في الأزمة السورية.. غابت الدولة وحضرت المصلحة
مواقف المعارضة السورية ظلت رهنا باتجاهات الدول التي ترتبط بها، وليس بما يحقق مصلحة الدولة
مع بداية توليه مسئولية رئاسة الائتلاف السوري المعارض في 11 نوفمبر 2012، رفع معاذ الخطيب، أول رئيس للائتلاف شعار "لا للتفاوض مع النظام"، وهو الشعار الذي كان ملائما لطبيعة المرحلة.
ولم تمر شهور حتى أبدى الخطيب استعداده للتفاوض مع النظام، انطلاقا من قراءاته للمشهد، الذي أوصله لنتيجة أنه لا لحل للأزمة سوى هذا الطريق.
وقتها لم يسلم الرجل من سهام المعارضة التي أطلقت عليه بلا هوادة، حتى اضطر إلى الاستقالة من منصبه، وظلت المعارضة وقتها على موقفها بأنه "لا تفاوض مع النظام".
كانت المبررات التي تقدمها المعارضة السورية حينها لهذا الموقف، هو كيف نتفاوض مع من تلوثت أياديهم بدماء الشعب السوري؟ لكن هذه المعارضة ذاتها هي التي خاضت مع النظام مفاوضات "جنيف 2 " و"جنيف 3 "، دون أن تقدم مبررًا منطقيًّا حول أسباب تبدل المواقف وقبولها بالتفاوض مع النظام.
الحقيقة أن هذه المعارضة لا تملك المبرر الذي تقدمه؛ لأن موقفها الذي دفعها لرفض مبادرة معاذ الخطيب، ثم تبدله بعد ذلك، هو رهن لاتجاهات الدول التي ترتبط بها وليس رهنًا بالمصلحة السورية.
فقبل عقد مؤتمر "جنيف 2"، كانت تصريحات المسئولين بدولة تركيا؛ حيث تقيم هذه المعارضة، تعكس عدم حماسهم للمؤتمر، غير أن وسائل الإعلام التركية رصدت مرونة في الاتجاهات التركية نحو عقد المؤتمر بعد زيارة قام بها رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان لواشنطن في مايو من عام 2013.
وكتبت صحيفة "ميريت" التركية: "يبدو أن أردوغان قام بتليين موقفه حول جنيف بعد لقائه الرئيس (الأمريكي باراك) أوباما".
ومع قيام أردوغان بتليين موقفه لينت المعارضة السورية موقفها من المؤتمر، لكن السؤال المهم: ومن استطاع تليين موقف أردوغان تجاه إسرائيل ليقدم على تطبيع العلاقات معها؟ ومن استطاع تليين موقفه تجاه روسيا ليقدم على الاعتذار عن إسقاط الطائرة الروسية ويستأنف العلاقات معها؟
في كلا الحالتين، دفعت مصلحة الدولة التركية أردوغان لذلك، وهذا ما تفتقده المعارضة السورية، فالدولة غائبة عن سياستها، وكل ما يهمها هو الحفاظ على رضا الأصدقاء.
هذه السياسة التي تنتهجها المعارضة حذر منها برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، الذي رأى أنها تعكس عدم ثقة المعارضة في نفسها.
وقال في تعليق على صفحته الرسمية بـفيس بوك قبل يومين: "أخطر ما يعيشه السوريون اليوم هو فقدان الثقة بأنفسهم، والاستسلام لفكرة عجزهم عن التوصل إلى حلول لمشكلاتهم بإرادتهم، والتسليم للدول الأجنبية، العربية وغير العربية، بالقرار، وإيجاد حل للقضية، مع الأمل بألا يخذل حلفاؤهم ثقتهم، وأن يبقوا عند حسن ظنهم بهم".
وتابع: "وهذا ما يؤكده، للأسف، ويبرهن عليه كل يوم سلوك كثير من فصائل المعارضة وشخصياتها التي تتسول الدعوات من الدول والمؤسسات الأجنبية، وتربط أي قرار يفرض عليها اتخاذه بقرار الدول الصديقة ورأيها، ولا تفكر في طرح أي خطة أو إستراتيجية مستقلة للنقاش وللإمساك بقضيتها، وتنتظر دائمًا ما تقرره هذه الدول بمصيرها ومستقبلها".
وأضاف: "لن تحل الدول الأجنبية المسألة السورية، حتى لو كانت قوى كبرى، بل إنها هي التي عقدتها وقطعت عليها طريق الحل، وإذا حلتها فلن يكون ذلك لصالح سوريا والسوريين، مهما كانوا وإلى أي فريقٍ انتموا، وإنما لحسابها، ومن أجل تقاسم المصالح فيها، حتى لو اضطر الأمر إلى تقسيمها جغرافيًّا وسياسيًّا".
فهل ستظل المعارضة السورية في هذا الطريق أم أنها ستتعلم درس المصلحة حتى ولو من أردوغان؟
aXA6IDE4LjE4OS4xODUuNjMg جزيرة ام اند امز