التعاطي الإعلامي الأميركي والبريطاني مع «الحرب على الإرهاب» يثير كًما كبيًرا من الأسئلة حول حقيقة هذه الحرب ودور الوسائل الإعلامية فيها
التعاطي الإعلامي الأميركي والبريطاني مع «الحرب على الإرهاب» يثير كًما كبيًرا من الأسئلة حول حقيقة هذه الحرب ودور الوسائل الإعلامية فيها.
فبقدر الغموض الذي لف ظهور تنظيمات إرهابية كـ«القاعدة» في الثمانينات و«داعش» في السنوات الأخيرة، وبقدر الغموض الذي شمل كيفية تمدد هذه التنظيمات وانتشارها وتأثيرها، يفتح تعاطي وسائل الإعلام مع الأخبار الأخيرة في هذه الحرب باب الأسئلة حول أغراضها، هل هي حًقا لخدمة هذه الحرب أو... وهنا تبدو المفارقة، للاستفادة من هذه الحرب؟!
فتوقيت الإعلان عن الدور الإيراني الداعم اللوجيستي لـ«القاعدة» لم تكشف وسائل الإعلام عنه إلا بعد أن انتهى الاتفاق النووي الإيراني، ولم يعلن قبلها، وللتوقيت معنى كبير، إذ كان بالإمكان أن يفسد هذا الإعلان إتمام العرس الأميركي الإيراني لو أعلن عنه مسبًقا، فهل تعمدت وسائل الإعلام الصمت؟ أو كان توقيت تسريب المعلومات مدروًسا لخدمة أغراض أخرى غير الحرب على الإرهاب؟
أما توقيت ما كشفته «سكاي نيوز» عن دور نظام الأسد في دعم «داعش» فهو سابق لمفاوضات جنيف، فهل سربت هذه المعلومات في هذا التوقيت لأغراض سياسية؟ أم كان يجب الإعلان عنها لخدمة الحرب على الإرهاب؟
في تقرير نشره موقع «بيزنس إنسايدر» بعنوان «أدلة على تواطؤ الأسد و(داعش) سوًيا»، أشار إلى أن شبكة «سكاي نيوز» البريطانية حصلت على وثائق جديدة تفيد بأن استرداد الحكومة السورية لمدينة تدمر الأثرية من قبضة مقاتلي تنظيم داعش تَّم على ما يبدو في إطار اتفاق مسبق بين كلا الجانبين سمح لـ«داعش» بإزالة أسلحته الثقيلة من المدينة قبل سحب قواته.
وذكرت شبكة «سكاي نيوز» أنها حصلت على الوثائق من جماعة داخل الجيش السوري الحر تتألف من منشقين عن تنظيم داعش من مدينة الرقة، العاصمة الفعلية للتنظيم المتطرف في سوريا.
ونصت إحدى الوثائق، التي يعود تاريخها إلى ما قبل استعادة الجيش السوري لتدمر في نهاية مارس (آذار) الماضي، على «سحب جميع الأسلحة الثقيلة والمدافع المضادة للطائرات من داخل مدينة تدمر وحولها ونقلها إلى محافظة الرقة».
وقال كبير مراسلي «سكاي نيوز»، ستيوارت رامزي، إنه سأل أحد المنشقين ما إذا كان «داعش» ينسق تحركاته بصورة مباشرة مع القوات الموالية لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وأجابه أن هذا هو ما يحدث «بالطبع». (المصدر مركز آكت للترجمة والأبحاث).
ويلفت التقرير إلى أن صحيفة «وول ستريت جورنال» تحدثت الشهر الماضي عن ملفاتُعثر عليها خلال مداهمة منزل أبو سياف، وزير النفط داخل تنظيم داعش، الذيُقتل على يد القوات الخاصة الأميركية في معقله بمحافظة دير الزور السورية في مايو (أيار) الماضي.
وتكشف تلك الوثائق عن صفقاتُيزعم أن نظام الأسد أبرمها مع أبو سياف، وساهمت بنحو 72 في المائة من إيرادات «داعش» من الموارد الطبيعية مما ساعد «داعش» على جمع ما يقرب من 40 مليون دولار شهرًيا من إيرادات النفط فقط.
ويشير التقرير إلى أن «حقول الغاز الطبيعي المحيطة بتدمر كانت مصدًرا بالغ الأهمية للدخل بالنسبة لمقاتلي التنظيم، الذين حولوا الغاز إلى وقود بيع بعد ذلك إلى الأسد».
كل هذه المعلومات ظهرت في صحيفتين بريطانيتين فجأة دون سابق إنذار، والمفارقة الكبرى هي أن هذا الإعلام المهتم جًدا بالحرب على الإرهاب، الذي يكشف ما يريد في توقيت ما يريد، هو ذاته الذي صمت عن خبر تحرير المكلا، ربما يكون الصمت خدمة لما يريد!! وهذا ما تساءل عنه مايكل موريل، نائب رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، صاحب كتاب «الحرب العظمى في زماننا.. من (القاعدة) إلى تنظيم داعش» في مجلة «بوليتيكو» الإلكترونية، في مقال له بعنوان «الهزيمة الكبرى لتنظيم القاعدة التي لا يتحدث عنها أحد»، فقال: «إن حدًثا مهًما وإيجابًيا قد وقع مؤخًرا في الشرق الأوسط دون أن يعلمه معظم الأميركيين. إذ سددت دولة الإمارات العربية المتحدة في أواخر الشهر الماضي ضربة كبرى، تحت لواء التحالف الذي تقوده السعودية، ضد الذراع الأكثر خطًرا وفتًكا لتنظيم القاعدة في العالم، (القاعدة في شبه
الجزيرة العربية)، وهو التنظيم الإسلامي المتطرف الأبرز في دولة اليمن».
ويشير الكاتب إلى أن «الإعلام الغربي يميل كثيًرا إلى تصوير دول الخليج بأنها غير قادرة على القتال وغير مستعدة للتعامل مع الإرهابيين والمتطرفين داخل حدودها وأنها تؤثر الابتعاد عن ساحة المعركة، ثم جاءت العملية الإماراتية في اليمن لتدحض كل هذه المزاعم».
السؤال، أليس من المفروض أن يخدم هذا الخبر الحرب على الإرهاب؟ أم أن لهذه الحرب أغراًضا أخرى؟ كيف تجاهل الإعلام هذه العملية العسكرية التي وصفها الخبير في الأمن القومي مايكل موريل بأنها «اتسمت بدرجة عالية من التخطيط والمهارة في التنفيذ؛ حيث عمل الإماراتيون مع القبائل اليمنية المحلية لضمان دعمها للعملية، وقاموا بتدريب كادر من الجنود اليمنيين للمساعدة في تنفيذها.
وتضمن الهجوم نفسه عمليات جوية وبحرية وبرية منسقة، واستغرق بضعة أيام بدلاً من أسابيع».
ويختتم الكاتب المقال بالقول إن «دولة الإمارات أبدت ذلك النوع من القدرة العسكرية والاستعداد للتحرك ضد الإرهابيين الذي ينبغي أن يغدو نموذًجا للدول الأخرى في المنطقة، ويجب أن تدعمه الولايات المتحدة، سواء بالمساعدة الملموسة أو التصريحات العلنية».
إن تلك المفارقات تعيد طرح السؤال الأهم: هل حقا هم يحاربون الإرهاب؟
نقلاً عن "صحيفة الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة