المسرح في مصر.. الجمهور يعود من جديد
محاولات لإحياء المسرح واستعادة جمهور انصرف عنه بتجديد الدماء وظهور مواهب شابة في الوقت الذي عاد فيه نجوم كبار إلى الخشبة
بعد أن هجرها النجوم وانصرف عنها الجمهور، في الوقت الذي سحبت فيه الدراما التليفزيونية البساط من تحتها، تبدو خشبة المسرح، أم الفنون، شاحبة بعيدة عن ألقها وتوهجها القديم.. سنوات عجاف شهد خلالها المسرح المصري تراجعـًا ملحوظـًا، وسرعان ما أغلقت المسارح المشهورة أبوابها.
في الفترة الأخيرة، ثمة محاولات حثيثة لإحياء المسرح، واستعادة جمهور انصرف عنه، تجديد الدماء بظهور مواهب شابة وحضور مختلف، في الوقت الذي عاد فيه نجوم كبار إلى خشبة المسرح مثل يحيى الفخراني في «ليلة من ألف ليلة» وأحمد بدير في «غيبوبة»، رغم تباين آراء النقاد حول المادة المسرحية المقدمة بشكل عام، وانتقادات للنصوص وفقر الديكور وتواضع الإخراج، اتسمت بعض المسرحيات بالسطحية والارتجال في الكوميديا وغياب معيار الجودة ومحاولات تقليد مسرح القطاع الخاص الذي توقف منذ سنوات.
"العين" استطلعت آراء فنانين ونقاد وأساتذة مسرح حول النشاط الراهن ومدى مساهمته في ازدهار منتظر
ثمرة الاستقرار الأمني
يعزو الفنان المصري شريف منير الإقبال الجماهيري من العائلة المصرية على المسرح مرة أخرى إلى حدوث تحسن ملموس في الأوضاع الأمنية واستقرارها، ما جعل الجمهور يحرص على حضور العروض المسرحية دون خوف أو قلق. ويرى منير في تصريحات خاصة لـ"العين" أن المسرح المصري بدأ يعود وبقوة بعد أن اختفى تمامـًا بسبب الظروف الأمنية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، ويؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد إنتاج المزيد من المسرحيات الضخمة أو من حيث أسماء الفنانين المشاركين فيها.
من جهته، يبدي الكاتب والناقد المسرحي أحمد عبدالرازق انحيازه لشباب المسرح، قائلاً لـ"العين" إنه لفت نظره الأعداد الكبيرة من الشباب الموهوبين الذين يملكون وعيًا في تقديم عروض جيدة، بداية من اختيارهم للنص الملائم والطاقم الفني من الشباب الذي يستطيع أن ينقل رسالة العرض المسرحي. وهؤلاء الشباب يقدمون عروضـًا لا يتم الإنفاق عليها ببذخ، حتى إن أقصى عرض قد لا تتجاوز كلفته 150 ألف جنيه، وهو ما يبشر بظهور جيل من شباب الممثلين والمخرجين قادرين على إعادة رسم خارطة المسرح المصري وإحيائه.
ويضيف عبد الرازق أن هناك مآخذ على بعض المسرحيات التي لا تقدم نصـًا جيدًا مكتوبـًا يستطيع أن يحتضن قضايا كبرى مثل قضايا الإرهاب المتستر بالدين. ويؤكد أن المسرح صناعة وموهبة تتطلب اختيار النص المسرحي المناسب الذي يجذب الجمهور ويجمع بين الفائدة والمتعة، مشيرًا إلى أن المسرح يستطيع أن يغير المجتمع ويضيف وعيـًا جيدًا للمواطنين ويناقش قضايا الواقع، خاصة أن الجمهور المصري يعاني افتقاد المفاهيم كما أن مفهوم المواطنة غائب بدرجة كبيرة، وهنا يأتي دور المسرح في تصويب الأوضاع المغلوطة.
ظاهرة صحية
ويقول إبراهيم أبو ذكري، رئيس اتحاد المنتجين العرب، في تصريحات لـ"العين" إن عودة المسرح في الوقت الحالي ظاهرة صحية، خاصة في ظل تقديم عروض مسرحية قوية مثل مسرحية "الملك لير" بطولة الفنان يحيى الفخراني. ويضيف أن المسارح الكوميدية أيقظت إلى حدٍ ما المسرح الذي كان يحتضر وأعطت لنا كوادر شبابية مسرحية، ووجودهم ثراء وأرضية جيدة مثل تجربتَي "مسرح مصر" و"تياترو مصر". وأرجع سبب قلة الإنتاج المسرحي في السنوات الأخيرة إلى عزوف القنوات الفضائية عن عرض المسرحيات لكنها بدأت في إذاعتها في الفترة الأخيرة، وهذا سيدفع إلى مزيد من إنتاج المسرحيات.
أزمة ثقافية
في المقابل، يرى الناقد المسرحي عبدالغني داود أن تراجع المسرح مرتبط بالثقافة، والثقافة الآن متردية، والموضوعات التي يقدمها المسرح تخلو من العمق. ويقول في حديثه لـ"العين" إن الكوميديا الحقيقية كانت تتناول في زمن مضى سلبيات المجتمع وتعالجها بعمق ووعي وشجاعة في نقد الأشياء، وهو ما نفتقده ونفتقر إليه في الوقت الراهن. ويرجع داود تراجع المسرح إلى عدم إجادة الشباب وصف واقعهم بعمق، ويرى أن تجربة مسرح مصر تجربة ناقصة لم تعِد كامل الجمهور للمسرح.
ويضيف أن المسرح لم يهنأ كثيرًا بثورة 25 يناير، فقدم أعمالًا قليلة متفائلة مثل "هنكتب دستور جديد" (إخراج مازن الغرباوي)، و"قوم يا مصري" (إخراج عصام الشويخ)، و"ورد الجناين" (إخراج هاني عبدالمعتمد)، ثم انتقد القمع في "قهوة بلدي" (إخراج أحمد عادل)، قبل أن يعود إلى قمقم الأحزان.
وتابع قائلاً: انحسرت في السنوات الأخيرة عروض الفرق الخاصة كرد فعل تلقائي لارتفاع أسعار التذاكر وتواضع مستوى العروض والنصوص، وانهارت القيم الفنية في ظاهرة مسرحيات التليفزيون، تلك التي قدمتها قنوات تليفزيونية خاصة تحت مسمى "تياترو مصر" أو "مسرح مصر"، وبدت ردة فنية وعودة إلى الاسكتشات التي كانت تُقدم في الصالات، أو إلى فقرات ضاحكة قدمت بين المسرحيات في أوائل القرن العشرين، في حين حاولت فرق الهواة سد الفراغ عبر أعمال مثل "شيزلونج"، و"أوديب"، و"حلم بلاستيك"، و"شيكايرو"، و"قضية ظل الحمار".
تعطش للكوميديا
من جهته، يؤكد السيناريست فيصل ندا أن هناك بوادر نهضة مسرحية قادها الفنان يحيى الفخراني في تجربة عرض "الملك لير" وتلتها تجربة الفنان أشرف عبدالباقي في تجربة مسرح مصر وقبلها "تياترو مصر" وبدأ الجمهور يعود للمسرح مرة أخرى، ويرجع هذه العودة إلى تعطش الجمهور للكوميديا بعد الفترة الصعبة التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير. وينصح ندا الفنانين والمخرجين بأن ينتهزوا عودة الجماهير للمسرح في تقديم عروض مسرحية هادفة تتناول قضاياه الاجتماعية.
aXA6IDE4LjExNy4xNzIuMTg5IA== جزيرة ام اند امز