الحرب الهادئة.. شركات التواصل الاجتماعي تصعّد المعركة ضد الإرهابيين
بعد وقائع حذف مستخدمين من جانب "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر"
تعمل شركات مواقع التواصل الاجتماعي على التصدي لدعاية المتشددين الإسلاميين ومحاولاتهم تجنيد مقاتلين جدد
تعمل شركات مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر" على تصعيد مساعيها للتصدي لما يبثه المتشددون الإسلاميون من دعاية ومحاولات لتجنيد مقاتلين جدد عبرها، لكن شركات الإنترنت تفعل ذلك بهدوء، لتجنب خلق انطباع أنها تساعد السلطات بالقيام بدور شرطة الإنترنت.
ويوم الجمعة الماضي، أعلن "فيسبوك" أنه أغلق حسابًا يعتقد أنه يخص تشفين مالك، التي شاركت مع زوجها في الهجوم الدامي في سان برناردينو، الذي سقط فيه 14 قتيلًا، ويحقق فيه مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي بوصفه "عملًا إرهابيًّا".
وقبل ذلك بيوم واحد، التقى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس ومسؤولون من المفوضية الأوروبية في اجتماعين منفصلين، مسؤولين من "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر"، وشركات أخرى للمطالبة بسرعة التحرك فيما تصفه المفوضية "بالتحريض على الإرهاب وخطاب الكراهية عبر الإنترنت."
ووصفت شركات الإنترنت سياساتها بأنها صريحة ومباشرة، فهي تحظر أصنافًا بعينها من المحتوى بما يتفق مع شروط الخدمة التي تقدمها، وتحتاج صدور أمر قضائي لإزالة أي شيء أو لمنع نشر شيء ما. ويمكن لأي مستخدم أن يبلغ عن أي محتوى بحاجة للمراجعة أو لاحتمال إزالته.
لكن الحقيقة أكثر صعوبة وتعقيدًا بكثير؛ إذ يقول موظفون سابقون، إن الشركات الثلاثة تخشى إذا أعلنت على الملأ المستوى الذي تتعاون به مع وكالات إنفاذ القانون في العالم الغربي أن تواجه بمطالب لا نهاية لها من مختلف دول العالم بالتعاون معها بالقدر نفسه.
كما يقلقها أن ينظر إليها المستهلكون باعتبارها من أدوات الحكومات، والأسوأ من ذلك أنها تخاطر إذا كشفت بالضبط عن كيفية عمل وسائل الفحص فيها بأن تزداد معارف المتشددين الماهرين في استخدام وسائل التكنولوجيا عن كيفية التغلب على نظمها.
وقال خبير أمني سبق له العمل بشركتي "فيسبوك" و"تويتر" ـ طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية الموضوع ـ: "إذا علموا بالخلطة السحرية التي تدخل في بث المحتوى إلى النشرات الإخبارية فسيستفيد مرسلو البريد الإلكتروني غير المرغوب فيه أو أيًّا من كانوا من ذلك."
ومن أبرز جوانب قضية الدعاية غير المفهومة، عدد الوسائل التي تتعامل بها شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع المسؤولين الحكوميين.
وتقول "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر": إنها لا تعالج الشكاوى الحكومية بشكل مختلف عن الأسلوب الذي تتعامل به مع شكاوى المواطنين، ما لم تحصل الحكومة على أمر قضائي.
والشركات الثلاث من بين عدد متزايد من الشركات ينشر تقارير شفافية منتظمة، تلخص عدد الطلبات الرسمية من المسؤولين، فيما يتعلق بالمحتوى الموجود في مواقعها، لكن مسؤولين سابقين ونشطاء ومسؤولين حكوميين يقولون، إن ثمة سبل للالتفاف على ذلك.
ومن أبرز هذه السبل أن يشكو مسؤولون أو حلفاء لهم من تهديد أو خطاب كراهية أو احتفاء بالعنف يخالف شروط الخدمة التي وضعتها الشركة وليس مخالفًا للقانون، ومثل هذا المحتوى يمكن إزالته في غضون ساعات أو حتى دقائق دون الإجراءات والمستندات المطلوبة في حالة الأمر القضائي.
وقال ناشط ساهم في تعطيل العديد من الحسابات: "من الشائع أن تتصل السلطات الاتحادية مباشرة بتويتر وتطلب المساعدة بدلًا من اللجوء إلى القنوات الرسمية."
وفي حالة هجوم سان برناردينو، أغلق "فيسبوك" حساب تشفين مالك الذي كان مفتوحا باسم مستعار؛ لأنه خالف المعايير المجتمعية التي تمنع الإشادة بأعمال الإرهاب أو الترويج لها. وقال المتحدث: "إن الصفحة كانت تتضمن مادة مؤيدة لتنظيم داعش"، لكنه لم يذكر تفاصيل.
تعبئة النشطاء
كما حقق بعض النشطاء المنظمين على الإنترنت نجاحًا في حمل مواقع التواصل الاجتماعي على إزالة بعض المحتوى.
وقال ناشط يتحدث بالفرنسية ويستخدم اسمًا مستعارًا على "تويتر"، إنه ساعد في التخلص من آلاف مقاطع الفيديو على "يوتيوب"، وذلك بنشر عناوين الإنترنت للحالات الواضحة التي تنتهك فيها سياسة الموقع، وكذلك بالاستعانة بمتطوعين آخرين للإبلاغ عن هذه الحالات.
وقال شخص على دراية بعمليات "يوتيوب"، إن مسؤولي الشركة يميلون للتعجيل بمراجعة مقاطع الفيديو، التي تولد عددًا كبيرًا من الشكاوى مقارنة بعدد المشاهدات.
ومن الممكن أن يؤدي الاعتماد على الأعداد إلى مشاكل من نوع آخر.
وقال المهاجر الأوكراني نيك بيلوجوسكي، الذي كان يعمل في قسم الأمن في "فيسبوك" إن شركته علقت أو قيدت حسابات كثير من الأوكرانيين المؤيدين للغرب، بعد ما بدا أنها حملة منسقة اتهمهم فيها العديد من المستخدمين الذين يتحدثون بالروسية، باستخدام خطاب فيه كراهية.
وساعد بيلوجوسكي أصحاب بعض هذه الحسابات على الفوز بعد الطعن على قرارات "فيسبوك"، موضحًا أن الشكاوى انحسرت.
وذكر نشطاء أن حملة مماثلة منسوبة لمسؤولين فيتناميين منعت لفترة مؤقتة على الأقل المحتوى الخاص بمنتقدي الحكومة، فيما امتنع فيسبوك عن مناقشة هذه الحالات.
ويقول مسؤولون تنفيذيون سابقون، إن ما يريده مسؤولو إنفاذ القانون والساسة وبعض النشطاء في واقع الأمر هو أن تتوقف شركات الإنترنت عن السماح بتبادل المحتوى الممنوع في المقام الأول، لكن هذا يمثل تحديًا تكنولوجيًّا هائلًا إلى جانب تحولات ضخمة في السياسات.
ويمكن منع بعض المواد الإباحية التي يظهر فيها أطفال؛ لأن شركات التكنولوجيا لديها قاعدة بيانات يتم من خلالها التعرف على الصور المعروفة مسبقًا، وهناك نظام شبيه لحماية حقوق التأليف الموسيقي.
وقالت نيكول وونج، التي كانت تعمل نائبًا لكبير المسؤولين التكنولوجيين في البيت الأبيض، إن شركات التكنولوجيا ترفض إقامة قاعدة بيانات لمقاطع الفيديو التي يبثها الجهاديون، خشية أن تطالب حكومات قمعية بترتيبات مماثلة لفحص أي محتوى لا يروق لها.
وقالت وونج التي كانت من المديرين التنفيذيين السابقين في "تويتر" و"جوجل": "شركات التكنولوجيا على حق في حذرها؛ لأنها تعمل على المستوى العالمي، وإذا أقامت قاعدة بيانات لغرض ما لا تستطيع القول: إنه لا يمكن استخدامها لغرض آخر، وإذا أقمتها فسيأتون، وستستخدم في الصين لقمع المنشقين."
بلاغات موثوق بها
وقد حدثت بعض التغييرات الرسمية في سياسة العمل، فقد قال متحدث باسم "تويتر"، إن الشركة عدلت سياسة سوء الاستخدام، لحظر التهديدات غير المباشرة بالعنف، بالإضافة إلى التهديدات المباشرة، كما حسنت بشكل كبير سرعة التعامل مع الطلبات الخاصة بسوء الاستخدام.
وأضاف المتحدث: "بصفة عامة نحن نستجيب للطلبات بسرعة أكبر، ومن المطمئن القول: إن طلبات الحكومة ضمن ذلك." فيما أشار "فيسبوك" إلى حظره أي محتوى يشيد بالإرهابيين خلال العام الحالي.
ووسعت "يوتيوب" التابعة لجوجل برنامجا غير معروف باسم "المبلغون الموثوق بهم"، يسمح لجماعات تتراوح من وحدة شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية إلى مركز "سايمون فيسنتال" لحقوق الإنسان بالإبلاغ عن أعداد كبيرة من مقاطع الفيديو والتصرف في هذه البلاغات على الفور.
وامتنعت متحدثة باسم "جوجل" عن تحديد عدد المبلغين الموثوق بهم، لكنها قالت، إن الأغلبية أفراد اختيروا بناء على دقتهم في التعرف على المحتوى الذي يخالف سياسات الموقع، وأضافت أنه لا توجد وكالات حكومية أمريكية في هذا البرنامج، رغم ضم بعض الكيانات الأمريكية التي لا تهدف للربح في العام الأخير.