الطامة الكبرى تكمن في بعض المعاهد والكليات التي تدعو للتكفير وتحليل القتل، ونتساءل من أين تأتي فلول التكفير، وإباحة دم الإنسان؟
أمرنا المولى عز وجل بتدبر القرآن، ولم يأمرنا بترك فهمه وتفسيره لثلة قليلة من البشر دون حوار وأخذ ورد والمطالبة بمقاربات يطمئن لها القلب وتوافقُ التسلسل المنطقي للعقل غير المنغلق على ذاته والرافض للتجديد والحراك دون تقديس وقبول التنوع في الفهم والتأويل، ولذلك كانت الدعوة موجهة للجنس البشري عامة كي يمشي في الأرض ليرى آيات المولى عز وجل، وأن نتدبر في خلقه بصورة عامة وتفصيلية، وفي آيات القرآن ومدلولاتها بصورة خاصة، وأن نستفتي قلوبنا، ولا يعني كل ذلك بطبيعة الحال أن ننسف منظومة الدين الإسلامي الحالية، ولكن نشك ونطالب بفهم أكثر وإثباتات ومراجعات أعمق لمنتجات البشر واعتبارها جهداً إنسانياً مميزاً، ولكن ليس دينا ملزما فيما عدا ما لا يخالف النص القرآني وأحكامه، ومع ما لا يتعارض مع ما أنزل بوحي.
فلو أن المراد من القرآن أن يكون كتاباً حصرياً لا يفهمه إلا قلة قليلة من الناس لوضح الله ذلك في القرآن نفسه، وإنما هو كتاب فُصلت آياته، وما نزل ليشقى الإنسان به، وإنما هو بالقدر الكافي من السلاسة والمرونة ليكون فهم أي شخص عادي له فيه من الكفاية التي تجعله مسلماً حنيفاً يعمل بأوامر الله، وينتهي بنواهيه في الأمور الأساسية، وأهمها الإيمان بأن الله واحد أحد، والإيمان بأنبيائه ورسله وملائكته واليوم الآخر، وبأن القرآن كلام الله المنزه الكامل، وبأن لا يظلم ولا يطغى على أحد، ويسبح الله ويصلي له كما نص الوحي، ويصوم ويحج بيت الله إذا ما استطاع إليه سبيلاً، ولا يرتكب كبائر الذنوب والمعاصي، وليس لأحد بحق عليه حتى يأتي الله بقلب سليم.
فإذا فعل المسلم ذلك بغض النظر عن الكيفية والآلية وكان صادقاً في عمله ونيته، لا يبتغي غير وجه الله؛ هل سيأخذه الله على أنه وقف في الصلاة أو لم يقف كما أوصى به المذهب الفلاني، أو سيسكب في نار جهنم لأنه لم يلبس ملابسه بصورة معينة طالما لم يكن في لبسه مدعاة للكبر، وهو قاصد من ذلك التكبر والترفع على الناس، وهل سيحاسبه ربه أنه لم يطل لحيته، ويحف شاربه، وهو على خلق عظيم وحسن إيمانه كما ورد في القرآن الكريم؟
فهل طاعة الرسول الواردة في أكثر من موضع في القرآن تعني اتباع ما في كتب السُنة اليوم؟ وأين هو الأمر أو النص المباشر الصريح الذي لا لبس فيه في القرآن، أو أمر به الرسول لتدوين وكتابة ما يسمى السنة النبوية؟ ولست ناكراً للمفيد والنافع لما نسب لرسول الله، ولكن ناكراً بحتمية صحة المنقول ككل حتى في الصحيحين، وأرى بأهمية أن نتبعه ونحن نضع بعين الاعتبار احتمالية النقل الخاطئ، وتدخل أهواء البشر والتدليس المبرمج عبر التاريخ لمنفعة حاكم أو جنس أو ثقافة أو غيرها.
أما الرأي مهما رأيناه جميلاً وكثر عدد متبعيه، فهو ليس معرفة مطلقة، ومهما سفهنا من عقول وعلم من ينتقده باتباع كل ما كتب في السنة وجعلها ديناً موازياً للقرآن ولا يكمل من دونها الدين، وأين هي البراهين التي تدعمها الأدلة القاطعة المنزلة بوحي وليس فهم وتفسير البشر للمنزل بوحي؟
والطامة الكبرى تكمن في بعض المعاهد والكليات التي تدعو للتكفير وتحليل القتل، ونتساءل من أين تأتي فلول التكفير، وإباحة دم الإنسان من دون حرمة ولا تردد؟
فلعلنا نعيش في وهم وخدعة كبرى وكذبة كذبناها فصدقناها حتى صارت هي التراث الحصري. وعندما نقرأ في القرآن قوله تعالي «و ما فرطنا في الكتاب من شيء»، ترى مئات التفاسير بأنها لا تعني أن القرآن منهاج حياة جاهز ليخذ به المسلم، وفيه حاجات المسلم الأساسية ونفعنا الله بعلم علمائنا وشيوخنا الأفاضل، ولكن لا قدسية لغير النص المقدس ولا رهبانية ولا فرق ولا جماعات ولا تنظيمات في الإسلام الحنيف، وقد حان وقت مكاشفة النفس لتصحيح مسار هذا الدين كرحمة للعالمين.
" نقلاً عن جريدة الاتحاد الاماراتية "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة