"الفلسفة في الجسد".. كيف يتجسد الفكر عبر الذهن البشري؟
يسعى الكتاب إلى إعادة النظر في جزء مهم من الأدبيات الفلسفية وفق النتائج التي توصل إليها العلم المعرفي عن آليات اشتغال الذهن البشري
عن منشورات دار الكتاب الجديد في الرباط، صدرت الترجمة العربية لكتاب "الفلسفة في الجسد: الذهن المتجسد وتحديه للفكر الغربي"، من تأليف جورج لايكوف ومارك جونسون، وقام بترجمته الباحث والأكاديمي والمترجم المغربي عبد المجيد جحفة.
الكتاب الذي يقع في قرابة الثمانمائة صفحة من القطع الكبير، يسعى إلى إعادة النظر في جزء مهم من الأدبيات الفلسفية بناءً على النتائج التي توصل إليها العلم المعرفي المعتمد على الأبعاد التجريبية لاشتغال الذهن البشري، وهي النتائج التي من شأنها إبراز بعض الأُسس التي تنبني عليها هذه الأدبيات، وتفكيك أشكال بنائها، وخاصة "البناء" بوساطة الفكر الاستعاري، بغية كشف الخطاطات الفكرية التي تبنيِها، وإتاحة آليات التفكير في الفكر، حسب ما ورد في المقدمة.
ويذهب المؤلفان إلى أن الانطلاق من النتائج التجريبية المتعلقة بطبيعة الذهن البشري وبأشكال اشتغاله، من شأنه إعادة بناء الفكر الفلسفي وفق مرتكزات مغايرة، وهو ما يتيح قيام منظور فلسفي "مسؤول تجريبيًّا"، هذا المنظور التجريبي للذهن ولتجسده في الفكر هو ما يمكن اعتباره "فلسفةً في الجسد". العنوان الرئيس لهذا الكتاب، كما جاء في التقديم، هو في الأصل، « Philosofy in the Flesh». يمكن ترجمة هذا العنوان حرفيًّا بما يلي: "الفلسفة في اللحم". سيبدو هذا العنوان، خارج ارتباطه بالكتاب، ملتبسًا إلى حد بعيد، وربما أوحى بما ينأى عن المقصود.
المقصود، بهذا العنوان، برأي المترجم، أن الكثير من التصورات التي تناولتها الفلسفة وحلَّلَتْها ووطَّدَتْ مفاهيمَها، تصوراتٌ مبنية انطلاقًا من استعارات ومن بعض النظريات العامية الحاضرة عند جميع البشر والتي تتناغم مع هذه الاستعارات، ولكن استعارية هذه التصورات الفلسفية جزئية، ذلك أن هذه التصورات تتضمن جانبًا حرفيًا، ولكنه ضئيل جدًا ولا يتعدى هيكل التصور، وتعمل الاستعارات على كَسْوِ هذا الهيكل لحمًا، الاستعارات هي لحم هذا الهيكل (الحرْفي). بهذا المعنى تكمن الفلسفةُ، أي كل الاجتهاد الفلسفي عبر التاريخ، في اللحم الاستعاري، ثمة معنى متصل بالمعنى أعلاه يُعتبَر فيه هذا «اللحم» كناية عن المادة، وهو كناية في هذا المعنى عن الجسد البشري، وعن الوجود الفيزيائي أو الجسمي عامة، هذا هو المعنى الذي استندنا إليه في ترجمتنا للعنوان.
ويرى المترجم أن عبارة «الفلسفة في الجسد» تشير إلى العلاقة بين الفكر والمادة، تلك العلاقة التي درستها الأدبيات الفلسفية القديمة في إطار مشكل الارتباط بين الروح/ العقل (الذهن) والجسم/ الجسد (الدماغ (the mind-body problem). (وهو المشكل الذي يمكن بسطه كالتالي: هل يمكن لنسق مادي خالص تتحكم فيه قواعد الفيزياء وحدها أن يكون نسقًا مفكِّرًا؟ هل يمكن لآلة تخضع لقواعد الفيزياء أن تفكر؟ هل يمكن أن نسند إليها حالات ذهنية؟
يؤكد من يدافعون عن الواحدية المادية أن الذهن أو النسق العصبي المركزي عبارة عن آلة أو هو نسق مادي يخضع لقوانين "الفيزياء"، وأنه هو أساس سيرورات التفكير والظواهر الذهنية، وهذان الأمران ينكرهما المثاليون المدافعون عن الانفصال بين العماد المادي والحالات الذهنية.
والفكرة المركزية التي يدافع عنها الكتاب أنّ الفكرَ متجسد، ويعني ذلك أن تصوراتنا مبنية وفق استعارات مرتبطة بالجسد، أو يلعب فيها تَجَسُّدُنا دورًا مركزيًّا.
ويرى عبد المجيد جحفة أن لهذا الكتاب طبيعة تفكيكية نقدية، إنه يتجه نحو إعادة النظر في العديد من التصورات الثابتة عبر العصور، إنه يتصدى إلى "ترسانة" فكرية عمرت قرونًا، وما زالت مهيمنة إلى الآن، وهذا ما يعبر عنه عنوانه الفرعي: "الذهن المتجسد وتحديه للفكر الغربي".
يذكر أن للكتاب ترجمة أخرى صدرت عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، قام بها وقدم لها طارق النعمان.
aXA6IDE4LjExNy4xNjguNzEg جزيرة ام اند امز