القمة العربية تدخل الخيمة للمرة الأولى في بلد المليون شاعر
لا تملك موريتانيا قاعة كبيرة للمؤتمرات يمكنها استضافة القمة العربية، وهو ما جعل "الخيمة" الخيار الأكثر عملية.
عندما أعلنت المغرب اعتذارها عن استضافة القمة العربية قبل ثلاثة أشهر من انعقادها، كثفت الأمانة العامة للجامعة العربية اتصالاتها للبحث عن دولة تستطيع توفيق أوضاعها خلال تلك الفترة لتحل بديلًا عن المغرب.
لم تكن الأمانة العامة وقتها تتوقع أن الحماس سيأتي من دولة موريتانيا، ذات الإمكانيات المحدودة، والتي قال رئيسها محمد ولد عبد العزيز "سننظم القمة ولو في خيمة".
ولا تملك موريتانيا قاعة كبيرة للمؤتمرات يمكنها استضافة القمة العربية، وعمليًا فإن فترة الثلاثة شهور غير كافية لتأسيس قاعة لهذا الغرض، وهو ما جعل خيار "الخيمة" الذي قاله "ولد عبد العزيز" على قبيل التحدي، هو الخيار الأكثر عملية بالنسبة للموريتانيين.
وبينما حاولت، اليوم الأربعاء، صحيفة "تقدم" الموريتانية العزف على وتر أن انعقاد القمة العربية في الخيمة العملاقة التي تم تشييدها في باحة قصر المؤتمرات الدولي بالعاصمة نواكشوط، لا يعكس ضعف إمكانيات دولتهم، بقدر ما هو تعبير عن الحنين للماضي العربي، فإن المواطن الموريتاني يشعر بالحرج.
وتقول صحيفة "الحياة"، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، "لدى وصولك إلى نواكشوط تسمع تكرار عبارات مثلًا (اقبلونا كما نحن)، و(ارضوا بالقليل يا إخواننا)"، وذلك في ما يبدو وكأنه التماس للعذر من ضيوفها ليتسامحوا مع إمكانياتهم الضعيفة.
ورغم الإمكانيات الضعيفة، إلا أن الموريتانيين سعوا إلى تعويض ذلك بمزيد من حفاوة الضيافة، ومن أقدر منهم على ذلك؛ فهم بلد البلاغة والخطاب، فالشعر تلوكه ألسنة الناس العاديين، ما جعل صفة "بلد المليون شاعر" تلتصق بهم، وهم الذين لا يزيد عددهم وفق التعداد العام الرابع الذي أعلن العام الماضي على أربعة ملايين نسمة، ثلثهم في العاصمة.
وقالت مراسلة بوابة "العين" الإخبارية في القمة، إن الموريتانيين لم يكتفوا بحفاوة الكلام فقط؛ لكنهم أيضًا، ترجموا ذلك إلى عمل، تجلت مشاهده في استجابتهم لدعوة طلاء المنازل التي أطلقتها مجموعة نواكشوط الحضرية في تعميم أصدرته الأسبوع الجاري، وقالت فيها: "نُكبر فيكم روح الوطنية والغيرة على كسب الرهان، حتى تبدو عاصمتنا في أجمل مناظرها وأبهى حللها".
وعلى الصعيد الأمني، أوضحت مراسلة "العين" أن منطقة قصر الاجتماعات، والتي تضم الخيمة التي ستشهد انعقاد القمة العربية، تحولت إلى منطقة عسكرية يؤمنها نحو 40 ألف جندي، كما أنه سيتم إغلاق الشوارع المحيطة بالمنطقة لمزيد من التأمين يوم انعقاد القمة، كما أنه من المتوقع منح العاملين بالمؤسسات عطلة رسمية لتيسير التحرك في البلاد.
ظروف استثنائية
وكما كانت القمة العربية "استثناءً" في المكان، فإنها أيضًا تعقد في ظروف استثنائية، ووسط تحديات جسام تعانيها دول المنطقة، وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي العربي والتصدي للتدخلات الخارجية، فضلًا عن الأزمات في سوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها من دول المنطقة.
ووفق تصريحات الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، سيشارك في القمة 12 من الملوك والقادة العرب، بالإضافة لرؤساء الحكومات ووزراء الخارجية العرب.
وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية وزير الثقافة محمد الأنين ولد الشيخ، إن بلاده تشهد حالة استنفار كبيرة استعدادًا للقمة العربية، وهناك حالة من الاستقرار التام تشهدها البلاد وتهيئ لقمة ناجحة وفارقة في العمل العربي المشترك.
وأضاف -في تصريح لـ"العين"- أن المرحلة الراهنة تتطلب تضافر الجهود في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة وفي صدارتها مكافحة الإرهاب وإصلاح منظومة العمل العربي المشترك، والنهوض بدور الجامعة العربية، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الملفات الاقتصادية أمام القمة العربية لا تقل أهمية عن الملفات السياسية، معربًا عن تطلعه لأن تسهم القمة في تلبية تطلعات الشعوب العربية.
أول قمة للأمين الجديد
وعلى الصعيد الشخصي للأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، تبدو هذه القمة "استثناءً" أيضًا، كونها تعد اختبارًا كبيرًا وتحديًا له كأمين عام جديد للجامعة، خاصة أنها تعقد في مرحلة بالغة الصعوبة وتشهد العديد من الأزمات بالغة التعقيد.
ويدرك "أبو الغيط" هذا التحدي، ولم تستبعد مصادر مطلعة طرحه لمبادرات جديدة تهدف إلى حلحلة أزمات المنطقة وفي صدارتها الأزمة السورية وتكثيف الجهود من أجل تحريك القضية الفلسطينية خاصة في ضوء المبادرة الفرنسية الرامية لإحلال السلام وإنفاذ حل الدولتين.
وحرص أبو الغيط على متابعة سير الجوانب اللوجيستية والفنية للقمة العربية متعهدًا ببذل دور قوي للجامعة العربية من أجل تأمين إنجاح قمة نواكشوط.
والتقى في هذا الإطار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز؛ لبحث الترتيبات والإجراءات النهائية للقمة العربية المزمع عقدها يوم الإثنين تحت شعار "قمة الأمل"، واستعراض التقارير والوثائق المعروضة عليها، وما يتصل بـ"إعلان نواكشوط".
ويتطلع مراقبون إلى القمة بأن تسهم بشكل قوي في تفعيل قرارات سابقة لم تتحقق على أرض الواقع حتى الآن، خاصة ما يتعلق بقرار قمة شرم الشيخ في 2015 الخاص بتشكيل القوة العربية المشتركة كأداة لحماية وصيانة الأمن القومي العربي وقوة رادعة للنزاعات التي تحيط بالعديد من الدول العربية.
وانطلق، اليوم، أول الاجتماعات التحضيرية للقمة بعقد اجتماع كبار المسؤولين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي لإعداد الملفات الاقتصادية والاجتماعية للقمة، كما يعقد غدًا الخميس اجتماع مشترك لكبار المسؤولين والمندوبين الدائمين تمهيدًا لعقد اجتماع وزراء الاقتصاد والمالية العرب، الجمعة، ثم انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب، يوم السبت، لإعداد مشروع قرارات القمة العربية وإعلان نواكشوط ليرفع للقادة العرب يوم الإثنين المقبل.
aXA6IDE4LjE4OC45Ni4xNyA= جزيرة ام اند امز