4 كتب عن تاريخ تركيا..صراع العمامة والقبعة الذي لا ينتهي
تستدعي الأحداث التي تشهدها تركيا مراجعة جذور الصراع بين الأجنحة والتيارات السياسية والاجتماعية، لهذا تقدم العين عرضا موجزا بكتبٍ أربعة
ما يقرب من القرن وتركيا (الجمهورية الحديثة) على صفيح ساخن، تحولات عاصفة وتفاعلات ضخمة شهدها المجتمع التركي منذ إعلان إلغاء الخلافة وتأسيس الجمهورية على يد كمال أتاتورك ورفاقه.. صراع محموم لا يكاد يهدأ وتخمد نيرانه حتى يتأجج من جديد، بدأ مع ظهور "الدولة القومية" في تركيا عقب إسقاط نظام الخلافة قبل نحو 90 عاما، وبدأت نتائجه تتبلور في ربع القرن الأخير، وتظهر آثاره جليا وبصورة لم يسبق لها مثيل مع الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا من محاولة انقلاب عسكري للإطاحة بحكم أردوغان وحكومته، وهو الحدث الذي ما زال يلقي بآثاره حتى اللحظة على المشهد السياسي العالمي، ولما تتضح بعد كل أبعاده ونتائجه.
إذن تستدعي الأحداث التي تشهدها تركيا حاليا مراجعة جذور الصراع بين الأجنحة والتيارات السياسية والاجتماعية المختلفة في الشارع التركي.. لهذا تقدم العين في هذا الملف عرضا موجزا بكتبٍ أربعة نعدها من بين الكتب الأهم والأبرز التي عالجت الملف التركي أو تعرضت لدراسة الحالة التركية في القرن الأخير، بحثا واستكشافا لجذور المسألة التركية في التاريخ الحديث والمعاصر..
1- "السيف والهلال تركيا من أتاتورك إلى أربكان ـ الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي"
الكتاب من تأليف رضا هلال، الصحفي المصري بجريدة الأهرام الذي اختفى في ظروف غامضة في أغسطس 2003.
وهذا الكتاب من الأعمال المرجعية التي لا غنى عنها للدارس والباحث المتخصص في الشأن التركي والقارئ العام على السواء. أهم ما يميز هذا الكتاب الخلفية التاريخية العريضة التي مهد بها المؤلف لموضوع كتابه، فهو يتتبع جذور نشأة وظهور الدولة التركية الحديثة بكل حمولاتها التاريخية والأيديولوجية وارتباطاتها المعقدة بفكرتي الأمة الإسلامية ودولة الخلافة. تظهر في هذا الكتاب إلى حد كبير قدرات المؤلف التحليلية النافذة، وكذلك ما تيسر له من لقاءات ومقابلات مع أقطاب الحركة السياسية في تركيا في ذلك الوقت، فضلا عن متابعاته الشخصية وزياراته المتكررة لتركيا التي أتاحها له موقعه في الأهرام. اجتمعت كل تلك الأسباب لتجعل من قراءة هذا الكتاب متعة حقيقية وفائدة منقطعة النظير. بإمكان قارئه عقب الفراغ منه أن يخرج بصورة شبه واضحة ومحددة المعالم لتركيا خلال ما يقرب من نصف القرن بكل تداعياته وتحولاته ولحظاته المفصلية الكبرى حتى انقلاب 1997.
3- "تركيا بين الدولة الدينية والدولة المدنية - الصراع الثقافي فى تركيا" لراينر هيرمان
هذا الكتاب من تأليف الباحث الألماني راينر هيرمان، وترجمة علا عادل. وهو حديث الصدور نسبيا، إذ صدرت طبعته الأولى عام 2010 عن مركز المحروسة للنشر، وصدرت طبعته الثانية الجماهيرية عن مشروع مكتبة الأسرة في مصر عام 2012. يعرض الكتاب لما شهدته تركيا بدءا من العقدين الماضيين من تغيرات جذرية وتحولات اجتماعية انبثقت في مجتمع متعدد اكتشف تنوعه، ويسلط الضوء على التعدد الطبقي والعرقي للقومية التركية الجديدة بعد أن تحولت من إمبراطورية عثمانية إلى دولة قومية، الأمر الذي أثرى الثقافة الخاصة بها وأثرى تعايشها.
بشكل أساسي، يُظهر الكتاب "صراع تركيا مع نفسها"؛ إذ تتسم خطوط الصراع بين العلمانية والإسلام السياسي بعَلاقة تداخلٍ ملحوظة، بل التباس حقيقي، تضع تركيا دومًا على المحك، وتنذر بانقلاب الأوضاع في أي وقت؛ يقول المؤلف "ويمكننا أن نميز من النظرة الأولى بين كلا المعسكرين من خلال أساليب حياتيهما؛ إذ يريد أحد المعسكرين إبعاد كل شكل من أشكال التدين من الرؤية العلنية، بينما يؤمن المعسكر الآخر -على الملأ- بالإسلام جزءًا من هُوِيَّته الثقافية"، ومن هنا تبرز إشكالية الدولة التركية الحديثة التي يناقشها كتاب الباحث الألماني المعروف راينر هيرمان؛ حيث يلقي الكاتب الضوء على بدايات التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجديد في تركيا في السنوات الأخيرة.
كما يبرز هيرمان في كتابه دور الجيش، والذي دعَّم مصطفى كمال أتاتورك أركان سلطته السياسية، واتخذه بمثابة "المظلة الواقية" لحماية هُوِيَّة الدولة العلمانية، والتي نص عليها الدستور، بل ويمكن للجيش -طبقًا للدستور الذي سعى أردوغان لتغييره- التدخل في أي لحظة لتنفيذ انقلابٍ في سبيل حماية تلك الهُوِيَّة، فطبقًا للمادة رقم 35 من الدستور التركي "واجب القوات المسلحة هو حماية الوطن التركي والجمهورية التركية التي أقرَّها الدستور ومراقبتهما بحرص".
وبناء على هذه الوضعية الخاصة، فقد نصب الجيش نفسه "وصيًّا" يحق له التدخل سياسيًّا في حال استشعار الخطر على الجمهورية العلمانية؛ وهذا ما حدث في انقلابات 1960، و1971، و1980، بل جاءت الإطاحة بحكومة الإسلامي نجم الدين أربكان من قِبَل الجيش بسبب توصيات 28 فبراير 1997؛ حيث يمكن -بمجرد إلقاء التصريحات من القيادة العسكرية- تعبئة الرأي العام وتحريك النبض للوصول إلى الهدف المنشود.
3- "الدين والدولة في تركيا - صراع الإسلام والعلمانية" لـ كمال السعيد حبيب (مكتبة الأسرة 2011)
على الرغم من أن موضوع هذا الكتاب يكاد يتفق كليا مع موضوع الكتب السابقة، الدين والدولة في تركيا والصراع الدائر بين العلمانية وتيارات الإسلام السياسي هناك، فإنه يتمايز عنها منهجا وعرضا بالتدقيق العلمي والتوثيق والإحالات إلى المصادر والمراجع المختلفة، إذ هو في أصله الأول خلاصة أطروحة للدكتوراه تقدم بها صاحبها كمال السعيد حبيب إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بإشراف الدكتور كمال المنوفي.
يتضمن الكتاب العديد من الحوارات مع المفكرين والباحثين الأتراك، ويتضمن الدراسات والأبحاث التي عكف عليها الباحث بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002. ويناقش تطورات العلاقة بين الدين والدولة في تركيا في مراحلها المختلفة منذ سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية وحتى خبرة حزب العدالة والتنمية وتطوراتها الجديدة التي ما زال البعض يتعامل معها على أنها في طور الاكتمال.
يقع الكتاب في أربعة فصول جاء أولها بعنوان "الإسلام والتيارات الاجتماعية والفكرية في تركيا"، وجاء الثاني ليعالج "الإسلام والأحزاب السياسية في تركيا قبل ظهور الرفاه"، أما الفصل الثالث فكان بعنوان "الخبرة السياسية لحزب الرفاه 1983: 1997" وهو يتعمق في دراسة حالة حزب الرفاة من التأسيس عام 1983 وحتى وصوله إلى السلطة عام 1996، وجاء الفصل الرابع والأخير ليناقش "حزب العدالة والتنمية ومستقبل الإسلام السياسي في تركيا" التوجهات الجديدة في تركيا التي قادت إلى اللحظة الراهنة شديدة الالتباس.
4- "تركيا البحث عن مستقبل".. لياسر أحمد حسن (مكتبة الأسرة 2006)
يعد كتاب "تركيا.. البحث عن مستقبل" الذي صدرت طبعته الأولى عن الدار المصرية اللبنانية عام 2006، ثم صدرت منه طبعة جماهيرية تالية في 2006، من أفضل وأسهل الكتب التي تناولت المسألة التركية، وهو من المداخل المناسبة جدا لقارئ يريد أن يتعرف للمرة الأولى على الخلفيات التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية لتركيا المعاصرة.
يقع الكتاب في سبعة أقسام، تبدأ بالتنقيب التاريخي عن تركيا بدءاً من الامبراطورية إلى الجمهورية، وبينهما نشأة الدولة العثمانية وظهور الأتراك بقوة على مسرح السياسة العالمية، والإصلاحات التي قام بها السلطان محمود الثاني، ثم صدور فرمان التنظيمات في عهد السلطان عبد المجيد الثاني الذي اعتبر بداية لعصر جديد انفتحت فيه تركيا على الغرب. ويعرّج المؤلف على انبعاث القومية التركية الجديدة وظهور التيارات السياسية المناقضة لفكرة القومية. ويستنتج الكاتب أن التجاذب بين هذه الحركات والتيارات تمخض عن صعود الجمهورية الكمالية نسبة الى كمال أتاتورك الذي أضفى الطابع العلماني على البلاد.
ويتناول المؤلف تطور الأحداث منذ وفاة مصطفى كمال أتاتورك في سنة 1938، وبروز الاتجاهات المحافظة التي تمكنت من استعادة المساحة السياسية التي كان استحوذ عليها هذا الأخير. ويحلل تلك الوقائع على قاعدة أن الإسلام السياسي أخذ يستعد للاضطلاع بدور افتقده طويلاً منذ تأسيس الجمهورية، مستفيداً من التوجهات الليبرالية التي كان أطلقها في تلك الأثناء الرئيس عصمت اينونو، ومن بعده عدنان مندريس الذي تولى رئاسة الحكومة في العام 1950 قبل أن يستولي الجيش على السلطة السياسية في العام 1960.
aXA6IDE4LjIxNy4xMzIuMTA3IA== جزيرة ام اند امز