المبدعون يفكرون خارج نطاق المألوف وهم أهم ثروات الشعوب المتقدمة، وفي عالمنا العربي يكون المبدع حبيس وظيفة ما لا يخرج منها ليخدم مرؤوسيه
هل تشعر بإحباط عندما تقدم فكرة جديدة وترى بأنها سوف تحدث ثورة خلاقة في العمل.. وتنتقل به إلى مستويات غير مسبوقة، وفجأة يأتيك المسؤول الأكبر أو تجلس أمام لجنة القرار وتنهال عليك الأسئلة، وترد بكل عقلانية وثقة كونك مستعدا لتلك الأسئلة وأنت في قرارات نفسك تعلم أنه لن يسألها في الغالب الأشخاص المعنيون أو أصحاب القرار، ولكن أشخاص ليس لديهم أدنى معرفة أو صلة بالموضوع وهدفهم ليس دائماً الاستفسار للفهم أو لضبط الجودة أو الإفادة؛ ولكن قد يكون أمرا ينبع من نمط شخصيتهم أو يحاولون وقف التغيير وهم غير جديرين بالجلوس على الكرسي المقابل لك.
فالإبداع هنا أن تجعلهم يريدون ما تريد الوصول إليه من خلال موافقتهم في الطرح وتطعيم طرحهم بأفكارك ليتوافقوا معك دون أن تفقد المشروع جوهره وأهدافه الرئيسية، وأن تشعرهم أن أسئلتهم ومقترحاتهم تضيف بعدا آخر على الفكرة مما يجعلها أكثر عملية، وبأنهم أزالوا عنها بأسئلتهم معوقات الفشل وسيتكفلون هم بالباقي طول فترة العرض والدفاع المستميت عن مشروعك!
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يجب علينا التفكير من خارج منطقة الراحة أو الصندوق الاعتيادي الذي تعودنا عليه، ونرتاح بأن نكون في تلك المنطقة التي تشعرنا بأننا سنصل لحل سيفي بالغرض وهو ما يقوم به معظم الناس؟
الجواب البسيط هو أنك توفر لنفسك أو فريقك حلولا غير متوقعة للمشاكل والتحديات التي هي دائما أكثر ابتكارا من الحلول التي تنجم عن بيئة العمل الروتيني وحتى التنافسية، ولذلك ما تحتاج إليه هو وسيلة لخلق الأفكار غير المتوقعة التي هي جديدة جدا ومبتكرة للغاية بحيث لم يتصورها أحد حتى الآن أو تخيل أنها سوف تنجح أو لها أي جدوى تذكر.
فالمبدعون يفكرون خارج نطاق المألوف وهم أهم ثروات الشعوب المتقدمة وفي عالمنا العربي يكون المبدع حبيس وظيفة ما لا يخرج منها ليخدم مرؤوسيه، ويبدون هم كعباقرة حتى يستمرون في الظهور السينمائي ويصبحون نجوم مؤسساتهم، فلا بد أن تخفى تلك الجوهرة عن الأنظار بل حتى لا يلجأ إليها بعد وصول المتسلق لغايته ويقفز على زهرة إبداع أخرى لامتصاص رحيقها.
وربما يعتبر البعض أن إبقاء المشاكل غير الظاهرة على السطح بصورة ملاحظة وحلها على فترات طويلة هو ضمان لبقائهم، كونهم أهل التخصص الأكثر خبرة واطلاعا ونسبة حلها معهم أكبر، ومن ثم اللجوء للخبرات الأجنبية لتضع لهم الحلول وهم فقط يقومون بمهارة تقديم العروض لمجالس الإدارات، وتسمع تعليقات بأن هذا الشخص عبقري ويتصارع أعضاء مجلس الإدارة للحصول عليه فهو يحمل الشهادة الفلانية وخبرات طويلة، مع أنه فقط يردد ما كتبه وفكر فيه الآخرون أو يملك مهارة العرض والتأثير ومتحدث يأسر القلوب والعقول ولكن ليس ذلك ما يطور الشعوب !
فالمبدع الذي يفكر خارج الصندوق، وهنا يرمز الصندوق للنمط السلوكي التقليدي في التفكير وحل المشاكل، فالشخص الذي يفكر خارج الصندوق له مواصفات خاصة يولد بها وتصقل من خلال تدريب العقل على طرق تفكير غير اعتيادية، وتوجيه طاقة الإنسان الإيجابية نحو الحلول المبتكرة والإيمان بأنه لا يوجد مستحيل، أو تحدٍّ ليس له حل، وديمومة النظر بطريقة مختلفة لكل أمر يمر عليه وبالتأكيد الممارسة المستمرة والتخصص في ذلك من خلال مراكز تفكير إبداعية بها عصف ذهني شبه يومي، وتلك المراكز يجب أن تكون متوفرة في كل مؤسسة تنشد الريادة من خلال الإبداع والابتكار وبالتالي تسبق الآخرين بخطوة أو أكثر.
فأكثر الناس إبداعاً في العالم هم الأطفال، فما المانع من الجلوس معهم ومناقشة بعض التحديات وسيحلها الطفل بأسلوب طفولي شيق، ويمكنك أن تخرج منه بحلول أكثر شمولية واحترافية، فنسبة الإبداع حتى سن العاشرة تقريباً هي الأعلى في حياة الشخص فيستخدم الطفل 90% من مقدراته الإبداعية بينما يستخدم مثلا الطالب الجامعي 40% تقريباً وعند بلوغ الأربعين لا تتعدي العشرين بالمئة وهناك استثناءات صعب أن لا نلاحظ أنها مبدعة للغاية في أي سن.
وهناك محبطات للإبداع مثل الإجماع والإقرار، ويجب أن تتبع القوانين بحذافيرها وبأن المشروع أو المقترح غير مجرب من قبل وكيف ستوضع ميزانية للمشاريع الإبداعية وفق أولويات الميزانية والصرف، ولذلك يجب دائماً وضع بند في ميزانية أي مؤسسة خاص بالإبداع والابتكار، ومن جهة أخرى أكبر معوقات الإبداع هو التركيز على الإجابة الصحيحة على سؤال أو مشكلة معينة بدلاً من محاولة إعادة تأطير المسألة في عدة طرق مختلفة من أجل المطالبة بإجابات مختلفة، وتبني الرد على أسئلة غامضة بطبيعتها في عدة طرق مختلفة، حيث في الإبداع من غير الضرورة دائماً اتباع التفكير المنطقي ومهارات التفكير النقدي وهي أسس تعتبر من نقاط القوة الرئيسية لدينا في تقييم جدوى فكرة خلاقة، وفي نفس الوقت قد يحبطان أفكار مبتكرة في المقام الأول.
فهناك طريقة واحدة لفك مارد التفكير الإبداعي وهو أن ننظر إلى الإبداع على أساس أنه قوة مدمرة لا تلتزم بالقواعد بصورة حرفية، ونسأل أنفسنا "لماذا" أو "لماذا لا " حيث إن كسر بعض القواعد لربما تكون الطريق الوحيد لإيجاد حل لتحدٍّ استعصى على الجميع لفترة طويلة وهم ملتزمون بالقواعد والمنطق العقلي في العمل، ولكنهم لم يسمحوا لأنفسهم حتى للحظات أن يشكو في مدى مصداقية القواعد أو لربما أن هناك أمرا ما ناقصا في المعادلة الكلية برمتها، فاسمح ببساطة لخيالك ليذهب حيث شاء والتفكير في الحلول من خلال السماح لعقلك ليكون في وضعية اللعب أو عدم الجدية، فالجدية في العمل لا يضرها بعض المرح المجنون للوصول لحلول قد تبدو مجنونة ولكنها فعالة.
فلا تشغل عقلك بأنك لست صاحب التخصص ولن تجد حلا ويجب تجنب الغموض وعدم اليقين، فقد تمنحك المواجهة مع المجهول بعقلك ميزة طالما أنك مؤمن أن الغموض لا بد وأن يقف خلفه وضوح تام، وكل ما في الأمر أننا نحتاج للوصول لما خلف الغموض وأن لا نخاف أن نخطئ ونفشل، ولذلك لا بد من الاستمرار في المحاولة والتجربة والتعلم من أخطائنا وأن لا نهتم بما سيقوله عنا الآخرين ونقدهم، فمجرد ما أن تنجح سيصبح الجميع يتمنى صداقتك لسبب أو لآخر .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة