مع حلول عيد الفطر السعيد الذي يحل يوم غد الأربعاء، تعود جراح أهالي الشهداء لتتفتح مجددًا عندما يتذكرون فقدانهم للأعزاء عليهم.
قبل أن تصدح أصوات التكبير والتهليل في المساجد الفلسطينية لصلاة عيد الفطر السعيد الذي يحل يوم غد الأربعاء، تعود جراح أهالي الشهداء لتتفتح مجددًا عندما يتذكرون فقدانهم للأعزاء عليهم في صور مؤلمة ومؤثرة لآلاف الأمهات والزوجات والأطفال، حيث تعيش عوائل الشهداء بين لوعة الفراق لغياب الأعزاء عنهم.. والشوق للقائهم.
"نضار فياض" (31 عامًا) زوجة الشهيد "رائد أبو مغصيب" الذي استشهد في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2014، هي واحدة من بين آلاف الثكالى والتي لا تزال تشعر بمرارة كبيرة مع أطفالها الأربعة الذي لم يتجاوز أكبرهم الثامنة من عمره، في حين لم تكمل أصغرهم وهي رضيعة عامها الثاني، وهي تقضي عيد الفطر في غياب زوجها ووالد أطفالها وسط لوعة الفراق وشوق اللقاء.
وتتذكر في حديثها مع بوابة "العين" اللحظات السعيدة التي كانت تجمعها مع زوجها وأطفالها في أول أيام العيد، الذي كان بمثابة كل حياتها لها ولأطفالها، لكن الطائرات الإسرائيلية بصواريخها المدمرة مزقت جسده الطاهر دون أن يشكل أي خطر على الإسرائيليين، وتساءلت ما ذنب الأطفال أن يعيشوا بدون والدهم، حتى أن أصغرهم الرضيعة لمار ولدت بعد استشهاد والدها الذي لم يرَها ولن تراه.
وتعترف وهي تنظر إلى صورة زوجها التي تزين جنبات منزلها المستأجر، أنها لا تشعر بأي سعادة أو ملذة للحياة في غياب زوجها، ولكنها تضطر للتظاهر بذلك من أجل أطفالها الأربعة، الذين يسألون باستمرار عن والدهم الذي غادرهم إلى الرفيق الأعلى، وتقول: "أطفالي وخصوصًا التوأم عبد الرحمن وصبا يسألون باستمرار عن والدهم.. وعن غيابه عنهم، على الرغم من أنني أخبرتهم بعد معاناة وإلحاح بأن والدهم قد استشهد في الحرب، بل أقوم بشكل دوري باصطحابهم إلى المقبرة لزيارة ضريحه وقراءة الفاتحة على روحه".
وتضيف" نضار" في حديثها لـبوابة" العين"، أن أكثر ما يؤلمها حقًّا ما يستفسر عنه باستمرار طفلها عبد الرحمن الذي لم يبلغ عامه الخامس، عند سؤالها: "لماذا نزور بابا في المقبرة؟ وهو لا يزورنا في البيت؟؟ مشيرة إلى أنها لا تقوى حينها على الرد على سؤاله وتنخرط في بكاء شديد.
وتقول وهي تحتضن أطفالها بحرارة: "في وجوده (رائد) كان للعيد طعم آخر؛ كان يملأ الدنيا سعادة وهناء رغم قساوة ومرارة الحياة، لكن في غيابه لا يوجد أي شيء، والحمد لله على كل شيء".
وباتت العائلة بدون زوجها (رائد) بدون روح، كما تقول نضار: "أشتاق أنا وأطفالي له ولروحه المرحة، ولكل شيء كان يقوم به من أجلنا، حتى في العيد هو كان من يقوم بتحضير كل شيء عقب عودته من أداء صلاة العيد".
وتحاول "نضار" رسم البهجة على وجوه أطفالها في العيد، وتكابر على نفسها من أجل تحقيق ذلك، موضحة أنها باتت إليهم الأم والأب وكل شيء في حياتها من أجلهم، لكن أكثر ما يحزنها هو أن أطفالها ليسوا كغيرهم من أقرانهم لأنهم افتقدوا الأب.
وتستذكر الزوجة، لحظة استشهاد زوجها، حيث خرجت هي وأطفالها من البيت بسبب نية الجيش الإسرائيلي قصف أحد المنازل القريبة منهم، ولجأت لمراكز الإيواء، لكن رائد رفض، وبقي في المنزل، وعندما تم استهداف المنزل المجاور لهم، شارك مع الجيران في إنقاذ من كان تحت الركام، ونجح في ذلك.
وتضيف: "بعد إلحاح شديد عليه بترك المنزل واللجوء لمراكز الإيواء بسبب وجود خطر على حياته هناك، واستجاب لذلك، شريطة أنه سيبدل ملابسه ويأتي إليهم، حيث قام بذلك، وارتدى أجمل الملابس لديه والتي كان قد اشتراها مؤخرًا، وما إن خرج مع أحد أقاربه حتى بادرتهم الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصفهم لتمزق أجسادهم الطاهرة".
وتختتم "نضار"، حديثها مع بوابة "العين"، أن الحرب لا يموت فيها التعساء، لكن التعساء هم الذين يبقون خلفهم من ثكلى، ويتامى ومكلومين، غير أنها أكدت أنها ستعيش على ذكرى زوجها، وترى في أبنائها ذلك الغائب عنهم قصرًا، كما أنها ستفي بعهد قطعته على نفسها بتحمل المسؤولية الجسيمة في تربية أطفالها وتعويضهم عن فقدان والدهم الشهيد.
aXA6IDE4LjE4OC4yMjcuMTA4IA== جزيرة ام اند امز