خبراء لـ"العين": زج أطفال غزة في أتون الحروب خطأ كبير
مختصون نفسيون واجتماعيون يؤكدون لـ"العين" أن زج أطفال غزة في أتون الحروب خطأ كبير وينعكس سلبًا عليهم.
أثار مقطع فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه مجموعة أطفال إحدى رياض الأطفال في قطاع غزة، خلال عمل فني يقومون بعروض تمثيلية مرتدين لباسًا عسكريًّا يجسد أدوار رجال المقاومة الفلسطينية، ردود فعل مستنكرة من قبل الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الذين رفضوا هذا الأسلوب.
وكان عدد من الأطفال، قد أدوا عروضًا تمثيلية لمهمات جهادية قام بها رجال المقاومة للإنزال خلف خطوط العدو بخطف الجنود، وفي الأنفاق، وعلى الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب تأدية دور الناطقين الإعلاميين باسم المقاومة الفلسطينية، عقب العدوان الأخير الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، صيف عام 2014.
وفي الوقت الذي انتقد فيه الأخصائيون هذه الأدوار بالنسبة للأطفال لما فيها تأثير سلبي على طفولتهم، سارع كبار قادة الاحتلال الإسرائيلي لاستغلال هذا الحدث لمصلحتهم وللتحريض ضد الفلسطينيين في غزة.
وقام الناطق باسم رئيس الحكومة الاسرائيلي أوفير جنلدمان بإعادة نشر هذا المقطع عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي" فيس بوك"، مرفقًا بعض التعليقات التحريضية ضد سكان غزة، وحركاتها المقاومة، وهو الأمر نفسه الذي ذهب إليه وزير الجيش الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان.
وأجمع الأخصائيون على دعم ومساندة المقاومة الفلسطينية من أجل التحرر والاستقلال، ولكن ليس من خلال سلوك تربوي غير صحيح يعود بالسلب على الطفولة الفلسطينية التي عانت الأمرين خلال الحروب الثلاث الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، والمحاصر منذ نحو 10 أعوام.
ويقول الدكتور محمد عباس، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر بغزة، إن من يقوم على مثل هذه الاحتفال يعتبر نفسه قد أنجز عملًا مقاومًا وثوريًّا بامتياز، كونه لا ينظر إلا من زاوية واحدة فقط وبعيدة كليًّا عن الطفولة وعواملها والتنشئة الاجتماعية والتربوية السليمة.
ويضيف في حديثه مع بوابة "العين" الإخبارية، أن هذا الأمر يضع الطفل في ركن بعيد تمام عن المطلوب له، مشيرًا إلى أنه للأسف أننا بتًّا بعيدين عن الجدية والعلمية وقريبين من الفوضوية والمباهاة.
ويتساءل الدكتور عباس: "ألم يعلم من قام على ذلك أن هذا الطفل ليس عليه بالصيام ولا الصلاة ولا الزكاة ولا حتى الحج لأنه لم يبلغ الحلم.. لذلك كيف لنا نجيز له أفعالًا أكبر من تفكيرهم وطموحهم ومخالف لتنشئتهم تنشئة سليمة".
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر، أن الشعب الفلسطيني ليس ضد المقاومة، لأن الجميع يدعمها ويقف بجوارها، ولكن ليس بهذه الطريقة يتم فيها التعامل مع الأطفال، مؤكدًا أن المقاومة لم تكن في يوم من الأيام لاستغلال الأطفال.
ويرى الدكتور عباس، أن ما قام به عدد من قادة إسرائيل بالتحريض على الشعب الفلسطيني بعد مقطع الفيديو، ليس سوى استغلال قذر من قبلهم، لأن الشعب الفلسطيني يمتلك العديد من مؤسسات الطفولة والنشاطات الترفيهية والتعليمية، مجددًا تأكيده أن ما ظهر في مقطع الفيديو لم يكن سوى نشاط فردي حاول القائمين عليه تقديم ما هو جديد وغير اعتيادي في مثل هكذا احتفالات فقط أخطأ في تقديراته وحسن تصرفه.
بدوره، يعتقد الدكتور علاء القطناني، الأخصائي النفسي، أن البعض قد يفرح أو يعبر عن سعادته بمشاهدة الأطفال وهم يمثلون أدوار عسكرية، إلا أن هذا السلوك قد يكون له تأثير سيئ من الناحية النفسية على هؤلاء الأطفال من خلال استرجاعهم لمشاهد الحرب والتي تؤدي بهم للشعور بالقلق والخوف والتوتر علاوة على أنه قد يؤدي لظهور بعض الاضطرابات السلوكية لديهم.
ويلفت في حديثه لبوابة "العين" أن قطاع غزة تعرض على مدار 6 سنوات لـ3 حروب مروعة أثرت بشكل كبير على مناحي الحياة، كما تركت آثارًا سلبية على سلوك الكبار والصغار الذين نالوا التأثير الأكبر من هذه الحروب، مدللًا على ذلك بضرورة العمل على إخراج الأطفال من هذه الدائرة السلبية وإخراجهم للحياة وعدم إعادة هذه المظاهر السلبية لأذهانهم.
ويضيف أن استخدام الأطفال في أي شيء خارج عن الأمور الروتينية والخاصة بهم يمثل انتهاكًا لطفولتهم، داعيًا إلى ضرورة تنمية قدرات الأطفال وإقبالهم على الحياة خصوصًا أنهم في سن صغيرة جدًّا.
ويوضح أنه يتوجب على الجميع تنمية حب الوطن داخل الأطفال، وكيفية الحرص على الخلاص من الاحتلال ولكن ليس بهذه الطريقة التي تنمي مظاهر العنف لديهم، إلى جانب اعطاء الاحتلال الإسرائيلي ذريعة للتحريض على الشعب الفلسطيني وأننا دعاة عنف.
وينفي الدكتور القطناني، أن يكون حديثه حول ما قام به الأطفال موجهًا سلبيًّا ضد المقاومة، وإنما هناك أساليب أخرى يمكن تنمية الأطفال من خلالها لا تنتهك براءتهم، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطيني على قدر من الوعي الكامل لكسب التعاطف الدولي، وليس إعطاء الذرائع للاحتلال الإسرائيلي لتنفيذ مخططاته والتحريض على الشعب الفلسطيني.
أما دلال الأخرس، وهي رئيسة مجلس إدارة مركز شمعة أمل، ومديرة روضة سابقة، فترى أنه يتوجب علينا كفلسطينيين إعطاء الطفولة حقها، وليس انتقاص حقها في الحياة.
ولا تمانع في حديثها مع بوابة "العين" تعليم الأطفال أهمية الدفاع عن الأرض، وضرورة التخلص من الاحتلال، ولكن ليس بالأسلوب الذي شاهده الجميع في احتفال أطفال الروضة، مؤكدة أنه كان يتوجب أن يكون الاحتفال بالتخرج من خلال أنشطة ترفيهية وفنية تعبر عن سعادتهم بتخرجهم.
وتؤكد الأخرسي أن هذا الأسلوب خاطئ ويخلف أوضاعًا سلبية على الأطفال الذين يعانون أصلًا جراء ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، مشيرة إلى أن هناك طرقًا أخرى لترفيه الأطفال من خلال أدوار تمثيلية عن طريق المسرح تعكس مدى الفرح والسعادة لديهم.
وتختم بأن إسرائيل وقادتها يتخذون هذه الأمور ذريعة للتحريض على الشعب الفلسطيني، وتنفيذ مخططات جديدة لضرب غزة مجددا، والتي لم تلملم جراحها حتى الآن بعد 6 حروب متتالية خلفت أضرارًا مادية وبشرية تفوق الوصف.
رابط فيديو لأطفال غزيين في عروض تمثيلية مرتدين لباسًا عسكريًّا:
aXA6IDE4Ljk3LjkuMTc0IA== جزيرة ام اند امز