المسرح في ليبيا.. تأسيس عريق وحاضر راكد
المسرح الليبي واحد من المسارح العربية العريقة شهد فترات انتعاش ونشاط وحاليا يعاني من ركود كبير.. «العين» رصدت مظاهر الركود وسبل الإنعاش
يتخذ المسرح في ليبيا وعلى الصعيد التاريخي مكانة مرموقة بين باقي الأشكال الثقافية والفنية، حيث برز المسرح كـأحد أهم المعالم القائمة في المدن الأثرية الليبية كمدينة لبدة، ومدينة صبراتة، وقورينا، ولعل عُمر مسرح لبدة الذي بُني في السنة الأولى قبل الميلاد يعطي دلالة كبيرة على أهمية وعراقة المسرح في ليبيا.
تمر السنون، ويعيش معها المسرح حالات متباينة بين الركود والانتعاش، فنجد أن الوالي عُثمان باشا الساقزلي يُنشئ مسرحا بشارع الترك يسع 500 مشاهد وبه شرفة، تُقدم فيه العروض المسرحية لفرق مسرحية محلية وأخرى قادمة من مصر، كذلك كان هناك مسرح (أمبوراخ) الواقع بمحلة باب البحر قدم عروضاً مسرحية تعكس الواقع الثقافي والحياتي لتلك الفترة التاريخية.
عُرف المسرح بين أوساط المهتمين المسرحيين وبثوبه الجديد وفي شكله المعاصر والمؤرخ له في 1908م حيث قدّمت فرقة "محمد قدري" مسرحيتها بعنوان «الحرية» في مدينة طرابلس، كذلك انتشر المسرح في المنطقة الشرقية من البلاد عبر أحد أهم رواده وهو "محمد عبدالهادي" القادم من لبنان بعد جولة قام بها في أوروبا لتنتعش الحركة المسرحية هناك ويتم إنشاء أول فرقة مسرحية في بنغازي عام 1936م.
كان أول ظهور للمرأة على خشبة المسرح في ليبيا لفنانتين مصريتين وهما "فتحية مصطفى" و"فتحية محمد" بتاريخ 24 ديسمبر 1960، ليأتي دور الممثلة الليبية لتصعد أيضا على الركح عن طريق الممثلة "فائزة محمود" والمعروفة عند الليبيين بــ"حميدة الخوجة" ليُقفل الباب أمام الرجال في تمثيل دور النساء في الأعمال المسرحية.
بعد مرور أكثر من 100 عام على عُمر المسرح المعاصر في ليبيا مرّ خلالها بفترات وُصِفت بأنها ذهبية كمنتصف السبعينيات وانحدر حاله إلى مستوى متدنٍ في مراحل أخرى نجد أن المسرح هذه الأيام وكباقي مكونات المشهد الثقافي الليبي متأثر بالوضع السياسي، ويمر بحالة من الجمود والركود جعلت من أهله يسيرون في متاهة دهاليزها معقدة وأروقتها موصدة وإضاءتها خافتة وستائرها مُسدلة على خشبة مهترئة لا تحتمل لعب أي دور عليها.
لنتعرف على أنسب المخارج من الاختناق الذي يعانيه المسرح في ليبيا، التقت «العين» مع الباحث المسرحي والأكاديمي والممثل الدكتور حسن قرفال الذي وصف المسرح في ليبيا بأنه في "سُباتٍ عميق" نظراً للظروف السياسية التي تمر بها البلد وعدم توفر الأمن وصعوبة الحياة الاجتماعية، على الرغم من أن المواطن الليبي لم يكن عازفا عن متابعة المسرح في فترات سابقة، فقد قُدمت العديد من الأعمال الجيدة المعتمدة على المجهود الذاتي ولكن غياب الإشهار والدعاية الإعلامية سبب في عدم معرفة الناس بمواعيد العروض، ما أعطى انطباعا بالعزوف عن المشاهدة.
وأضاف أن عدم انتشار المسرح يعود لعدم وجود الناقد المسرحي المتخصص، كذلك غياب مادة النشاط المسرحي عن المناهج التعليمية وفى مراحل التعليم المختلفة، ما أدى لوجود هوة بين هذا الفن من جهة والمتلقي من جهة أخرى، خاصة الأجيال الشابة، إضافة لعدم توفر الكُتّاب المسرحيين المتخصصين، إلا إذا استثنينا العدد القليل منهم.
المُمثل المسرحي أنور البلعزي وصف لـ"بوابة العين" حال المسرح بأنه يمر بحالة خمول كامل والحركة المسرحية في ليبيا تتخبط بشكل كبير، وقد أرجع ذلك لعوامل عدة؛ كالظروف التي تمر بها البلد، إضافة إلى قِلة الإمكانيات نتيجة لعدم وجود دعم والناتج عن عدم وعي وتفهم المسؤولين لدور المسرح في الوقت الذي يفترض فيه أن تلعب الحركة المسرحية دور كبير، كما الدور الذي تلعبه الرياضة في استقرار البلد والتقليل من حجم الضغط الواقع على المواطن.
ويضيف إلى أنه حتى عندما كان في فترة من الفترات مسؤولاً في الهيئة العامة للسينما والمسرح والفنون وقدم مجموعة مبادرات لإقامة مهرجانات مسرحية ولو مُصغرة، كانت كل مبادراته تقابل بالرفض من المسؤولين أصحاب القرار متحججين بالإمكانيات والميزانيات.
وردا على سؤال عن كيفية الخروج من هذه الحالة من الركود التي يمر بها المسرح، أجاب بأنه يرى ضرورة إقامة ورش عمل تحتضن المتخصصين الأكاديميين والممثلين والكتّاب والمهتمين بالحركة المسرحية في ليبيا للتباحث والتشاور حول إيجاد الحلول المناسبة لهذه الأزمة، وكذلك إقامة الدورات التدريبية للمعنين سواء بالداخل أو الخارج للرفع من كفاءة العاملين في المسرح. أيضاً إدماج القطاع الخاص في عملية دعم المسرح للمساهمة في الارتقاء به لتخفيف العبء عن كاهل مؤسسة الدولة.
من جهته، يرى الكاتب المسرحي البوصيري عبد الله أن أحد أهم أسباب الأزمة المسرحية يعود إلى عوامل اجتماعية وثقافية، فتقاليد المجتمع ليست تقاليد فنية ولا يوجد ميل للفُرجة والترويح في طبيعة الإنسان الليبي، كذلك تدني مستوى القراءة عند العامة، مترافقاً مع تقصير على مستوى الدولة من حيث تشجيع الفنون عامة وعلى وجه التحديد المسرح والسينما.
ويضيف عبد الله أن الوضع السياسي والاقتصادي الراهن أسهم في تعميق مشكلة الثقافة بشكل عام وليس الحركة المسرحية فقط لأن المعرفة والفنون لا تنمو إلا في المجتمعات المُستقرة والتي تحظى بالأمان والرفاهية، إذ إن الفنون والإبداع وليد الراحة النفسية.
كما أضاف عبد الله أن الحركة المسرحية في ليبيا تأثرت كثيرا بدخول التقنية كالتلفزيون والكمبيوتر ومؤخراً الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث إنها أخدت جُل الوقت، وتجد أن الشخص إذا أراد مشاهدة مسرحية فإنه يتابعها في البيت على التلفزيون أو اليوتيوب وما إلى ذلك من وسائل تقنية أخرى، وهذا يُفقد المشاهدة الروح الحقيقية التي يقدمها المسرح والمتمثلة في التفاعل الحقيقي بين المشهد المسرحي والمتلقي الموجود معه في ذات المكان، وهذه معادلة عجيبة أوجدتها التقنية بين حضور المسرح ولكن بدون روح التفاعل الحقيقي المباشر.
ويرى عبد الله أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة هو الوقوف عند جُملة من النقاط التي وصفها بالعملية والمتمثلة في تشجيع المسرح المدرسي وضرورة وضع النص المسرحي كجنس من أجناس الأدب الذي يُدرس في المدارس، مع التركيز على المهرجانات المدرسية، كذلك زيادة عدد المراكز والأندية الثقافية بالإضافة الى المهرجانات المسرحية التي من شأنها أن تخلق روح المنافسة بين الفرق المسرحية ما يسهم بشكل كبير من الرفع من مستوى المسرح بشكل عام.
aXA6IDMuMTQwLjE5Ny4xNDAg جزيرة ام اند امز