السجناء يعالجون بالتمثيل المسرحي في لبنان.. الدراما شفاء
تأتي تلك التجربة الفريدة التي تشهدها سجون لبنان، وبخاصة سجن رومية الذي يشهد حاليًا عرضًا مسرحيًا يقوم ببطولته المحكوم عليهم أنفسهم.
من قلب المأساة يبزغ نور خفيف، يتكاثف ضوؤه ويملأ الأركان شيئًا فشيئًا، يتجلى الضوء في لون وحوار وحركة، يتكون مشهد يؤديه بين جدران أربعة محكوم عليهم يؤدون مدة العقوبة، يتحول السجن من حيز خانق لعقوبة رادعة إلى فضاء للعلاج والتداوي بالفن، والشفاء بالإبداع.
هكذا تأتي تلك التجربة الفريدة وغير المسبوقة التي تشهدها سجون لبنان، وبخاصة سجن رومية الذي يشهد حاليًا عرضًا مسرحيًا تنظمه وتشرف عليه الفنانة اللبنانية، والمعالجة بالدراما والمديرة التنفيذية لمركز "كثارسيس"، زينة دكاش.
مغامرة بلا شك، وخبرة مختلفة وغير مسبوقة، دافعها رغبة عارمة اختلطت بجرأة نبيلة لتنظيم عروض مسرحية داخل أحد السجون، يقوم بتأديتها وتمثيلها المساجين بأنفسهم، لا يتوقف الأمر عمد هذا الحد، بل يتجاوزه لحضور جمهور ومدعوين يشاهدون العرض المسرحي ويتفاعلون معه. العرض المسرحي الجديد اسمه "جوهر في مهب الريح"، يقوم ببطولته والأداء المسرحي سجناء رومية؛ دخول سجن رومية في حد ذاته يعد مغامرة كبيرة، فلا أحد يستطيع الدخول وعبور أسوار السجن إلا بتصريح خاص، وبعد ألف واسطة لأن أسرارًا رهيبة داخل جدران رومية.
قرّرت زينة دكاش إطلاق مسرحيتها الجديدة هناك، في تجربة هي الثالثة من نوعها في مسيرتها الفنية والمسرحية. هذا العرض الذي يشكل جزءًا من مشروع "قصّة منسييّن خلف القضبان" المُنفذ من قبل مركز "كاتارسيس" بدعم من الاتحاد الأوروبي، يؤديه أربعون سجينًا في رومية، وتتخلله مشاهد فيديو لسجناء المبنى الاحترازي الذي يعرف بالمبنى الأزرق ويضم أربعين مريضًا نفسيًا. يركز العرض على حكايات المرضى النفسيين في المبنى الاحترازي، وهم ضحايا لقوانين جائرة ومجحفة، ولا يغفل بعض قصص المحكومين بالإعدام والمؤبد في تعرضهم لظلم القوانين والمجتمع.
ترى دكاش أنّ عنوان العرض لا ينم عن تشاؤم بقدر ما ينم عن واقع. لذا، يجهد "كاتارسيس" في توسيع نطاق عمله ليشمل ضمن مشروع "منسيون خلف القضبان" أربعة مُخرَجات أساسية: دراسة تبحث في مدى انتشار الاضطرابات النفسية الشديدة لدى السجناء في سجنَي بعبدا ورومية، وتظهر ارتفاع نسبة انتشار الأمراض النفسية في السجون مقارنة مع عموم السكان، ومسرحية «جوهر في مهب الريح» التي يؤديها السجناء في رومية (منهم مرضى)، ودراسة قانونية تتضمن مقارنة بين القانون الحالي في لبنان والقوانين المعتمدة في دُول أخرى (تُنشر في مايو/ آيار 2016)، واقتراح مسودّة مشروع قانون سندًا للدراستين المذكورتين آنفًا.
اشتغلت دكاش عرضها على النحو التالي: كانت تقوم بجلساتها العلاجية مع المرضى النفسيين. تصوّرهم أو تجري مقابلات معهم وتعرضها على السجناء الآخرين المحكوم بعضهم بالمؤبد، وبعضهم الآخر بالإعدام (وهنالك أيضًا من لم يصدر حكم بحقهم).
في الأخير، تسلط مسرحية "جوهر في مهب الريح" الضوء على السجناء ذوي الأمراض النفسية والسجناء المحكومين بالمؤبد الذين وكأنما يجمعهم قدر واحد: حكم بالسجن غير معروف الأمد. وفي الواقع، فإن المادة 233 من قانون العقوبات اللبناني تتضمن النص التالي: "من ثبت اقترافه جناية أو جنحة مقصودة وقضي بعدم مسؤوليته بسبب فقدانه العقل حُجز بموجب فترة خاصة من حكم التبرئة في مأوى احترازي، ويستمر الحجز إلى أن يثبت شفاء المجنون بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز".. من هنا يطرح التساؤل الجوهري الذي تسعى المسرحية إلى اقتناصه وتصويره: كيف يمكننا، وفي القرن الواحد والعشرين، أن ننتظر شفاء المجنون وهو شخص يعاني من مرض نفسي؟ وكيف لا نزال نسمح باستخدام عبارة مجنون؟ ألم يُثبت العلم أنه يمكن متابعة المرض النفسي وليس الشفاء منه، وبأن التعافي يتم بالعلاج المناسب؟
زينة دكاش، فنانة لبنانية، ممثلة مسرحية مُعالجة بالدراما، ومُسجلة لدى جمعية أمريكا الشمالية للعلاج بالدراما NADTA. حائزة على شهادة بكالوريوس في الدراسات المسرحية، وعلى شهادة ماجستير في علم النفس السريري. وهي المؤسِسة والمديرة التنفيذية لمركز "كثارسيس"، وهو أول مركز للعلاج بالدراما في لبنان ولمنطقة العربية وتعمل كمُعالجة بالدراما ضمن أطر مختلفة. تُؤمن زينة بقدرات العلاج بالدراما المُحرِّرة والشافية. فهي تُمارس العلاج بالدراما في لبنان والشرق الأوسط منذ العام 2006، وقد حصدت عددًا كبيرًا من الجوائز لمساهماتها المتميّزة في مجال الخدمات والمبادرات الاجتماعية.
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4yNTAg جزيرة ام اند امز