فيما اللاجئون يطرقون أبواب أوروبا وأميركا يرتكب ابن لاجئ أفغاني مجزرة في أورلاندو، المدينة الأميركية الجميلة.
فيما اللاجئون يطرقون أبواب أوروبا وأميركا يرتكب ابن لاجئ أفغاني مجزرة في أورلاندو، المدينة الأميركية الجميلة.
يحتاج الاندماج إلى ثلاثة أجيال على الأقل، ليس بالضرورة لنسيان الوطن الأم ومنغّصات العيش فيه، وإنما لوعي الملاءمة بين الثقافة الموروثة وتلك التي يعيشها ابن المهاجرين ويتلمّس قيمها في التعليم والعمل والعيش الصعب، فليست بلاد الغربيين حدائق للنزهة.
ما يعانيه اللاجئون أو المهاجرون المسلمون لا يختلف عن معاناة أمثالهم.
هذا في الأساس، لكن المسلمين المتطرفين يشكّلون عبئاً إضافياً على المسلم الأوروبي أو الأميركي.
وذلك القاتل في أورلاندو ارتكب جريمته تلبية لرغبة «داعش» كما أُشيع، مع التباسات تتصل بكونه كحولياً وقريباً من المثليين. لا نظرية مؤامرة، لكن أي جريمة يرتكبها مسلم أوروبي أو أميركي تفتح ملف المسلمين المتطرفين وتتسبب بذعر الجالية، كما تستدعي الاتهام بأن المسلم، لكونه ينتمي إلى نظام أكثر مما ينتمي إلى دين، هو عاجز عن الاندماج في مجتمعات ديموقراطية أو متعددة.
رياح جريمة أورلاندو تدفع شراع سفينة دونالد ترامب، وهو بادر الى التعليق بصيغة الـ «انا» مهاجماً الرئيس أوباما والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، وهي علّقت على الجريمة باستحضار الـ «نحن»، في إشارة إلى التعددية الأميركية التي يشكل المسلمون جزءاً من نسيجها.
هنا تبدو معركة الرئاسة الأميركية إيديولوجية أكثر من سابقاتها، خصوصاً أن أوباما ليس رئيساً عادياً، فمواقفه الفكرية تتجاوز سلوكيات سياسي محترف.
لقد أنهى الرجل الى حد بعيد الهياكل السياسية للحزب الجمهوري، في الداخل كما في الامتدادات العالمية، ووصل الأمر بالجمهوريين الى الموافقة على مضض بأن يكون ترامب الحديث العهد في حزبهم حصان السباق نحو الرئاسة.
جريمة أورلاندو ومن قبلها جرائم عدة، رجوعاً إلى جريمة 11 سبتمبر المفصلية، لم تؤدِّ الى شرخ في التعددية الأميركية، فقد تعزّز حضور الدستور الفيديرالي في دعم الوحدة الوطنية، وهو ما تفتقده دساتير بلدان تحكمها أنظمة ديكتاتورية رأيناها تتفكك تحت وطأة جرائم مماثلة.
ولكن، لا بد من الاعتراف بالقلق على مستقبل الديموقراطية الأوروبية والتعدُّدية الأميركية إذا بقي العالم ملعباً للوطنيات الصاعدة، خصوصاً في روسيا، وللإسلام السياسي الذي ينظر إلى مسلمي العالم كأذرع يأمرها فتلبي.
هنا تبرز إيران التي تفترض نفسها عدواً للولايات المتحدة ولبعض دول أوروبا، كما تبرز منظمات متطرّفة مثل «القاعدة» و «داعش» في إعداد وتنفيذ عمليات قتل وتخريب لبث الرعب في العالم، مما يرسم للمسلمين صورة العدو الأبدي من دون مسوّغ عقلاني لهذا العداء.
وما يبدو الآن أن الديموقراطية والتعددية أمام خطرين رئيسيين، خارجي من الإسلاميين المتطرفين وداخلي من النزعة الفاشية كرد فعل.
ويعنينا كعرب ومسلمين انخراط عدد من شبابنا في تنظيمات متطرفة وتشجيع المتخلفين وقصيري النظر هذا الانخراط. هنا نلاحظ وعياً بالخطر لدى الحكومات يقابله إهمال، ربما مقصود أحياناً، لدى بعض علماء الدين، فأدبيات التطرف تحمل دائماً لمسات فقهية تلبي طموحات قادة التنظيمات الى إلغاء الذات الحضارية في سياق الحرب ضد الآخر المختلف.
ويمثل «داعش» نموذجاً في اجتثاث الدولة الحديثة وفرض نسق بدائي، بالقوة الشرسة، مع ادعاء الانتساب الى موجبات في الفقه الإسلامي يختارها من هوامش سوداء في تاريخ حضاري ناصع.
والحق أن جهود علماء الدين المسلمين حاضرة لكنها أقل من مستوى التحدي، علماً أن جوهر الديموقراطية والتعدُّدية القائمتين على الاعتراف، هو أصلاً من مقاصد الدين في بعده العالمي، ولا تعني هذه المقاصد استخدام المسلمين لغايات سلطوية.
ما رأي الفقهاء حقاً في ما يتبلور من إسلام أوروبي وآخر أميركي؟ فما حدث في جنازة محمد علي كلاي يشير إلى أن مسلمين أميركيين لا يرغبون بوصاية سياسية من خارج وطنهم تأتي بثوب ديني.
وردع رجب طيب أردوغان في الجنازة يبدو موقفاً ورسالة، فالمعنيون يقبلون الأخوّة الإسلامية كلقاء إيمان لكنهم يرفضونها مطية لتبعية سياسية أو ثقافية.
ومحترفو شتم أميركا، وما أكثرهم، يراوحون مكانهم، فيما العالم، وإن ببعض المبالغة، يرى التطرف الإسلامي خطراً على الجميع. القضية جدّية، والمطلوب أبعد من كسل عمليات الشتم.
ثم كيف يشتم هؤلاء أميركا التي يقاتل سلاح جوّها منذ خريف العام 2014 الإرهابيين في العالم العربي ليحدّ، على الأقل، من قدرتهم على تدمير ما أنجز العرب في حاضرهم وماضيهم؟
* نقلا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة