بالفيديو.. "العين" في زيارة خاصة إلى متحف الشارقة للحضارة الإسلامية
رحلة إلى مهد العلوم المعاصرة
متحف الشارقة للحضارة الإسلامية الذي تجولت "العين" في ردهاته الشاسعة شاهد على أمجاد حضارتنا العريقة، وفيه دعوة مفتوحة لإحياء أمجادها.
للنهضات الثقافية والحضارية أُسس إذ ما أخذت بها الأمم تقف شامخة قوية عصية على الزمن والنسيان.. متحف الشارقة للحضارة الإسلامية الذي تجولت "العين" في أروقته وردهاته الشاسعة يقف شاهدًا على أمجاد حضارتنا العريقة، وفيه دعوة مفتوحة لكل زائر لاستذكار تلك الفتوحات العلمية والفكرية لإحياء أمجاد الماضي.
لقد افتتح متحف الشارقة الإسلامي لأول مرة في منطقة التراث في عام 1996، وقد تم نقل مقتنياته الفريدة إلى مبنى "سوق المجرة" لاحقًا حيث أضيفت مقتنيات جديدة وتحديث أسلوب العرض. وأعيد افتتاحه كمتحف الشارقة للحضارة الإسلامية في السادس من يونيو عام 2008.
يحتوي متحف الشارقة للحضارة الإسلامية على 6 قاعات رئيسية بالإضافة قاعة المعارض المؤقتة، وقد تم توزيع القاعات على الطابقين الرئيسيين داخل المعمار المميز لهذا الصرح، حيث تقع 2 من القاعات الرئيسة في الدور الأرضي و4 في الطابق الذي يعلوه، لتأتي قاعة المعارض المؤقتة لتستضيف أهم الفنون الإسلامية من مختلف متاحف العالم الإسلامي، بالإضافة إلى صناديق السكوك والعملات التي تتوزع في البهو الرئيسي للمتحف.
"العين" في إطار جولتها داخل داهليز المكان مع المرشدة ميثاء محمد تعرفت على مقتنيات قاعة أبوبكر للعقيدة الإسلامية، أولى قاعات العرض التي تهدف إلى تعرف غير المسلمين بأركان الإسلام والإيمان وبعض المناسك والعبادات، وفي تلك القاعة يستهل الزائر رحلته بالتعرف على أبرز ملامح الحضارة الإسلامية، حيث تأتي قاعة العقيدة في المتحف لتعريف غير المسلمين بالدين الإسلامي، بالإضافة إلى دورها التطبيقي أثناء زيارات طلبة المدارس في مراحل تعليمهم الأولى والأطفال حيث تقدم مقتنياتها المختلفة نبذة عن الإسلام وأركانه، وعرضًا مفصلًا لأركان الإيمان. كذلك تمنح المشاهد فكرة أقرب عن الحرمين الشريفين من خلال عرض صور مختلفة ومتنوعة لمدينة مكة عمومًا عام 1931 وحالها آن ذاك، بالإضافة لصور مفصلة للحرم المكي وتطوره على مر العصور حتى وصوله للحال التي بات عليها اليوم بعد التوسعات العملاقة الأخيرة التي طالته.
لم تغفل تلك القاعة أهم ملامح الدين الإسلامي المتثلة في القرآن الكريم، وهو ما فردت له حيزًا كبيرًا في تلك الردهة، حيث قدمت نماذج نادرة ونسخًا طبقًا للأصل عن مصاحف أثرية، بالإضافة إلى شرح دقيق عن مناسك الحج والعمرة تم توضيحها بمجسمات هندسية مفصلة، بجانب هذا وجدت مجسمات أكبر لأبرز المعالم الإسلامية التي مثلت نقله في علوم العمارة والهندسة كمجسم "الجامع الأزرق" ومسجد "السليمية" بتركيا.
قادة العلم:
في الرواق الثاني من الطابق الأرضي للمتحف يتعرف الزائر على أبرز علماء المسلمين الذين ساهموا في تطور العلوم والمعارف البشرية، بالإضافة إلى أبرز الإختراعات والاكتشافات العلمية التي كانت سبقًا علميًّا في أزمانهم؛ ففي قاعة ابن الهيثم للعلوم والتكنولوجيا وهي ثاني القاعات الرئيسية في الطابف الأرضي يتعرض المشاهد لمختلف العلوم من خلال تخصيص قسم الكمياء والفلك والطب والزراعة والهندسة، وتستهدف هذه القاعة تعريف الزوار سواء كانوا أجانب أو عرب أو طلبة للمدارس أبرز إنجازات العلماء المسلمين، وأن أساس النقلة الصناعية والفكرية في العالم المعاصر ركيزتها العلوم التي وضعها العلماء المسلمين في مختلف المجالات، فما نراه اليوم بدائيًّا وبسيطًا كان ثورة معرفية في وقت مضى، وهو ما يوضحه نموذج اختراع عالم الكمياء المسلم "جابر بن حيان" الذي كان له أسهمًا كبيرة في علم الكمياء وتطوره، ويقدم المتحف في هذا الصدد أبرز أختراعات هذا العالم العظيم من خلال مجسمات مصغرة تعطي الزائر فكرة مفصلة عن طبيعة هذه الإبتكارات العلمية كجهاز تقطير ماء الورد الذي يتصدر القاعة.
لقد عكف المتحف على عرض مجموعة كبيرة من النسخ والمجسمات لتوضيح هذه الاختراعات للزوار، وهو ما يظهر جليًّا في قسم الفلك حيث تبرز مجسمات مصغرة ونماذج طبقًا للأصل عن أدوات القياس الفلكي والمراصد الفلكية التي أشهرت في تركيا وبلاد فارس والهند. كذلك فردت مساحة مخصصة لعلوم الملاحة وتطورها بعرض بوصلات متباينة الأشكال والأحجام وخرائط ملاحية لأبرز الراحلة المسلمين، بالإضاف لبعض أهم المخترعات أو التطورات العلمية التي أدخلها العرب فتوجد نماذج لساعات شمسية ورملية طورها العلماء المسلمين أكثر دقة وتطورًا في تلك الحقبة الزمنية.
ومن الملاحة إلى الطب يسافر الزائر داخل قاعة ابن الهيثم للتعرف على علم آخر برع فيه المسلمون الأوائل، فرغم كل التطور الحادث في مجال الطب إلا أن ابتكارات العلماء المسلمين لا تزال تستخدم حتى الآن، وهذا ما يكتشفه جمهور المتحف بمشاهدة المنصات الخاصة بالأدوات الطبية التي تستعرض معدات غرفة العمليات الت صنعت بكل مهارة قبل 100 قرن من قبل العالم المسلم الجليل أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي المعروف بعميد الجراحين، والبديع في الأمر أنه لا تزال تلك الأدوات مستخدمة حتى هذه اللحظة في غرف العمليات والجراحة، حيث قدم الطبيب 200 مخطط لأدوات اخترعها وصنعها بيده، ولا يزال العديد منها مستخدمًا إلى يومنا هذا، مثل المشرط وخيوط الجراحة المصنوعة من أحشاء القطط والتي يتم عرضها ضمن مقتيات المتحف.
التكنولوجيا الحربية أخذت ركنًا من معروضات ردهة ابن الهيثم حيث يتعرف المشاهد على أبرز التطورات التي أدخلها المسلمين على الأسلحة الحربية ومثلت تحولًا حقيقيًّا على المستوى العسكري والقوى الحربية، كما يتعرف المشاهد على أبرز الإنجازات المعمارية والزراعية في عصور وحقب إسلامية مختلفة من أقطار وأمصار متبانية.
حرف وفنون:
بالانتقال إلى الطابق العلوي يتعرف الزائر على 4 من القاعات تستفيض في شرح الفنون والثقافة الإسلامية من مدن وبلدان مختلفة أنتشر فيها الإسلام، حيث تحتوي تلك القاعات على مجموعة فريدة من الزخارف الخشبية والجصية بجانب المنسوجات القطنية والحريرية والصوفية والملابس المطرزة والزجاج المزخرف والفضيات والأسلحة، وقد قسمت هذه المقتنيات على القاعات على حسب العصور التي تنتمي لها، فأحتوت أولى القاعات على مقتنيات من القرن الأول حتى السابع الهجري، أما الثانية فترواحت أعمار المقتيات فيها بين القرن الثامن وحتى القرن الحادي عشر الهجري، لتأتي القاعة الثالثة مستعرضة مقتنيات من القرن الثالث عشر الهجري والرابعة تضمنت مقتنيات من القرن الرابع عشر الهجري. نماذج مختلفة ومتبانة من الفنون الإسلامية والزخارف والمنمنمات، توضح روعة إبداع وصنيع المسلمين وكيف برعوا في أبتكار أسلوب فني ميزهم في شتى مناحي الحياة.
في هذا الجزء من المتحف يغوص المشاهد في رحلة زمنية يتسلسل الزمن فيها، حيث تبرز حرفية المسلم في أكثر من 5 آلاف قطعة تترواح بين صناعات الفخار والحلى وأساليب الزخرفة.. تحف فنية تعبر عن روعة ما قدمته اليد الإسلامية في فنون المنسوجات والغزل والنسيج، بالإضافة إلى استعارض قطع فريدة من الملابس الحربية والأسلحة والسيوف والأنصال والخناجر.
لقد اعتمد المسلم على بيئته ومحيطة لتزين أدواته فاستخدم الخامات الطبيعة لصنع مقتنياته، ولجأ إلى الفن بل أتقنه بشكل كبير مشكلًا بذلك جزءًا عظيمًا من الحضارة الإنسانية ومن قبلها هويته الثقافية والفكرية التي ترتبط ارتباطًا أصيلًا بفكر الإسلام الوسطي الذي أزهر بجعل شعارات السماحة والتآخي وإعمار الأرض عملًا على الأرض لا أفكار في طي كتب.