لكل شيخ طريقة.. كيف كان هؤلاء يقرأون؟
![](https://cdn.al-ain.com/lg/archive/news-image/coll_342931.jpg)
تتنوع طقوس القراءة وأشكالها وتتباين أساليبها وتشهد اختلافات كبيرة بين الكتاب والمشاهير والمشتغلين بالأنشطة المعرفية المتصلة بالقراءة
فعل القراءة ممارسة إنسانية قديمة، ونشاط بشري يعود بجذوره إلى آلاف السنين، وخلال هذه الرحلة الطويلة تنوعت طرائق وأساليب القراءة والنظر في المادة المقروءة بحسب ما كان متاحًا من تقنية أو على قدر ما وصلت إليه صناعة النشر، وفي زمن صار ينافس فيه الكتابَ الميديا الحديثة وأجهزةُ القارئ الإلكتروني وغيرها من الوسائل الإلكترونية العصرية، تنوعت وتعددت الخيارات المطروحة أمام القارئ للمفاضلة بين أكثر من كتاب وقراءة أكثر من نص بالتوازي والانتقال بين كتاب وكتاب، كما تتنقل النحلة البرية بين زهرة وزهرة تتغذى على رحيق هذه وتلك، وتنتج في النهاية شرابًا مختلفًا ألوانه سائغًا للشاربين.
لكن طقوس القراءة وأشكالها وتنوع أساليبها غالبًا ما تشهد اختلافات كبيرة بين الكتاب والمشاهير والمشتغلين بالأنشطة المعرفية المباشرة والمتصلة بالقراءة.. فالفنان والمخرج المصري الراحل شادي عبد السلام مخرج فيلم "المومياء" الشهير كانت له طريقة غريبة في القراءة؛ إذ كان يقرأ وسط الكتب، ويقرأ عدة كتب في وقت واحد، يبدأ فصلًا في الكتاب الأول، ويتركه إلى فصل في الكتاب الثاني والثالث والرابع، ثم يعود إلى الفصل الثاني في الكتاب الأول.. وهكذا، وتتناثر الكتب في كل حجرة بما في ذلك المطبخ ودورة المياه، من الصعب أن نجد تفسيرًا معقولًا لهذه الطريقة في القراءة، وخصوصًا أن شادي كان يقرأ في مجالات مختلفة ومتنوعة، ويبدو أنها في النهاية مسألة تعود بالدرجة الأولى، طريقة ربما يعدها البعض غريبة فعلًا، لكنها إحدى طرائق وأساليب القراءة التي يمارسها العديد من القراء في أنحاء متفرقة من العالم.
وفي كتابه "فن القراءة" يعرض الكاتب والروائي الأرجنتيني الشهير ألبرتو مانغويل بعضًا من أساليب وطرائق القراءة لعدد من مشاهير الكتاب، وعلى رأسهم الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس؛ إذ كان يقرأ بنهم غير مسبوق وفي كل المجالات، وعندما فقد بصره استعان بمانغويل كي يقرأ له بصوت عالٍ النصوص التي كان يختارها من المكتبة، فيقرأ له تارة كتابًا في الأدب، وآخر في الفلسفة، وثالث في التاريخ، وكان يتنقل بين كل هذه الفروع والمجالات بذات السلاسة التي يدخن بها سيجارة أو يشرب كوبًا من الماء!
أما ألبرتو مانغويل نفسه، صاحب أشهر ثلاثية عن القراءة "تاريخ القراءة" و"فن القراءة" و"يوميات القراءة"، فيقول في كتابه الأخير إنه لا يحب أن يلخّص له أحد الكتب التي ينوي قراءتها، يقول "لا بأس أن يشوّقني أحدهم بعنوان أو مشهد أو اقتباس، لكن ليس بكل أحداث الكتاب، القرّاء المتعصبون، والتلخيص الذي يتضمنه الغلاف الأخير، ومدرّسو ومؤرخو الأدب، يفسدون كثيرًا من متعتنا في القراءة من خلال وشايتهم بالحبكة، وطالما تقدم العمر بنا فإن ذاكرتنا يمكنها أيضًا أن تحرمنا من متعة الجهل بمعرفة ما سيحدث لاحقًا، أنا بالكاد أتذكر كيف كان الأمر عندما لم نكن نعرف بأن دكتور جيكل ومستر هايد ليسا سوى شخص واحد، أو أن كروزو سوف يلتقي فرايدي".
وعندما سئل المفكر وأستاذ الفلسفة الراحل زكي نجيب محمود عن طريقته في القراءة وكيف يقرأ، أجاب قائلًا: "اقرأ وكأن الذي معك ليس كتابًا من صفحات مرقومة بحروف وكلمات، بل كأنك تتحدث مع مؤلف الكتاب، اقرأ وكأن الذي معك هو الرجل الحي يعرض عليك فكرته أو خبرته بصوت مسموع، ففي هذه الحالة ستجد نفسك مدفوعًا إلى مراجعته ومساءلته ومراجعته جزءًا جزءًا ومعنى معنى، وهكذا تكون القراءة الحية بفاعليتها الذهنية".
ويتابع زكي نجيب محمود "فلا تجعل من نفسك أثناء القراءة شريطًا من أشرطة الكاسيت يتلقى ولا حيلة له فيما يتلقاه، بل تمهل هنا وقف هناك واسأل وحاور ووافق واعترض، فالذي معك هو إنسان حي بفكره ووجدانه، وقد يكون إنسانًا أطول منك باعًا وأقدر منك على الغوص وراء الحقائق، لكنك لن تبلغ منه كل ما تريد إلا إذا وقفت منه موقف الأحياء من الأحياء، إذ يلتقون في دروب الحياة ومسالكها".
ويصف عباس محمود العقاد الذي اشتهر بأنه من القراء النهمين طريقته في القراءة بقوله: "وطريقتي في القراءة أن لا أذهب مع الطرف في الصحيفة إلا ريثما أذهب مع الفكر في نفسي، فقد أتناول الكتاب أبدأ فيه حيث أبدأ إذا كان من غير الكتب التي يلتزم فيها الترتيب والتعقيب، فيستوقفني رأي أو عبارة تفتح لي بابًا من البحث والروية، فأمضي معها وأطويه فلا أنظر فيه بقية ذلك اليوم أو أنتقل منه إلى كتاب آخر، وأجد هذا التوجيه في أنفس الكتب كما أجده في أردءها، فلا أميز بينها في الابتداء، ولا يكاد يستدرجني إلى المضاء في المطالعة غير موضوع يستوعب ذهني ويأخذ عليَّ المؤلف فيه باب الانفراد بالفكر دونه.
فأما وقد عرفت رأيي في الكتب وطريقتي في المطالعة فهلمَّ نقرأ..".
aXA6IDE4LjIyNC40My4yNDUg جزيرة ام اند امز