مكاتب تسوية المنازعات الأسرية في مصر.. طبيب الخلع المريض
مكاتب تسوية النزاعات الأسرية أُنشِئت لمحاولة حل الأزمات الأسرية قبل إحالة الأمر إلى قضية خلع، للحفاظ على الأسرة من الهدم.
محاكم الأسرة كانت –ولا تزال – منفذًا لكثير من النساء في مصر من جحيم حياة لا يمكن اكتمالها، لكن الكلمة الأولى في قضايا الخُلع المرتبطة بشكل وثيق بتلك المحاكم ليست في يد القاضي، بل في يد مكاتب تسوية النزاعات الأسرية، تلك المكاتب التي أُنشِئت لمحاولة حل الأزمات الأسرية قبل إحالة الأمر إلى قضية خلع، في محاولة للحفاظ على الكيانات الأسرية من الهدم، ورغم أهمية تلك المكاتب، لكنها تعج بالأزمات، سواء في تدني خبرات أعضائها، أو في عدم توافر التدريب لهم، كذلك عدم قدرتهم القانونية على الحفاظ على حقوق الزوجة، بما يحول دون تحقيق الهدف الرئيسي من إنشاء تلك المكاتب.
"العين" رصدت أزمات مكاتب تسوية النزاعات الأسرية، وحاولت طرح حلول لها.
باتت مكاتب فض المنازعات الأسرية القِبلَة الأولى لمن ترغب في إقامة دعوى الخلع، وفقًا للقانون، انطلاقًا من رغبة الدولة في استخدام القانون لحماية الأُسر القائمة والإبقاء عليها، فيتعين على الزوجة الحضور أمام تلك المكاتب قبل الشروع في اتخاذ أي خطوات في القضية، ربما يتم التصالح وينتهي الأمر دون انفصال.
مكتب تسوية المنازعات أنشئ بالقانون رقم 10 لسنة 2004، وهو مكتب مشكّل من هيئة مستقلة، مكونة من عضو قانوني وآخر نفسي وثالث اجتماعي، مهمتهم الأولى الالتقاء بالخصوم، ومحاولة تقريب وجهات النظر، على سبيل عقد الصلح بين الطرفين، بدلًا من الوصول للخلع، على أن تنجز الهيئة مهمتها في مدة لا تتجاوز 15 يومًا من تاريخ اللجوء إلى المكتب، وفي حالة الفشل في الصلح يتم إحالة النزاع إلى القضاء.
أعضاء مكتب التسوية يناط بهم متابعة الحالات التي تحضر إلى المكتب، ومن المفترض أن يضع الخبيران النفسي والاجتماعي آراءهما حول الأزمة التي يدرسانها، ويثبتانها في محاضر رسمية، يُطلق عليها محاضر التسوية، وتُضم إلى ملف الدعوى القضائية، لإطلاع المحكمة عليها حال إحالة الأمر إلى دعوى خُلع.
ومثلما كان القانون رحيمًا بالمرأة، اتخذ وزير العدل الأسبق، المستشار ممدوح مرعي، خطوة تدعم المرأة في رحلتها إلى الخُلع، حيث سمح بعدم حضور محامٍ أمام مكاتب تسوية النزاعات الأسرية في محاكم الأسرة، في سابقة هي الأولى من نوعها، حيث سمح في أغسطس 2010 باستكمال الدعاوى القضائية دون اشتراط حضور محامٍ أمام مكتب التسوية، كما قرر أن تُقدم تلك المكاتب خدماتها للمواطنين بالمجان ودون أي رسوم.
وفي جولة أجرتها "العين" في بعض مكاتب التسوية في محاكم الأسرة، لمتابعة العمل بها على أرض الواقع، قال موظف بأحد المكاتب، في محكمة الأسرة في مدينة بنها (فضَّل عدم نشر اسمه)، إن المكتب يستقبل الزوجة التي تتقدم بالشكوى، ويستمع إلى شكواها، ويطلب عنوان الزوج، كونه المشكو في حقه، فيتواصل المكتب معه، ويتم تحديد موعد لحضور الطرفين معًا، لمناقشة أزمتهما، ومحاولة الوصول لحل.
وتابع: "إذا استجاب الزوج، وحضر إلى مكتب التسوية، تتم مناقشة الأزمة على سبيل محاولة الصلح، فإذا نجحنا انتهى الأمر، وإذا فشلنا في تقريب وجهات النظر والتوفيق بين الطرفين، تحدث محاولات للطلاق، عن طريق حضور مأذون أمام المكتب، وإذا رفض الزوج الطلاق، يتم تحويل الأمر إلى قضية خلع".
المصدر لفت إلى أنه في ما يتعلق بالأمور المادية، ففي حالة الاتفاق على تحديد نفقة للزوجة والأطفال –إن وُجِدوا- يتم تحرير "عقد تسوية" تنطوي بنوده على الاتفاق بالكامل وطبيعته، والمبلغ المالي المحدد على سبيل النفقة، والمدة، موضحًا أن العقد يأخذ قوة الحكم القضائي في ما يتعلق بتنفيذه.
من جانبه، قال المستشار عبد الله الباجة، رئيس محكمة استئناف الأسرة بالقاهرة، إن القانون ألزم الأطراف المتنازعة باللجوء إلى مكتب التسوية قبل وصول الدعوى إلى المحكمة، مطالبًا بتزويد مكتب فض المنازعات بطرف من الأزهر، "خصوصا أن رجال الدين لهم دائما مكانة لدى المجتمع، ويمكنهم التأثير على الأطراف المختلفة، بخلاف أن الأحوال الشخصية في مصر مصدرها الشريعة الإسلامية".
وانتقد عدم وضع آراء خبراء المكتب في ملفات القضايا عند فشلهم في التوصل إلى تسوية، وتحويل النزاع إلى القضاء. وأضاف: "الأمر على أرض الواقع في مكاتب التسوية يختلف كثيرا عما يجب أن يكون عليه في الأحوال الطبيعية ووفقًا للقانون"، مشيرًا إلى أنه لا بد من تطوير تلك المكاتب، وتطوير ثقافة المواطن للتعامل معها.
أما المحامي هشام النجار فقال إن العمل في مكاتب التسوية أثبت قصورا في المنظومة العملية، مضيفًا أن الأساس لنجاح أو فشل مكتب التسوية في مهمته يرجع إلى العنصر البشري في المقام الأول. وتابع: "إذا نظرنا إلى العنصر البشري المكوِّن لمكاتب التسوية نظرة تحليلية لوجدنا أن هؤلاء العناصر تم انتدابهم من وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو ما أدَّى بالتبعية إلى عدم مساواتهم ماديًّا بالموظفين من أقرانهم في وزارة العدل، ومنحهم شعورا بعدم الاستقرار النفسي، خشية إلغاء الانتداب في أي وقت، الأمر الذي يؤثر عليهم سلبًا في العمل، ويجعلهم عاجزين عن أداء مهمتهم على الوجه الأكمل".
وعن حلول تلك الأزمات، قال النجار إن تثبيت هذه العناصر المنتدبة لتكون عناصر معيّنة على ذمة وزارة العدل، وتدريبها على القيام بمهمتها يُعد أفضل الحلول، خصوصًا أن الموظفين الموجودين حاليًّا اكتسبوا بعض الخبرة المطلوبة لإنجاز العمل في مكاتب التسوية.
ونصح النجار بأنه في حالة تعيين أي موظفين جدد في مكاتب التسوية، لا بد أن يكونوا معيّنين من الأساس على كادر وزارة العدل، "خصوصا أن وزارة العدل بها كثير جدا من الدرجات الوظيفية الشاغرة".
وأوضح النجار أن صيغة عمل هذه المكاتب شبيهة جدا بمكاتب فض المنازعات الإدارية التي أُنشِئت بموجب القانون رقم 7 لسنة 2000، المُشكَّلة من رجال القضاء السابقين، وقال إن "أعضاء هذه اللجان من القضاة السابقين يتقاضون رواتب مثل رواتب القضاة، وبالتالي من العدالة أن يُمنح أعضاء مكاتب تسوية المنازعات الأسرية نفس الرواتب، لأن العبرة بتقاضي الراتب هو طبيعة العمل المؤدَّى، وليس شخص من يعمل، خصوصًا أن مكاتب تسوية المنازعات أصبحت كأنها درجة جديدة من درجات التقاضي أُضيفت إلى قضاء الأحوال الشخصية"
aXA6IDE4LjIyMy4yMzcuMjE4IA==
جزيرة ام اند امز