شكلت المصالحة التركية - «الإسرائيلية» لطمة للتيار الذي يمثله خالد مشعل داخل حركة حماس
شكلت المصالحة التركية - «الإسرائيلية» لطمة للتيار الذي يمثله خالد مشعل داخل حركة حماس، فقد كان هذا التيار يراهن على فك الحصار عن غزة وإقامة ميناء بحري موجه إلى تركيا، كما وعد الأتراك حركة حماس. لكن المصالح التركية كانت لها الغلبة على مصلحة الذراع الإخواني في غزة. وبدلاً من ذلك، ارتأت المصلحة العليا لتركيا أن تفك تركيا الحصار عن نفسها بعد أن باتت دولة محاطة بعلاقات عدائية أو غير ودية من جميع الجهات (روسيا وسوريا والعراق وأرمينيا واليونان وإسرائيل). فقد سرَّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من وتيرة المصالحة مع «إسرائيل»، وتجاوز شعاره الإعلامي رفع الحصار عن غزة، وقدَّم اعتذاراً لروسيا عن إسقاط الطائرة الروسية من ضمن شروط روسية لاحقة. فهو استنتج بعد تفاقم الأزمات الداخلية والخارجية في تركيا، وتسلل الإرهاب إلى بيته، بعد أن حالفه في السنوات الماضية أن شعار حليفه المستقيل داود أوغلو المسمى «صفر مشاكل» هو الخيار الأفضل للخروج من المآزق التي تورطت فيها تركيا.
وبعيداً عن العلاقات القائمة على المصالح في الحالة التركية، يخوض تياران في حركة حماس معركتهما المصلحية أيضاً، وباتت الغلبة الآن للتيار المتشدد الذي يحنُّ إلى العلاقات مع إيران، ويتزعمه محمد السنوار الذي تمكن من بسط سيطرته على كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، ويدعمه محمود الزهار. وهذا التيار يرى أن مجاراة التيار التركي عادت بالوبال على كتائب القسام، من حيث التمويل والتسليح، وأن إيران قطعت كل الإمدادات عن الجهاز العسكري، وأن المراهنة على تركيا أثبتت فشلها، وأن الكتائب لا يهمها إن كان النظام الإيراني طائفياً، فالمهم هو دعم المقاومة وليس الدخول في نقاش طائفي.
مع اقتراب اختيار قيادة جديدة لحركة حماس، تناحر التياران علناً، وأعلن قادة من غزة أن مشعل انتهت فترة رئاسته، وأنه لن يترشح، فيما حاول جناح مشعل المقيم في تركيا مثل صالح العاروري والرشق وأسامة حمدان وغيرهم تأجيل انتخاب قيادة جديدة، لكن الأحداث تسارعت، وفرضت نفسها، وتوجه موسى أبومرزوق إلى بيروت في محاولة جديدة لطرق أبواب طهران عن طريق حزب الله، وطلب منه السنوار والزهار مدح إيران، والإشادة بدعمها لحركة حماس، حيث أعلن أن لا أحد قدَّم دعماً لحركة حماس مثل إيران، رداً على تسريبات هاتفية قال فيها إن إيران لم تقدم شيئاً، وإن الدعم الإيراني مبالغ فيه.
التيار المتشدد يريد وجهاً دبلوماسياً يقود الحركة بدلاً من مشعل، ووقع اختيارهم على أبومرزوق الذي طُلب منه سبر غور إمكانية إعادة ما انقطع مع إيران. لكن وضع إيران لن يكون سهلاً حتى لو أرادت دعم حركة حماس، فهي لن تستطيع ذلك بسهولة بسبب العيون الدولية المفتوحة عليها بعد الاتفاق النووي، ولن يكون بمقدورها التحالف مع حماس مادامت مصر ليست على وفاق معها، كما أن تهريب السلاح والأموال بات أكثر صعوبة، ولن تغامر إيران بعداء مصري لها مقابل علاقات حماس. وكذلك فإن حركة حماس ليست في وضع يسمح لها بخوض أي جولات حرب مع الكيان الذي ينتظر أي خطأ تكتيكي لإلحاق دمار أكبر في غزة دون انتظار ردود فعل دولية. لكن مهما يكن، فإن التيار المتشدد في حماس وجد في المصالحة التركية - «الإسرائيلية» فرصة لتأكيد خطأ المراهنة على أنقرة، إلا أن هذا التيار يتجاهل حقيقة أن المصالحة الفلسطينية هي أقرب الطرق لرفع الحصار. وثمة جولة أخيرة في قطر من حوار المصالحة، فإذا لم تتراجع حماس عن إضافاتها على بنود الاتفاق الموقع، فإنها ستتعرض لضغوط قطرية وتركية للقبول بتنفيذ المصالحة كما هي من دون إضافات وعراقيل.
المقال نقلاً عن صحيفة "الخليج" الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة