لا شّك في أّن الرئيس الأميركّي يحتل أكثر المناصب المنتَخبة نفوذًا في العالم، فهو يجمع بين دور رئيس الدولة ورئيس الحكومة
لا شّك في أّن الرئيس الأميركّي يحتل أكثر المناصب المنتَخبة نفوذًا في العالم، فهو يجمع بين دور رئيس الدولة ورئيس الحكومة، والقائد الأعلى للقوات المسّلحة البعيدة والنائية الأقوى في العالم. ومع أّن قيودًا كبيرة تحّد من هذا النفوذ، يتجّلى قلق كبير إزاء هوية الرئيس المقبل والأفعال المحتملة التي قدُيقِدم عليها على الساحتين الوطنّية والدولّية للمضي قدمًا في برنامجه.
من هذا المنظار تحديدًا، ينبغي النظر الى التقّدم الذي أحرزه دونالد ترامب في النظام الأساسي الشديد التعقيد لدى الحزب الجمهوري، وفي بروزه كمرشح عن هذا الحزب في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 .وأهم ما تجدر مراجعته هو طباع ترامب، وكونه لم يسبق أن انُتِخب لأّي منصب، على عكس أّي مرّشح آخر منذ الجنرال آيزنهاور في العام 1952 ،ما يعني أّنه يشّق طريقه نحو الرئاسة عبر إلقاء اللوم على الآخرين والتعّرض لمنافسيه.
وأخيرًا، ومن المؤّكد ليس آخرًا، لا بّد من الالتفات إلى كونه أكثر الرجال كرهًا للنساء، وإلى ترّشحه ضد امرأة، هي هيلاري كلينتون، لتبّوؤ سّدة الرئاسة.
تكثر الأسئلة، فهل سينجح ترامب في توحيد صفوف حزبه المتشّتت؟ وبالنتيجة، هل يتمّكن من جمع أموال يحتاج إليها حّتى شخص ثرّي مثله لتسديد تكاليف الحملة در، وفق البعض، ببليون دولار أميركي؟ وبعد ذلك، وإن افترضنا أّن الرئاسّية، التيُتقَّ منافسته من الحزب الديموقراطي هي هيلاري كلينتون، كيف سيتطّرق لمسألة «النساء» المزعومة، في دولة لا تكتفي بكون أكثر من نصف ناخبيها من النساء، بل ُتعَتبر المرأة فيها أكثر منُيحتَمل ذهابه إلى صندوق الاقتراع للتصويت بالنظر إلى فرادة هذا الظرف تحديدًا، لا عجب في أّلا نتمّكن من الاستناد إلى أّي توجيهات سلوكّية ماضية.
وبالنظر إلى عدد السّكان الكبير ومدى تنّوعهم في الولايات المّتحدة عمومًا، لا شّك في أّن الانتخابات ستعّلمنا الكثير.
وبالتالي، فلنتساءل عن الرجل بحّد ذاته، وعن قدرته على إدارة المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي سيعقد في تموز (يوليو) المقبل في كليفلاند، وعلى تقديم نفسه بأفضل طريقة ممكنة، ولنَر كيف سيدير هذه المنافسة، التي تّتسم بطابع شخصي جّدًا، ضّد السّيدة كلينتون. منذ البداية، يّتضح نسبّيًا أمران، أّولهما أّن ترامب يريد فعًلا تبّوؤ سّدة الرئاسة، ويعرف كيفّية التسويق لنفسه كرجل يتمّتع بمهارات خاّصة يتطّلبها بنظره منصب رئيس البلاد.
وإن بّسطنا الأمور، لرأينا أّنه يعرف كيف يوّلد شعورًا بالدراما، ويوصل كلامه إلى جمهور وطنّي، عبر طرحه اليومّي لأفكار تكاد لا تخضع لأي رقابة.
أّما الأمر الثاني، فهو أّن الأحداث الوطنّية تحّث الناس على تفضيله على غيره، بمعنى أّنه نظرًا إلى التوّتر الهائل الذي ينتاب بعض شرائح الشعب الأميركي، ونظرًا إلى خشيتها على ما حّققته من مكاسب وعلى مستقبل البلاد، أصبحت مستعّدة لأن يتم استغلالها من أحد أكثر أنواع القومية الاقتصادية كرهًا للأجانب.
أّما بالنسبة إلى تداعيات المضايقات والوقاحة المرافقة لكلامه على الشعب، فلا يسعنا إلا إطلاق التخمينات بشأنها.
بل أكثر من ذلك، سيطلب منه عدد كبير من مناصريه المفترضين الظهور بهيئة أكثر جلاًلا وأقّل عقائدّيًة.
أي بمعنى آخر، سيناَشد التصّرف بطريقة تليق أكثر برئيس، وتعيين مستشارين حكماء ومتمّرسين، واختبار عملّية تحّول ضرورية كي لا يكتفي بكونه محبوبًا أو مثيرًا للإعجاب، بل ليكون أيضًا أهًلا للثقة، وقادرًا على كسب احترام المواطنين، على الرغم من تعّرضه المتزايد للضغوط، كي يعطي تفسيرًا لبعض الأحداث الماضية في شركته الخاصة، بما يشمل مثًلا توظيفه عّماًلا مهاجرين ومنحهم رواتب متدّنية جّدًا لبناء مجمعه الترفيهي في فلوريدا، وكيفّية تخّطيه النواقص الواضحة لدى زوجته، باعتبار أنها ستكون سّيدة أولى مولودة في المهجر.
تفترض الحكمة التقليدّية أّن الرئيس يملك وقتًا للتطّور أثناء ولايته. وكم نأمل أن يصح ذلك أيضًا بالنسبة إلى دونالد ترامب. بيد أّن الأدّلة الراهنة لا تنبئ بالخير أبدًا.
فعند سؤاله عما سيفعله للوفاء بوعده بتدمير «داعش»، رّد بالقول إّنه سيقوم بعمل قع سلوك ترامب ُّ «غير متوّقع»، وهو إعلان أثار هلع الكثيرين في الشرق الأوسط. وتو مستحيل، وهو أمر يتجّلى في عادته بنشر أفكاره ضمن تغريدات في منتصف الليل ومن ثم تعديلها بعد ساعات قليلة، وبالتالي، تصعب الإجابة عن سؤال حول العادات الواضحة التي اكتسبها في حياته والتي يمكن تغييرها في حال تبّوأ منصبًا رفيعًا.
إن كنُت محقًا، وبغض النظر عما إذا كان ترامب سينجح أو يفشل في التغلب على هيلاري كلينتون في السباق إلى الرئاسة بعد سّتة أشهر، يبدو أّن كثيرين مّنا سيختبرون أوقاتًا صعبة.
لكن ليس جميعنا، فكما هو الحال في معظم الظروف السياسية، يظهر دومًا فائزون وخاسرون، بما يشمل في هذه الحالة الصحافيين والمراقبين أمثالي، لأّن ترامب بنظرهم هو مصدر دائم للأخبار والتخمينات والثرثرة.
ومع ذلك، من العدل أن نراهن على أّن الحزب الجمهوري بحد ذاته سيتغّير إلى الأبد، شأنه شأن علاقات الولايات المتحدة بأجزاء كبيرة من العالم، ولا سيما أوروبا وأميركا اللاتينية والصين، من دون أن ننسى أّن الشؤون السياسية الأميركية ستبقى تدار بالطريقة نفسها، لكن مع قدر أكبر من الحماسة والمشاركة الشعبية والعنف، وسط تفاقم الانقسامات الأيديولوجية.
في الماضي، كانت الأحزاب اليسارية أهم مكان لانطلاق نقاشات محتدمة للأفكار. أّما الآن، فيبدو أّن اليمين أصبح المكان الأنسب لذلك، على خلفّية الخلافات الحادة السائدة بين أفراده بشأن الهجرة، والتجارة الحرة، والحقوق الفردية، وأهم من هذا كله، مستقبل الولايات المتحدة كًلا.
*- نقلاً عن جريدة "الحياة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة