يستعد الاتحاد الأوروبي إلى الانتقال إلى عهد جديد بعد الاستفتاء البريطاني. ويوحي الجدل الساخن بين لندن وبرلين وباريس وبروكسل
يستعد الاتحاد الأوروبي إلى الانتقال إلى عهد جديد بعد الاستفتاء البريطاني. ويوحي الجدل الساخن بين لندن وبرلين وباريس وبروكسل، بأن حرباً كلامية عنيفة قد اندلعت بالفعل بين هذه العواصم، تجلت في المطالبات الألمانية والفرنسية للبريطانيين بالانسحاب فوراً وعدم التلكؤ في تنفيذ إرادة الاستفتاء.
ثلاثة أو أربعة أيام كانت كافية للقادة الأوروبيين لاستيعاب الصدمة، على عكس النخبة السياسية في بريطانيا التي دخلت في أزمات عميقة وغير مسبوقة، ربما تذهب بوحدة بريطانيا إلى الأبد، وتحولها من دولة عظمى إلى مجرد مُذنّب في المدار الأوروبي. وقد أوقعت هذه الهواجس من ساندوا «الخروج» ومن عارضوه في مأزق كبير، فالحزبان الكبيران «العمال» و«المحافظون» يعرفان انهيارات وصراعات بين القمة والقاعدة، ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي أعلن استقالته، يرفض الدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتنفيذ الانفصال. وبالمقابل تشدد الدول الأوروبية الأخرى، وفي صدارتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا على ضرورة التعجيل بالإجراءات، وعدم تضييع الوقت في الحيرة أو في البحث عن ذرائع قد تؤجل تنفيذ ما أراده البريطانيون.
عشية الاستفتاء كان عدد من حكام أوروبا من أمثال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يحثون البريطانيين على التصويت بكثافة للبقاء ضمن الاتحاد. وبعد صدور النتيجة وانكشاف الحقيقة تغيرت اللهجة الفرنسية والألمانية وبدأت تتعامل مع الأمر الواقع بجدية، فهذه ميركل تطالب بضرورة البدء في مفاوضات الرحيل البريطاني عن القارة، وتحذر لندن من أنها لن تستطيع انتقاء الامتيازات أو المساومة على قضية أصبحت محسومة. أمّا في فرنسا فقد بدأ البعض يردد مواقف الجنرال شارل ديغول قبل خمسين عاماً، حين كان يرفض بشدة دخول بريطانيا إلى السوق الأوروبية المشتركة لقناعته بأن دخولها سيفجر القارة لأن المملكة المتحدة «تملك كراهية متجذرة للكيانات الأوروبية». وتحت وطأة ما يحصل في هذه الفترة قد يجد هذا الكلام من يصدقه، لاسيما في ضوء الانقسام الكبير في بريطانيا والدعوات الملحة إلى إعادة الاستفتاء في محاولة لإيجاد فرصة للتدارك.
قبل نحو 70 عاماً كانت الدول الأوروبية قد خرجت من مقتلة عظيمة في الحرب العالمية الثانية تحالفت فيها بريطانيا وفرنسا ضد ألمانيا وإيطاليا وقد حسمت تلك الحرب بانضمام الأمريكيين والسوفييت وانتهت الحرب لصالح التحالف الأول، تماماً مثلما انتهت الحرب العالمية الأولى. وخشية من اندلاع حرب ثالثة بين تلك القوى، بدأ التفكير برعاية أمريكية في إيجاد ذراع عسكرية هي حلف «الناتو»، ومظلة سياسية واقتصادية تمثلت في السوق الأوروبية المشتركة قبل أن تصبح اتحاداً يضم 28 دولة. ولكن في لحظة ما فرضت التحولات العالمية منطقاً آخر ومقاربات جديدة. ونبه الاستفتاء البريطاني إلى أن محاولات تجيير العلاقات الأوروبية لفائدة مصالح معينة أو العمل على فرضها بحجج مختلفة، سياسة عقيمة، وقد أدت إلى هذه النتيجة، فوقعت بريطانيا وأوروبا تحت مهددات خطيرة، وهي مهددات قد لا تقف عند انسحاب دولة أو تفكك أخرى، وإنما قد تعود القارة بقوة إلى أجواء ما قبل الاتحاد وما قبل الحرب العالمية الثانية أيضاً.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة