التداعيات الاقتصادية لإغلاق السلطات التونسية منافذها مع ليبيا
كرد فعل على التفجيرات التي حصلت في تونس وأودت بحياة 12 شخصًا
كرد فعل على التفجيرات التي حصلت في تونس أصدرت السلطات التونسية قرارًا بإغلاق حدودها مع ليبيا
كرد فعل على التفجيرات التي حصلت في تونس والتي أودت بحياة اثنى عشر عنصرًا من الحرس الرئيسي كانوا يستقلون حافلة، أصدرت السلطات التونسية قرارًا بإغلاق حدودها مع ليبيا كنوع من الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها إزاء ما حصل كحزمة من الخطوات التي تعتقد بأنها ستسهم في التقليل من احتمالية حدوث خروقات أمنية قد تؤدي إلى عمليات إرهابية مماثلة في تونس، وبقدر ما تعتقد الحكومة التونسية أن لمثل هذا الإجراء تأثيرًا إيجابيًّا على الشارع التونسي كمحاولة لخلق نوع من التطمينات وكذا إبراز شخصية وهيبة الدولة، ظهر على السطح بُعد آخر قد لا يعطي نفس النتائج المتوقعة لمثل قرار كهذا، إذ إن قرارًا كهذا وبشكل مفاجئ لا شك أن له الكثير من التبعات التي تجعل المراقبين يحاولون الحصول على دلالات تشير إلى أن الحكومة التونسية قد اتخذت هذا القرار بشكل موضوعي ومدروس مع الوضع في الحسابات كل العوامل ذات العلاقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية.
على الرغم من أن الأرقام تشير إلى انخفاض ملحوظ في حجم التبادلات التجارية بين البلدين لسنة 2015 والذي كان قد وصل نسبة نحو 50% خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بحجم التبادلات خلال نفس الفترة من عام 2014 فإن مؤشرات رسمية نشرتها وزارة التجارة التونسية تشير إلى ارتفاع طفيف طرأ على حجم الصادرات التونسية إلى ليبيا كان قد بلغ 248.2 مليون دينار سنة 2015، بينما كانت في سنة 2014 تقدَّر بـ248.1 مليون دينار تونسي، ولكن على الرغم من النسبة المتواضعة لحجم نمو الصادرات التونسية إلى ليبيا فإنها تبقى نسبة مهمة في ظل التراجع الحاصل على حجم التبادلات التجارية عموما بين البلدين، خصوصًا في ظل ما أشار إليه رجل الأعمال الليبي المعروف حسني بي، من أن الصادرات التونسية إلى ليبيا تتميز بخاصية قرب المسافة وسرعة النقل بين البلدين وهذا ما يعزز وضعها مقارنة بأي واردات أخرى تدخل إلى ليبيا من أي بلد آخر، مما يرفع من معدل الميزان التجاري بين البلدين لصالح تونس، وبالتالي وفي هذا السياق فإن الضرر يقع على تونس أكثر منه على ليبيا خصوصًا إن طال أمد هذا الوضع، إذ إن ذلك سيخلق نوعًا من عدم الثقة بين رجل الأعمال الليبي في التعاملات التجارية مع المنتجات التونسية والتي تعتمد بشكل كبير جدًّا على السوق الليبية، وفي سؤال حول تأثر أسعار السلع في السوق الليبية، أجاب بأن ذلك سيكون فقط نسبيًّا وبشكل لا يشكل عبئًا على المستهلك، لأن البضائع المخزّنة عادة ما تكون كافية لمدة شهرين خصوصًا في ما يخص المنتجات المُعلبة، وخلال هذه المدة إما أن تعود المنافد البرية للعمل ويعود حجم التبادل التجاري، وإما أن الواردات الليبية ستجد مصدِّرًا آخر من بلد آخر، خصوصًا أن المنتجات التونسية بشكل عام لا تمثل أي نوع من التفرد في السوق الليبية فهناك كثير من المنتجات المنافسة لها والتي تأتي من دول مختلفة، بالتالي فإن هذا القرار هو مؤثر بشكل سلبي على تونس أكثر منه على ليبيا خصوصًا في الجنوب التونسي.
في نفس السياق يؤكد الدكتور ناصر المعرفي، الأستاذ بكلية الاقتصاد جامعة طرابلس، أن معالجة التداعيات السلبية لإغلاق الحدود الليبية التونسية سيكون ممكنًا ومتاحًا في الاقتصاد الليبي بشكل أفضل، وعلى عكس تأثير هذه التداعيات على اقتصاد تونس خصوصًا في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة، فعلى الرغم مما مر من أحداث في ليبيا فإن وضع الاقتصاد الليبي أكثر إيجابية كنتيجة لوضع الاحتياطيات والمدخرات الدولية وبيع النفط وثروة القطاع العائلي.
الجانب الآخر المهم إقليميًّا علي أقل تقدير من منظور العلاقات الاقتصادية الدولية هو مستقبل هذه العلاقة بين البلدين من ناحية اقتصادية، حيث إنه سيخلق آثارًا غير منظورة كنتيجة لهذا القرار والذي ببساطة لا يخرج عن كونه ردة فعل لامتصاص غضب الشارع فقط، الأمر الذي يُحتّم علي متخدي القرار إيجاد المَخرج للجنوب التونسي، وإذا كان هذا القرار لمحاربة الإرهاب فإن الجنوب بالكامل سيكون في حالة بطالة، بالتالي فإن هذا الوضع لن يستمر طويلا لأن تداعياته علي الطرف التونسي ستكون سلبية وبقوة على عكس وقعها على الاقتصاد الليبي، وأقل ما سيشهده الاقتصاد التونسي هو انخفاض قيمة العملة التونسية بمعدلات غير متوقعة.
من جهته يشير السيد خالد موسى، المدير التجاري لإحدى الشركات التموينية، إلى أن أغلب المتطلبات والاحتياجات الغذائية لليبيا تأتي من الخارج وبشكل خاص يتم استيرادها من تونس وبالتالي فإن شُحّ المنتجات التونسية في السوق الليبية خصوصًا الغذائية منها سيؤثر سلبيًّا وبشكل واضح على الأسعار تصاعديًّا ما سينعكس سلبًا على مستوى وجودة الخدمات، وسيتم تقديم الخدمات من شركات كالشركات التموينية في الحد الأدنى من مستوى الأداء، لا سيما أن الشركات التموينية لا يمكنها تخزين المواد الغدائية التي تستعملها لمدد طويلة مما سينعكس على مستوى الخدمات في ظل عدم قدرة السوق المحلية على توفير هذه المواد، ومن الصعوبة بمكان خلق بدائل لذلك في وقت قصير، وهذا يفترض أن يُمثّل جرس إنذار قوي للحكومة الليبية في التفكير بشكل جاد ودراسة هذا الوضع لتبني سياسات ناجحة وناجعة للاكتفاء الذاتي من الغذاء خصوصًا غير المُعلب من خضار وفواكه والتي تمثل المواد الأساسية للغذاء في ليبيا.
تصل واردات ليبيا من تونس من المواد الغذائية إلى 70% من إجمالي ما يدخل ليبيا من بضائع وما نسبته 20% هي مواد بناء ومواد خاصة بالإنشاءات فيما تمثل الـ10% مواد بلاستيكية، ولكن ومنذُ فترة بدء رجال الأعمال الليبيين التوجه إلى أسواق بديلة تأتي تركيا في مقدمتها بسبب تكرار إغلاق المنافذ البرية بين البلدين كذلك بسبب التعطيل والانتظار الذي يطال الشاحنات الناقلة للبضائع بسبب الإجراءات الروتينية في البوابات الحدودية من الجانب التونسي والتي يصل فيها تأخير سيارات نقل البضاع إلى أيام عديدة من الانتظار، مما سيؤدي إلى ارتفاع التكلفة، علاوة على التلف الذي يطال بعض البضائع حتى قبل دخولها إلى الأراضي الليبية.
من أبرز تداعيات إغلاق الحدود على الصعيد الاقتصادي تأثر القطاع الصحي التونسي الذي يعتمد اعتمادًا كبيرًا على العلاج للحالات المرضية المحالة من ليبيا، إذ إن مليون مواطن ليبي كانوا قد تلقوا العلاج في تونس في الفترة ما بين سنتي 2013 و2014 منهم 400 ألف حالة قد تلقّوا علاجهم في مصحات خاصة إيوائية، بينما أجرت 600 ألف حالة كشوفات في مختبرات بيولوجية ومعامل الأشعة، وهذا في حد ذاته يمثل مؤشرًا مهمًّا على حجم الخدمات التي كان يستفيد منها الليبيون في تونس و(ما يترتب عليها من مبالغ مالية تصرف في العيادات والمصحات التونسية) والتي تأثرت بشكل كبير بإغلاق المنافد البرية والتي تمثل إحدى أهم قنوات التواصل بين البلدين.
وبين توقعات المراقبين وتحليلات الاقتصاديين يبقى الانتظار يلُف الفترة القادمة عما إذا كانت السلطات التونسية ستبادر بإعادة فتح المنافد البرية مع ليبيا مجددًا أم أن المدة ستطول، وهنا يأتي السؤال المهم: هل ما حصل يشكّل أي إشارة تنبيهية للحكومة الليبية، أم لا، لأجل اتخاد تدابير لتعويض حجم التبادلات التجارية مع تونس من سلع وخدمات؟ كذلك السؤال المهم الآخر والذي يطرح نفسه: ما الذي سيظهر على السطح الاقتصادي التونسي كنتيجة لهذا القرار؟ وكيف سيتم التعامل معه من قِبل صانع القرار التونسي؟
aXA6IDE4LjIyMi4yMC4zIA== جزيرة ام اند امز