"صاو" الهيروغليفية ودلالاتها لصوم المصريين القدماء
عرف المصريون القدماء الصيام كفريضة دينية، يتقربون بها إلى أرواح الأموات. وكان المصريون يعتقدون أن صيام الأحياء يُرضي الموتى.
عرف المصريون القدماء الصيام كفريضة دينية، يتقربون بها إلى أرواح الأموات. وكان المصريون يعتقدون أن صيام الأحياء يُرضي الموتى لحرمانهم من طعام الدنيا، وهو في الوقت نفسه تضامن معهم، وكانت فرضة الصيام تصاحبها بعض الطقوس التي قررها الكهنة.
يُرجع الأثريون والمتخصصون في علم المصريات كلمة صوم إلى كلمة "صاو" الهيروغليفية والتي تعني امتنع، أو كبح، أما حرف الميم فمعناه من أو عن، فتكون صاوم أو صوم معناهما امتنع عن طعام أو شراب أو كلام، بحسب قاموس د. بدوي وكيس.
ويقول صلاح الدين عبد الله في بحثه شعيرة الصيام عبر التاريخ": "إذا صرفنا النظر تلقاء الديانة المصرية القديمة، فسوف نراها تذيب الحدود الفاصلة بين الدنيا والآخرة، بحيث تضفي على مظاهر الحياة مقدارًا من قدسية الآخرة، كما تنفث في عالم الآخرة مقدارًا من صخب الحياة، وطبيعي أن يجيء الصيام عندهم، معبرًا عن هذا الاتجاه".
وعرف المصريون القدماء نوعين من الصيام كما يقول عبد الحكيم الصادق في كتابة "الأديان وفلسفة الصوم": نوع أول هو "صيام الكهنة" وقد جمع بين كونه فرضًا أو استحبابًا، فكانت له مواعيده المحددة، وقد يرتبط بالتصرف المفاجئ، كما أنه يتطلب من الكاهن خدمة المعبد لمدة سبعة أيام متتالية من غير ماء قبل أن يلتحق بالمعبد، وقد تمتد فترة الصيام إلى اثنين وأربعين يومًا، ويبدأ صيامهم من طلوع الشمس إلى غروبها، إذ يمتنعون عن تناول الطعام والملذات.
ويمر الكاهن في صيامه بمراحل، أولها صيام عشرة أيام عن أكل اللحم والمشروبات، ثم يعقب ذلك تلقينه واجباته المتعلقة بالمسائل المقدسة، وذلك بعد صيام عشرة أيام أخرى. وكان الكهنة يخلطون صيامهم بالأسرار المبهمة، معتقدين أنها تضفي القدسية عليهم، كما اعتقدوا ذلك في سائر طقوس العبادات.
النوع الثاني من الصيام في مصر القديمة هو "صيام الشعب". وبخلاف صوم الأعياد، كانوا يصومون أربعة أيام من كل عام، تبدأ عندما يحل اليوم السابع عشر من الشهر الثالث من فصل الفيضان.
وهناك نوع آخر من الصيام يحرُم فيه أكل كل شيء من الطعام، عدا الماء والخضر مدة سبعين يومًا، ويصومون كذلك في الأعياد كوفاء النيل، وفي موسم الحصاد.
ومازالت بعض الكلمات التي يستعملها المصريون الآن وترتبط بالصيام، ويغنيها الأطفال المصريون في استقبال شهر رمضان "وحوي يا وحوي إياحا أو إيوحا" هي كلمات مصرية قديمة.. فكلمة وحوي هي مركبة من "واح + وي" في اللغة المصرية القديمة تعني الظهور ومنها كلمة لاح أي ظهر، وكلمة "وي" تعني نداء أي أنه العبارة هي نداء للقمر بالظهور، فالتقويم المصري كان قمرياً قبل أن يكون شمسياً عام 4241 ق. م ولكنه ظل قمرياً في الاحتفالات والأعياد.
أما كلمة "إياحا" فهي الملكة إياححتب، أحد ألمع الملكات المصريات التي تزوجت الملك "سقنن رع"، ووقفت إلى جواره في حربه ضد الهكسوس التي انتهت بموته، فلعبت نفس الدور مع ابنها الكبير "كامس" في حربه ضدهم، حتى مات هو الآخر، فكانت بعده هي الوصية على الملك أحمس قاهر الهكسوس، الذي لم يتجاوز عمره وقتها 10 سنوات.
وقامت إياححتب بتصريف شؤون الدولة وإدارة الحكم سياسيًا وعسكريًا حتى تولى أحمس مقاليد الحكم، وقادت تلك الفترة شعلة النضال ضد الهكسوس، حيث قامت بجمع شمل الجيش، ووضعته تحت رعايتها، وقبيل حرب التحرير، أعلنت إياححتب نفير الحرب، فأتى الرجال والشباب من كافة بقاع مصر، فقامت بإلقاء خطاب حماسي، قالت فيه لابنها أحمس: "لا تعود إلا بالنصر".. ومازال المصريون يتذكرون هذا النداء بالقول "وحوي إياحا".
aXA6IDMuMTQyLjEzMC4yNDIg جزيرة ام اند امز