«أخطاء» الماضي تطاردها.. هل تتجاوز إسرائيل عقدة 2006 بغزو جديد للبنان؟
رغم «أخطاء الماضي» التي لا تزال تطاردها تسعى إسرائيل لتجاوز عقدة 2006 بـ«غزو» جديد للبنان، مهدت له بضربات جوية على مدى الأيام القليلة الماضية.
إلا أن «النشوة» التي حققتها باستهدافها قادة كبار في حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام للجماعة اللبنانية الراحل حسن نصر الله، أسالت لعاب الدولة العبرية بإمكانية تحقيقها أهدافا «عجزت» عن حصدها قبل 20 عاما.
فهل تتجاوز «عقدة» 2006؟
لمعرفة الإجابة، يجب العودة إلى عام 2006، عندما غزت القوات الإسرائيلية لبنان، لتفاجأ بـ«صعوبات» تقف في طريق تحقيقها أهدافها.
وعلى بعد أقل من ميل واحد داخل الأراضي اللبنانية تورطت القوات الإسرائيلية في اشتباكات مع مقاتلي حزب الله، استمرت أسابيع، تعرضت دباباتها لانفجارات أو اشتعلت فيها النيران بسبب الصواريخ التي تطلق من على الكتف، مما أدى إلى مقتل 121 جندياً.
وانتهى الصراع الذي استمر 34 يوما، الذي بدأ في 12 يوليو/تموز 2006، عندما نفذ حزب الله عملية عبر الحدود وأسر جنديين، بإعلان كل جانب النصر، رغم خسائرهما الفادحة، بحسب صحيفة «واشنطن بوست».
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، الذي كان في منصبه في ذلك الوقت، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»: «إن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعداً لعملية برية شاملة».
وفي تقييم لاذع للحملة العسكرية الإسرائيلية، قالت لجنة فينوغراد التي عينتها الحكومة إن قرار خوض الحرب كان متسرعاً، وإن العملية لم يتم التخطيط لها بشكل جيد. وأضافت اللجنة أن هناك ثغرات في الاستخبارات، و«فرصة خطيرة ضائعة» لتوجيه ضربة أثقل إلى حزب الله.
وقال عوديد إيلام، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد، إن حرب عام 2006 كانت «لعبة مختلفة تماما عن الخطط القتالية المدروسة جيدا والتي يتم تنفيذها اليوم».
عيلام أشار إلى أن الطائرات الإسرائيلية نجحت في قصف 75 منصة لإطلاق الصواريخ بعيدة المدى في عملية استغرقت 34 دقيقة فقط، مشيرا إلى أن هذه المنصات كانت تشكل نحو ثلثي قدرات حزب الله في مجال الصواريخ بعيدة المدى.
لكن القائمة المعدة سلفاً للأهداف الاستراتيجية، التي تشكل أهمية بالغة في الحفاظ على الضغط، استنفدت في غضون أيام، قائلا: «لقد عانينا من نقص المعلومات الاستخباراتية، وهذا يعني أنكم تعملون على نحو أعمى».
ولم تبدأ الحرب في التحول إلا بعد أن شنت إسرائيل هجوماً عقابياً على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله. ويقول عيلام: «لقد غير ذلك مسار الاشتباك، لقد بدأنا في تدمير المباني، من عشرين إلى ثلاثين طابقاً، وكان ذلك بمثابة صدمة لحزب الله».
ما المختلف الآن؟
والآن، بينما تستعد إسرائيل لـ«غزو» بري محتمل آخر، يبدو أن مؤسستها العسكرية والأمنية «استوعبت دروس الماضي»، فعلى مدى الأيام العشرة الماضية استهدفت البنية التحتية اللوجستية والاتصالاتية لحزب الله وعطلتها، كما دمرت مخازن الأسلحة الرئيسية وقضت على كبار قادته، بما في ذلك زعيم الحركة حسن نصر الله، بحسب «واشنطن بوست».
لكن رغم الضربات التي وجهتها إسرائيل فإن «ذكريات أخطائها السابقة في لبنان ما زالت تطاردها». فبحسب أولمرت فإن شن هجوم بري في الصراع الحالي ليس ضرورياً، لأن حزب الله أصبح عاجزاً إلى الحد الذي قد يدفعه إلى الاستسلام والموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار الذي يصب في مصلحة إسرائيل.
ومنذ 2006، نجحت إسرائيل في تحسين استخباراتها بشكل كبير، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، التي قالت إنها بنت بنكا من آلاف الأهداف لضربها في أي حرب كما قال، وبحلول عام 2011 كانت الاستخبارات الإسرائيلية قد حددت بالفعل ألف هدف في الجنوب، وفقا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست في ذلك الوقت.
وقال أولمرت عن أي عملية برية «إنها ستكون صعبة ودموية بالنسبة لجميع الأطراف»، وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد أجرت مقابلة مع أولمرت قبل مقتل نصر الله، قال خلالها إنهم «يمتلكون المزيد من الأسلحة والصواريخ، ونحن نمتلك القدرة والأسلحة التي يمكنها أن تضاهيها».
لكن ما يزيد من المخاطر هو التنسيق الإقليمي بين المليشيات المدعومة من إيران في بلدان مثل العراق وسوريا واليمن، وهو التحالف الذي تعزز منذ عام 2006.
وقال أولمرت إن الصراع قد «يتوسع بسرعة» ليتحول إلى حرب إقليمية شاملة مع إطلاق صواريخ أكثر دقة وأثقل وزنا على المدن الإسرائيلية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد بمواصلة ضرب حزب الله «بكل قوة»، كجزء من مهمة إسرائيل لردع حزب الله عن إطلاق لإسكات الصواريخ التي أطلقها حزب الله بالفعل تضامنا مع حماس في قطاع غزة.
وقال نتنياهو في خطاب يوم السبت «إننا نشهد ما يبدو أنه نقطة تحول تاريخية، نحن ننتصر، نحن مصممون على ضرب أعدائنا».
وبحسب «واشنطن بوست» فإن حزب الله كان متحديا رغم الجهود اليائسة التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون للتوصل إلى وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية يوم السبت إن الهجمات الإسرائيلية قتلت أكثر من ألف شخص في لبنان على مدى الأسبوعين الماضيين، كما نزح مئات الآلاف من الناس بما في ذلك في بيروت، حيث ينام السكان الفارون من الغارات الجوية في الشوارع.
وتقول الصحيفة الأمريكية إنه إذا دخلت القوات البرية الإسرائيلية لبنان فسوف يكون هذا هو الغزو الإسرائيلي الرابع هناك على مدى السنوات الخمسين الماضية، مشيرة إلى أنه في كل مرة سعت إسرائيل إلى إبعاد من تصفهم بـ«المسلحين» عن حدودها.
ما الموقف الشعبي؟
تقول ساريت زهافي، مؤسسة مركز ألما للأبحاث والتعليم، وهي مؤسسة تركز على التهديد الأمني على الحدود الشمالية لإسرائيل: إن جميع الإسرائيليين يكرهون فكرة شن عملية برية في لبنان. ليس فقط بسبب عام 2006، بل أيضاً بسبب كل هذه السنوات التي قضيناها في لبنان منذ عام 1982. ولكن إذا لم يكن هناك خيار آخر فلا بد أن نقوم بذلك.
وعلى مدى سنوات منذ عام 2006 عملت إسرائيل على تكييف عقيدتها العسكرية بطريقة تأمل أن تؤدي إلى تحولات أكثر وضوحا في الوضع الراهن. كانت هناك تساؤلات حول الممارسة المعروفة باسم «قص العشب»، وهي استراتيجية استنزاف تنطوي على صراعات متكررة مع قوات العدو لاستعادة الردع المؤقت.
وفي عام 2020 تحول الفريق أول أفيف كوخافي، رئيس أركان إسرائيل آنذاك، بدلاً من ذلك إلى استراتيجية أطلق عليها «النصر الحاسم».
في الأسبوع الماضي، قال رئيس الأركان الحالي، الفريق هيرتسي هاليفي، للقوات العاملة في الشمال إنه يتعين عليهم الاستعداد لمناورة برية في جنوب لبنان، حيث سيتمكنون من «تدمير العدو بشكل حاسم» هناك.
عيلام، يشير إلى أن «ما ترونه الآن، وما ترونه خلال الأسبوعين الماضيين، هو نتيجة مباشرة لخطة استخباراتية مدروسة بعناية شديدة بشأن المواقع التي يخطط حزب الله لاستهداف إسرائيل فيها».
فـ«الاستخبارات الإسرائيلية اخترقت أكثر أجزاء حزب الله حميمية»، يقول عيلام، مضيفا «نرى ذلك من خلال الاستهداف الدقيق لأعضاء حزب الله حتى مع تخلصهم من هواتفهم وأجهزة النداء الخاصة بهم، وليس لديهم أي فكرة عن كيفية تمكن إسرائيل من القيام بذلك».
هل حزب الله مستعد؟
في السياق نفسه، تعلم حزب الله الدروس من عام 2006، بحسب بول سالم الخبير في معهد الشرق الأوسط ومقره بيروت، الذي قال إن نصر الله اعترف بأخطائه بعد نهاية الحرب، قائلاً إنه لم يكن ليوافق على الكمين عبر الحدود لو كان يعلم حجم الدمار الذي سيعقب ذلك.
سالم أضاف «على مدى السنوات الثماني عشرة التالية، ومن الواضح أنهم بدعم هائل من إيران، نجحوا في زيادة قدراتهم الصاروخية والطائرات دون طيار، وأنفاقهم ودفاعاتهم بشكل كبير».
وفي عام 2006، قُدِّر أن حزب الله يمتلك مخزوناً من الصواريخ والقذائف يبلغ نحو 15 ألف صاروخ وقذيفة. وقد استخدمت المجموعة هذه الصواريخ بشراسة أثناء الصراع، حيث ساعد إطلاق صواريخ الكاتيوشا بشكل مستمر في تحويل الرأي العام الإسرائيلي ضد الحرب.
وعلى الرغم من أن خسارة قادتهم قد يجعلهم في موقف دفاعي، فإن الخبراء يقولون إن مقاتلي حزب الله يتمتعون بفرصة أفضل في مواجهة القوات الإسرائيلية على الأرض.
وتتمتع المجموعة بخبرة قتالية تمتد لسنوات في سوريا، كما تتمتع قواتها بمعرفة وثيقة بالتضاريس في جنوب لبنان، مما يمنحها ميزة على الجيش الإسرائيلي المجهز تجهيزا جيدا.