ثمة خوف من أن يؤدي قرار الخروج من الاتحاد إلى إحداث تأثيرات في دول الاتحاد الأوروبي كاتجاه إجراء استفتاءات مماثلة في فرنسا
أما وقد قال البريطانيون كلمتهم وقرروا الخروج من الاتحاد الأوروبي بغالبية 51.9 %، يعني أن ثمة تداعيات قادمة على بعض دول الاتحاد، وبالتالي الاتحاد نفسه، وكذلك على مجمل الواقع البريطاني وعلاقاتها بدول أخرى خارج الاتحاد. وعلى الرغم من الفارق البسيط بين الخروج والبقاء، ثمة آليات كثيرة تنتظر المفاوضين البريطانيين، لوضع نتائج الاستفتاء موضع التنفيذ الفعلي.
فوفقاً لنص المادة 50 من اتفاقية لشبونة 2009، لأي عضو في الاتحاد حرية الخروج ضمن آلية محددة ودون تقديم مبررات، وبذلك يرتب الاستفتاء على لندن التفاوض بشأن «اتفاق الانسحاب» الذي يقره مجلس الاتحاد الأوروبي، والذي يضم الدول الأعضاء ال 28، بأغلبية مؤهلة، بعد موافقة البرلمان الأوروبي. وبذلك لا تطبق المعاهدات الأوروبية على بريطانيا، بدءا من تاريخ دخول «اتفاق الانسحاب» حيز النفاذ، أو بعد سنتين من الإبلاغ بالانسحاب في حال لم يتم التوصل إلى أي اتفاق خلال السنتين. بيد أن بوسع لندن والاتحاد الأوروبي التقرير بضأن تمديد هذه المهلة بالتوافق بينهما. ورغم ذلك ثمة تعقيدات كثيرة تبدأ بالجانب القانوني، ولا تنتهي بالضرورة بالجانبين السياسي والاقتصادي اللذين ستتركهما العديد من العوامل البريطانية الخاصة والأوروبية العامة. ثمة خيارات بريطانية عدة يمكن أن تسير بها، ولكل مسار محاذيره، استنادا إلى تجارب خاصة في هذا المجال. ويتمثل الخيار الأسهل باتباع لندن الخيار النرويجي أو الأيسلندي، كعضو في الاتحاد ما سيتيح لها مدخلاً إلى السوق الأوروبية في مقابل احترام قواعد هذه السوق التي تتمتع بضوابط قانونية ملزمة، والتي لم تشارك في ترتيباتها أصلا، علاوة على تسديد مساهمات مالية كبيرة كانت سبباً رئيسياً في ميل المزاج البريطاني نحو الخروج.
أما الخيار السويسري، فهو خيار غير مناسب لبريطانيا بالنظر لكلفته المرتفعة وانعكاساته السلبية على الوضعين المالي والاقتصادي، إذ إن سويسرا أبرمت على سبيل المثال، أكثر من مئة اتفاقية مع الجانب الأوروبي مستثنية قطاع الخدمات، وهو المجال الذي ترنو إليه بريطانيا، في الوقت الذي لم ترض به أغلبية دول الاتحاد حاليا في علاقاتها مع برن. ومن الخيارات الأخرى المتاحة التجربة التركية، عبر وحدة جمركية أو إبرام اتفاق تبادل حر مع الاتحاد الأوروبي، وأيا يكن خيار لندن وفي أي اتجاه ستختار، ستبقى بريطانيا أسيرة الواقع المالي والاقتصادي الأوروبي، وأسيرة الحواجز التي ستقف في وجه الأسواق الأوروبية الرئيسية.
وفي الشق الاجتماعي الذي ستواجهه لندن، التفاوض حول وضع حوالي مليوني بريطاني يقيمون أو يعملون في الاتحاد الأوروبي، بخاصة حقوق التقاعد والحصول على الخدمات الصحية في دول الاتحاد ال27 الأخرى. كما حقوق الأوروبيين المقيمين في بريطانيا.
في المقلب الأوروبي الآخر ثمة خوف من أن يؤدي قرار الخروج من الاتحاد إلى إحداث تأثيرات في دول الاتحاد الأوروبي كاتجاه إجراء استفتاءات مماثلة في فرنسا التي يحظى فيها اليمين المتطرف بشعبية كبيرة، كما في بولندا وغيرها من الدول. كما يتوقع أن تدفع نتيجة الاستفتاء في اتجاه إجراء إسكتلندا، التي تعارض الخروج من الاتحاد الأوروبي، استفتاءً ثانياً حول استقلالها عن المملكة المتحدة، كما ينتظر أن تزيد قوة التيارات الداعية لانفصال أيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة. علاوة على توقع ازدياد منسوب نمو اليمين المتطرف في الساحة الأوروبية، خاصة بعد تنامي موجات الإرهاب المتنقل من بلد إلى بلد أوروبي آخر والذي ينسب إلى اللاجئين ما يعتبر سبباً آخراً لنتائج الاستفتاء.
لم يكن الاستفتاء البريطاني إلا انعكاساً لزواج الإكراه قبل حوالي 43 عاما من عمر العلاقة الملتبسة بين الطرفين، فعلى الرغم من الغنج السياسي والاقتصادي اللذين نالتهما بريطانيا، ظل العقل الجمعي للبريطانيين يطغى عليه عنصر التفوق وعدم القبول والرضا بأي تقديمات سخية قدمت للندن، وما زالت تعتبر أن تقديماتها للاتحاد تفوق بكثير مكاسبها. وأيا تكن النتائج المباشرة وغير المباشرة للاستفتاء، ثمة طلاق بائن قد وقع، وسعى إليه أغلبية البريطانيين، وهو أمر متوقع، إذ لم تكن لندن يوما قريبة إلى أوروبا أكثر من أي حيز جغرافي آخر ومنها الضفة الأخرى من الأطلسي، ثمة مفارقة قلة من المتابعين يعرفونها، وهي أن فكرة الاتحاد الأوروبي هي فكرة بريطانية المنشأ، وليست من بنات أفكار أي دولة أوروبية ومنها فرنسا أو ألمانيا مثلاً، واللتان كانتا بمثابة الزوج المخدوع طوال عقود من الزمن.
المقال نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة