منذ أسابيع صرح علي جنتي وزير الثقافة والإرشاد الإيراني بأن إيران لن ترسل مواطنيها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج لهذه السنة
لطالما نسمع تصريحات إيرانية مثيرة للجدل، فمنذ أسابيع صرح علي جنتي وزير الثقافة والإرشاد الإيراني أن إيران لن ترسل مواطنيها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج لهذه السنه وذلك بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع المملكة العربية السعودية ، كما أكد أن السبب يعود إلى إصرار المملكة إلى توجه المواطنين الإيرانيين الراغبين في أداء فريضة الحج إلى دولة أخرى للحصول على تأشيرة الدخول بسبب إغلاق سفارتها في طهران بعد اقتحام المتظاهرين الإيرانيين السفارة بسبب إعدام نمر النمر الذي قام بأعمال إرهابية في المملكة ، والسبب الآخر هو رفض المملكة منـح تصريح لشركة الطيران الإيراني بالدخول في أجوائها والذهاب إلى جــــدة .
مع العلم أن المملكة كانت ولازالت حريصة كل الحرص على استقبال و توفير الراحة لضيوف الرحمن .
إذا، ما هي الأسباب الحقيقية والكامنة وراء تصريح علي جنتي بمنع إرسال الإيرانيين إلى الحج؟ وهل من حق أي دولة مسلمة أن تمنع فريضه فرضها الله تعالى على المسلمين وهي فريضة الحج لدواع سياسية، أو بمعنى آخر مزج الدين بالسياسة؟
ونحن في هذا المقال لن نتطرق إلى الأمور السياسية، فنحن لسنا مثل غيرنا نتدخل في شؤون الدول الأخرى وإنما سوف نتحدث عن الموضوع من منظور تاريخي وبشكل موجز..
مما لا شك فيه أن هذه ليست المرة الأولـى التي تمنع فيها إيران مواطنيها من أداء فريضة الحج ، ففي عام 1987 م قام الحجاج الإيرانيون بحمل أسلحة بيضاء والبدء بترويج سياساتهم وأزماتهم إلى مكة المكرمة وبدؤوا يثورون في الحرم المكي بعمل مظاهرات ورفع شعارات وصور الخميني والتي كانت قد تبنتها النظام الإيراني لكي يمنعوا حجاج البيت الحرام من أداء مناسك الحج ويفرضوا عليهم السياسة الإيرانية المبنية على نظرية ولاية الفقيه والمذهب الشيعي الاثنى عشري مما أسفر عن مقتل المئات من الحجاج و رجال الأمن السعودي ، ولهذا قرر الخميني بمنع فريضة الحج على الإيرانيين لثلاث سنوات بصفته الولي الفقيه وأن هذا القرار هو لمصلحة الإسلام والمسلمين ! !
وكأن الولي الفقيه يعلم مصلحة الإسلام والمسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم ويفرض عليهم عدم الذهاب إلى الحج، وطبعا عادت العلاقات مرة أخرى عام 1991 م والسماح لـ 115000 حاج إيراني بأداء فريضة الحج ، ولكن هل المقصود هنا أنه إما أن يرضى الجانب السعودي من المظاهرات الإيرانية في الحرم المكي والتي تسمى (البراءة من المشركين ) أم سيمنعون مواطنيهم من أداء فريضة الحج؟ هل المقصود أنه إما أن يرضى الجانب السعودي بحمل الحجاج الإيرانيين الأسلحة البيضاء وتخويف الحجاج ورفع صور وشعارات سياسية وتعكير صفو الحجاج أم سيمنعون مواطنيهم من الحج؟ هل المقصود أنه إما أن يرضى الجانب السعودي بتبديل ما نقوله في الحــــــــــج من ( لبيك اللهم لبيك ) إلى ( لبيك يا حسين ) أو أنهم سيمنعون مواطنيهم من الحج ؟ هل المقصود أنه إما أن يرضى الجانب السعودي بتسليم إدارة الحرمين للخميني أو أنهم سيمنعون مواطنيهم من الحج ؟ هل المقصود أنه إما أن يرضى الجانب السعودي بتبني إيران عمليات إرهابية في المملكة مثل ما حصل في سنة 1986 م حيث اكتشف الأمن السعودي قنابل C4شديدة الانفجار في حقائب الحجاج الإيرانيين في مطار جدة أو أنهم سيمنعون مواطنيهم الإيرانيين من الحج ؟
في الحقيقة؛ منذ بداية الثورة الإيرانية ووصول الخميني إلى منصب الولي الفقيه، بدأت إيران تسعى بكل ما تملك من قوة إلى رفع المملكة العربية السعودية عن الحرمين (مكــة المكرمة والمدينة المنورة) وذلك بزعمها أن المملكة مقصرة في إدارة الحج ، حيث صرح محمد جواد لاريجاني على ضرورة عدم إدارة المملكة للحرمين وأن تصبح تحت إدارة دولية بشرط أن يكون لإيران الحصة الأكبر فيها، وهذا ما كان قد صرح به الخميني في عهده، نعم ياسادة، هذا هو السبب الحقيقي لقيام إيران بمثل هذه الأعمال في مواسم الحج، تصدير ثورتها عن طريق إدارة الحرمين .
جميعنا يعلم أن إيران تتدخل في شؤون الدول الأخرى لنشر المذهب الشيعي الاثنى عشري في المنطقة والسيطرة على العالم الإسلامي مثل شهدناه في سوريا ، العراق ، البحرين ، اليمن وبعض الدول الأفريقية، وهي تقوم بأعمال شنيعة ثم تتهم السعودية بسوء إدارة الحج، تتهجم بشكل واضح ومباشر على السياسة السعودية ثم تقول إنها لا تتدخل في شؤونها، تتدخل بشكل سافر في شؤون مملكة البحرين وتدعو إلى المظاهرات فيها بسبب سحب جنسية لأحد أذنابها .
هل تعلم عزيزي القارئ أن الخميني قال ذات مرة معلقا على أحداث مكة المكرمة عام 1987 م: "أن نتنازل عن القدس ونصالح صدام، أهون علينا من أن نسـامح السعودية"؟! وهذا شيء طبيعي فإيران دولة شيعية والمملكة سنيـة وإيران كانت ولا تزال تخلق الصراع الطائفي بطرق سياسية وبصبغة إسلامية للوصول إلى أهدافها الكامنة، وليس لديها مانع في أن تفرط بالقدس لصالح المذهب الشيعي وإدارتها للحرمين .
استغلت إيران الوضع مرة أخرى حين تدافع الحجاج في يوم 24 / 9 / 2015، وبدأت بتصريحات معادية، كما استمرت بالتآمر والتدخل في شؤون المملكة الداخلية كعادتها وتشكك إن كانت المملكة قادرة على إدارة وخدمة الحرمين الشريفين وهكذا صعبت الأمور واتهمتها بالتقصير .
وهكذا وكما ذكرنا آنفا، قررت إيران منع إرسال مواطنيها إلى فريضة الحج لهذا السنة حتى تضغط على المملكة سياسيا و دينيا، ولكن نقول للنظام الإيراني: قال تعالى "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، والحج وصوم رمضان" و جاء في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ "من حج البيت فلم يرفـــــــــث ولم يفســـــــــق رجع كيوم ولدته أمه"، فالله تعالى فرض الحج لتزكية النفوس وتكفير الذنوب فهل أنتم أهل لمنع فريضه فرضها الله على المسلمين لأسباب سياسية وطموحات طائفية ؟
جميعنا سمع وشاهد عن طريق الأخبار و التواصل الاجتماعي عن التفجير الإرهابي في المدينة المنورة والقطيف يوم الاثنين التاسع العشرين من شهر رمضان المبارك لعام 1437هـ، أتساءل إن كانت هذه التفجيرات بسبب تصريحات قاسم سليماني منذ أيام قليله بشأن البحرين وإشعال المنطقة، أم من داعش (خوارج العصر ) ، ولماذا جاءت هذه التفجيرات بعد التصريحات الإيرانية بفترة قصيرة؟! حيث إن إيران كانت ولا تزال تعادي المملكة العربية السعودية وتستهدف أمن الخليج ، فهل داعش ورقه بيد إيران تلعب بها كما تشاء ، فلم نسمع أبدا أن داعش قامت بأي أعمال إرهابية ضد إيران ولا لمواطنيها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، بماذا ستعلق إيران نحو هذه التفجيرات الإرهابية على المملكة الشقيقة، وهل ستدعو مرة أخرى برفع المملكة العربية السعودية عن الحرمين؟.
المقال ضمن سلسلة "إيران لا شرقية ولا غربية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة