرورة حتمية، لأنها تتمم نبوءات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وتشكل المقدمة لمجيء المسيح الثاني إلى الأرض كملكٍ منتصر. ويعتقد هؤلاء أن من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام، وعن الدولة العبرية بشكل خاص.
ويعد المسيحيون الصهيونيون أكثر حقداً وكرهاً للمسلمين من اليهود، ولعل من أبرزهم القس جيري فالويل مؤسس جماعة العمل السياسي الأصولي المسماة «الأغلبية الأخلاقية»، وهو الذي تكلم واتهم دين الإسلام بأنه دين إرهابي، وذلك في أعقاب 11 سبتمبر.
ويعد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من أشد المؤمنين بالصهيونية المسيحية، فقد صدر في فرنسا كتاب عن حرب العراق وصلتها بالقضاء على يأجوج ومأجوج للصحفي الفرنسي كلود موريس. وجاء في الكتاب أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك لم يكن يتخيل أن نظيره الأمريكي جورج بوش الذي يترأس أقوى دولة في العالم يمكن أن يحاول إقناعه بالمشاركة في الحرب التي شنها على العراق في مارس/آذار 2003 بالتأكيد على أنها تستهدف القضاء على يأجوج ومأجوج اللذين يعملان على تشكيل جيش إسلامي من المتطرفين في الشرق الأوسط لتدمير «إسرائيل» والغرب الذي يساندها، معتبراً أن «هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي استهدفت نيويورك وواشنطن هي بداية لهذه الحرب المدمرة».
لكن اليوم لا نعلم ما هو موقف جورج بوش وهو يشاهد جحافل الإرهابيين وهي آخذة في الازدياد منذ أن دمر العراق في تلك الحرب العبثية.
ومن الإنصاف القول إن العداء ضد الإسلام لا يقتصر فقط على المسيحية الصهيونية، فهناك متطرفون مسيحيون في أوروبا لا ينتمون إلى المسيحية الصهيونية، لكنهم يعادون المسلمين، ويدعون إلى التدخل القسري واستخدام العنف واستعمال السلاح لفرض التقاليد والقيم الأوروبية، لكن الأحزاب السياسية التي تحمل أفكار هؤلاء تقدم نفسها على أنها تدعو إلى فرض التقاليد والقيم دون اللجوء إلى العنف، بالرغم من أن عقيدتها ومواقفها وردود أفعالها كانت دائماً متطرفة وأرضية خصبة للأفكار المتشددة، دفعت كل من يحملون أفكارها، ويؤمنون بمبادئها إلى ارتكاب أعمال لا يمكن وصفها إلا بالإرهابية، من أجل تخليص مجتمعاتهم من «المظاهر الغريبة» التي جلبها إليهم المسلمون. ففي عام 2011 أقدم شاب نرويجي يدعى أندرس بهرنغ بريفيك، وهو مسيحي متطرف، على ارتكاب أبشع مجزرة في تاريخ النرويج الحديث، حيث قتل ما لا يقل عن مئة إنسان بريء في العاصمة أوسلو.
ويشكل صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا ناقوس خطر قد يفضي إلى حدوث كارثة في أوروبا والعالم، ففي فرنسا يقترب حزب الجبهة الوطنية المتطرف من الوصول إلى سدة الرئاسة في فرنسا، بعد أن ارتفعت شعبيته في أعقاب التفجيرات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم «داعش» في باريس، وليس هذا الحزب سوى واحد من عشرات الأحزاب اليمينية المتطرفة التي انتشرت في مختلف دول أوروبا.
إن صعود اليمين المتطرف في أوروبا يمثل كارثة حقيقية، وهو يؤكد على أن التطرف ليس مرادفاً لدين أو عرق بعينه، وبأن الكثير من الأفكار والمعتقدات المنتشرة في كل بقاع الأرض يمكنها أن تشكل خطراً على البشرية في أي مكان وفي أي وقت.
نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة