حصاد 25.. فرنسا تتحرك لمواجهة خطر الإخوان
فرض ملف جماعة الإخوان نفسه على الساحة السياسية الفرنسية خلال 2025، منتقلا من أروقة الاستخبارات إلى الإليزيه، ليتصدر قائمة الاهتمامات.
وشهد العام تصعيداً غير مسبوق في الموقف الفرنسي تجاه الشبكات المرتبطة بالتنظيم، تراوحت خطواته بين تحذيرات أمنية، وفرض رقابة مالية وإدارية، وصولاً إلى مطالب بحظر التنظيم وتجفيف مصادر تمويله. ويشير ذلك إلى توجه سياسي وأمني متشدد لمواجهة ما وصفته السلطات بـ"اختراق أيديولوجي منظّم" للنسيج المجتمعي الفرنسي.
مايو.. ضربة البداية
في مايو/أيار، أصدرت الاستخبارات الداخلية الفرنسية تقريراً صنّف جماعة الإخوان كحركة ذات تأثير سياسي "غير شفاف"، تمتلك شبكات محلية تهدف إلى "إعادة أسلمة المجتمع" عبر قنوات ثقافية ودينية واجتماعية. وأوضح التقرير أن بعض الجمعيات والمراكز لا تمارس فقط أنشطة دينية، بل تؤدي دور واجهات نفوذ سياسي وفكري، داعياً إلى تعزيز الرقابة على مصادر تمويلها ومراجعة الشراكات مع مؤسسات عمومية في إطار سياسة وقائية لحماية النموذج الجمهوري.
خريف الغضب
مع تصاعد المخاوف الأمنية، تحوّل النقاش إلى المجال السياسي، إذ كشفت صحيفتا "لو فيجارو" و"لو جورنال دو ديمانش" عن تصاعد الدعوات البرلمانية من أحزاب اليمين والوسط لحظر جماعة الإخوان رسمياً، أو إدراجها ضمن التنظيمات المتطرفة. كما طالبت هذه الدعوات بفرض رقابة مشددة على الجمعيات المشتبه بارتباطها بالتنظيم، ووقف أي تمويل عام لها، وتقديم مقترحات قوانين لتجميد التمويلات العمومية فوراً عن أي هيئة يُشتبه في علاقتها بالإخوان، في خطوة اعتُبرت تصعيداً تشريعياً غير مسبوق.
إلى الميدان
شرعت وزارة الداخلية الفرنسية في تنفيذ إجراءات عملية شملت مراجعة شاملة لأنشطة عدد من الجمعيات الدينية، وتفتيش مصادر التمويل ومسارات الصرف، وتجميد الدعم المحلي لبعض الكيانات المشبوهة، وفرض رقابة إدارية مشددة على إدارات هذه الجمعيات، ضمن استراتيجية تهدف إلى محاصرة أي نشاط يُعد تهديداً لمبادئ العلمانية أو لتماسك المجتمع الفرنسي.
تحول غير مسبوق
ويرى مراقبون، وفق صحيفة "ليبراسيون"، أن 2025 شكّل نقطة تحول حاسمة في تعامل فرنسا مع الإخوان، إذ خرج الملف من الإطار الأمني الصامت إلى واجهة القرار السياسي والإعلامي، في سياق يعكس إرادة رسمية لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والجمعيات ذات الخلفية الدينية، وهو ما قد يشكّل نموذجاً أوروبياً جديداً للتعامل مع التنظيمات العابرة للحدود.
كررت عضو البرلمان الأوروبي ماريون ماريشال لوبان موقفها الحازم تجاه الإخوان، داعية صراحة إلى حل التنظيم في فرنسا، واعتبرت أن استمرار نشاطاته يشكّل "اختراقاً أيديولوجياً خطيراً" داخل المجتمع المدني والجمعيات الدينية، مؤكدة أن محاربة التنظيم ليست مجرد خطاب انتخابي بل واجب دستوري وأمني.
موقف ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتخذ موقفاً واضحاً من الإخوان، مشدداً على أن نشاط التنظيم يجب أن يُقيَّد بما يتوافق مع القوانين الفرنسية ومبادئ العلمانية. وأكد في تصريحات رسمية أن الدولة لن تتسامح مع أي جهة تستغل النشاط الجمعياتي أو الثقافي لتحقيق أهداف أيديولوجية تخالف القانون، وأن الحكومة ملتزمة بمراقبة التمويل الأجنبي والروابط الخارجية لهذه الجمعيات، مع الحفاظ على حرية الدين والنشاط المدني القانوني.
اعتراف
واعترف رئيس مجلس محافظة الألب-مارتيم بتزايد وجود جمعيات إسلامية محلية، مؤكداً أن الوقوف أمام النفوذ المتزايد لجماعات الإسلام السياسي، وخصوصاً المرتبطة بالإخوان، أصبح أولوية أمنية محلية، وأن المحافظة ستعزز مراقبة الجمعيات المموّلة بطرق مشبوهة، ولن تتسامح مع أي نشاط يهدّد "التعايش الاجتماعي" في المناطق ذات التوازن الديني والهويّة الجمهورية.
هم عام
أشار أحد النواب البارزين من أحزاب الوسط أو اليمين إلى أن التقرير لا يُقرأ فقط كخطر أمني، بل كمسألة سياسية هيكلية. ودعا إلى إخضاع الجمعيات المسماة "واجهات ثقافية" للإجراءات الصارمة، بما في ذلك تجميد التمويل أو سحب الدعم العام، وتقديم تشريع جديد يسمح باستخدام أدوات مالية مخصصة لمكافحة الإرهاب لمراقبة شبكات الجماعة غير العنيفة، مؤكداً أن "المواجهة لا تكون دوماً بالقوة، بل بالشفافية والتمويل".

اليسار والإخوان
أثار التقرير جدلاً حول ما وصفه البعض بـ"تواطؤ ضمني" بين بعض فصائل اليسار المتطرف والإخوان، خاصة عناصر من حزب "فرنسا الأبية" تربطهم علاقة فكرية بالتنظيمات الإسلامية عبر دعوات للتضامن مع المجتمعات المسلمة المهمَّشة ونقد السياسات الفرنسية كجزء من معركة ضد "العنصرية الهيكلية". ويشير المراقبون إلى أن هذه الديناميّة تجعل الموقف من الإخوان قضية شاملة على كامل الخريطة السياسية، لا يقتصر على فصيل واحد.
إعادة ضبط استراتيجي
قال المستشار القانوني السابق بالأمم المتحدة والبنك الدولي أوليفييه دوزون إن توجه 2025 يعكس إعادة ضبط استراتيجي لدور الدولة الفرنسية، بحيث لا تقتصر المواجهة على العنف، بل تشمل الأيديولوجيا المتسللة عبر العمل الجمعياتي والسياسي. وأضاف أن هذه الديناميّة قد تؤسس لموجة تشريعية جديدة تقيد التمويل الأجنبي وتزيد الرقابة على الجمعيات الإسلامية، ما يجعل عام 2025 مرحلة مفصلية في مواجهة شبكات الإخوان، مع إعادة تعريف حدود العلاقة بين الدولة والتنظيمات الدينية ذات الطابع السياسي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز