إنفوجراف: السلطان حسن.. سيمفونية الجمال والجلال في العمارة الإسلامية
أضخم مساجد مصر عمارة وأعلاها بنيانًا وأكثرها فخامة وأحسنها شكلًا وأجمعها لمحاسن العمارة وأدلها على عظم الهمة وغاية العناية في إنشائه
من بين آثار الدنيا ومبانيها الخالدة، لا يوجد مكان تبدو فيه كثافة الزمن في أقصى حالاته، وتواتر الظل والنور، السطوع والغموق، مثل مسجد السلطان حسن في منطقة القلعة التاريخية، أجمل وأروع بل أفخم مساجد القاهرة القديمة على الإطلاق. يحتل المسجد (وبجواره مدرسة) موقعه على مشارف ميدان القلعة، يبدو مهيبا فخيما ببنيانه الشاهق وهيبته الرقيقة، هو مركز المكان وحوله تدور البنايات الأخرى، هو البؤرة والمنطلق في ذلك الميدان الذي تعددت تسمياته بين "ميدان الرميلة"، ثم ميدان "قره ميدان" (أي الميدان الأسود)، وصولا إلى ميدان القلعة حيث يعرف ويشهر الآن.
النشأة
أسس السلطان حسن بن محمد بن قلاوون لبنائه في العام 757 للهجرة 1356 من الميلاد، واستمر البناء لمدة 7 سنوات لينتهي في عام 764 هجريًّا، 1363 م، ورغم أنه بنى ضريحًا ليدفن به داخل المسجد، إلا أنه قتل ولم يعثر على جثته ودفنت جثتا ولديه عوضًا عنه في المسجد، ويقع المسجد الذي اشتهر باسم "مدرسة السلطان حسن" في منطقة القاهرة القديمة بجوار قلعة محمد علي ويجاوره مسجد الرفاعي الشهير إلى جانب عدد من المساجد القديمة، على مساحة تقارب الفدانين.
عمارته وأهميته التاريخية:
في وصف عمارته، يقول الجغرافي والمؤرخ الكبير محمد رمزي، في تعليقاته القيمة على كتاب "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" للمؤرخ المملوكي الشهير أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي: "الجامع لا يزال موجودًا بميدان محمد علي تجاه باب العزب من قلعة الجبل وهو أضخم مساجد مصر عمارة وأعلاها بنيانًا وأكثرها فخامة وأحسنها شكلًا وأجمعها لمحاسن العمارة وأدلها على عظم الهمة وغاية العناية التي بذلت في إنشائه، طوله 150 مترًا وعرضه 68 مترًا ومساحته 7906 أمتار مربعة، وارتفاعه عند بابه 37,70 مترًا، وعلى جوانب صحن الجامع 4 إيوانات معدة لإقامة الشعائر الدينية، وفي كل زاوية من زواياه باب يوصل إلى إحدى المدارس الأربع التي شيدها منشئ الجامع ليدرس في كل منها أحد المذاهب الأربعة".
في حين كتبت سعاد ماهر في موسوعتها "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون" عن زخارفه مشيدة "بالجملة فإن هذا الجامع من أحسن الآثار العربية، فإن جميع الزخارف وآثار الصناعة التي في داخل المسجد وخارجه تسترعي النظر، وخاصة باب الدخول العام والواجهة القبلية الشرقية التي تعلوها المنارتان والرفرف الكبير المركب من 6 مداميك مقرفصات والعلو الشامخ في سائر الوجهات مع مافيها من النوافذ على 8 طبقات، وهو من أهم المساجد التي يحرص على زيارتها السائحون".
حصن عسكري:
على مدار تاريخها ورغم إنشائه لهدف تعليمي وديني إلا أن "جامع السلطان حسن" تعرض للغلق في وجه طلاب العلم وحتى المصلين لفترات طويلة نظرًا لعلوه وارتفاعه، حيث كتبت ماهر، في مؤلفها السابق "وقد ظلت مدرسة السلطان حسن فترة طويلة من الزمن مغلقة لا تؤدى فيها وظيفة التدريس ولا شعيرة الصلاة وذلك لأن المماليك اتخذوا منها حصنًا يدافعون به أنفسهم ضد أعدائهم بالقلعة، فقد حدث سنة 791ه 1389م في عهد السلطان برقوق أن نصب المماليك أعلى المدرسة المكاحل، المدافع، زرموا بها على باب السلسلة بالقلعة فلما تكررت مثل هذه الحوادث أمر السلطان برقوق سنة 793ه بهدم السلم الموصل إلى سطح المدرسة وسد ما وراء الباب النحاسي الكبيرثم فتح نافذة من نوافذ المدرسة كمدخل لها".
وتواصل "وقد ظلت مدرسة السلطان حسن قرابة 51 عامًا مغلقة في العصر العثماني حتى سنة 1200ه، 1785م، حينما أصلحها سليم أغا وفتح بابها وأزال الحوانيت التي أنشئت بأسفلها وبنى لها سلالم ومصطبة جديدة".
أما الخبير الأثري، مختار الكسباني، فيقول "مدرسة السلطان حسن من أعظم المدارس في العمارة الإسلامية في العالم أجمع، وخاصة القبة القبلية به وإيوانات الدرس، والمسجد من أهم المزارات الأثرية والسائحون يحرصون على زيارته، ويليه القلعة، بالإضافة إلى عظمة مبانيه كأضخم مدرسة في العمارة الإسلامية في العالم، ويقال إنه أكبر من إيوان كسرى ملك الفرس".
جامعة شاملة:
ويستطرد "الجامع كان جامعة متكاملة وأسست به قاعات لدراسة الفلك والطب والتشريح والصيدلة وليس فقط العلوم الشرعية والفقهية كما هو شائع، وكان به قاعات لإقامة الطلاب والدارسين بخلاف الإيوان الرئيسي للخدمة وفيه القبة التي كان يفترض أن يدفن بها السلطان حسن لولا مقتله وعدم العثور على جثته".
"السوربون" تحذو حذوها:
وعن أهمية الجامع التاريخية يكشف الكسباني في تصريحات خاصة لبوابة "العين" الإخبارية: "لا يعلم الكثيرون القيمة العظيمة لتلك المدرسة، فبخلاف عمارتها وعظمة بنائها، فقد تأثرت جامعة السوربون بالنظام التعليمي الذي كان متبعًا بها وطبقته في منح الدرجات العلمية والتدرج العلمي لطلابها، وذلك في القرن الرابع عشر من الميلاد".
ويواصل "كثيرًا ما استخدمت المدرسة أو المسجد كحصن في العصر العثماني، لتميز موقعها وعظمة بنائها، في فترات تناحر الطوائف العسكرية والجنود بسبب الخلافات العرقية التي سادت في تلك الفترة، وكان أبرزها الخلاف بين طائفتي باب العزب والانكشارية، حتى إنه أثناء ترميم المسجد فترة رئاسة الدكتور أحمد قدري لهيئة الآثار، أزيلت قنبلة وجدت أسفل نافذة جنب القمرية التي توجد بها نافذة القبة بالمسجد".
مقدمة ابن خلدون:
ويردف: "المدرسة قامت بدور المحكمة الشرعية وحتى الآن توجد مخطوطات بها أحكام صادرة من المحكمة الشرعية بمدرسة السلطان حسن في دار الوثائق القومية ويتم الرجوع إليها من قبل وزارة الأوقاف"، ويضيف "كانت هناك قاعة لتدريس علم الاجتماع بالمسجد حرص كبار العلماء والمشايخ المسلمون على القدوم للتدريس بها ولعل أبرزهم ابن خلدون درس الطلاب بها كما وضع بداية كتابه "العبر وديوان المبتدأ والخبر" أو ما نسميه "مقدمة ابن خلدون" بالمسجد وهي معلومة ليست شائعة".
ويختتم "من الطريف أنه رغم كل ما يتمتع به المسجد من زخارف وعمارة إلا أنه لم يكتمل بنائه وزخرفته كما ينبغي لوفاة السلطان فنجد الرسوم التخطيطية في المدخل الرئيسي جهزت ولكن لم تتم".