كان التصويت لصالح خروج بريطانيا سبباً في تحطيم قدر كبير من البنية الأساسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية البريطانية مع أوروبا والعالم
كان التصويت لصالح خروج بريطانيا سبباً في تحطيم قدر كبير من البنية الأساسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية البريطانية مع أوروبا والعالم. والواقع أن أولئك الذين نظموا الحملات الداعمة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، استناداً إلى أكاذيب وضلالات إلى حد كبير، ليس لديهم أدنى فكرة حول ما ينبغي لهم القيام به الآن. فهم مدمرون وغير مؤهلين للإبداع والبناء.
ولكن الآن بعد أن كسرنا نحن البريطانيين كل الأواني الفخارية في المحل، بات لزاماً علينا أن نعكف على تجميع مصلحتنا الوطنية من الشظايا. وجميعنا، بقيادة رئيسة الوزراء الجديدة الفَطِنة البارعة، تيريزا ماي (التي نظمت حملة لصالح البقاء في أوروبا)، يتعين علينا أن نبذل كل ما بوسعنا لإنقاذ بلدنا من العزلة والانحدار.
وقد تحركت ماي بسرعة لتشكيل فريق لإدارة طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويضم الفريق بوريس جونسون بوصفه وزيراً للخارجية، والذي لن يحتاج إلى من يذكره بقول مأثور قديم مفاده أن الدبلوماسيين من المفترض أن يذهبوا إلى الخارج لكي يكذبوا من أجل أوطانهم. ولن يكون التحدي الذي يواجهه ناجماً عن موقفه المتعجرف من الحقيقة فحسب، بل وأيضاً سجله الحافل بالإهانات الموجهة إلى كثيرين من أولئك الذين سوف يضطر إلى التعامل معهم بما في ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وخليفته المحتملة هيلاري كلينتون.
ولكن الأمر الأكثر أهمية من تشكيل الفريق هو طبيعة اللعبة التي يتعين عليه أن يلعبها. فقد قالت ماي: «خروج بريطانيا يعني خروج بريطانيا». ولكن ماذا يعني هذا عندما يتعلق الأمر بعلاقاتنا التجارية وسياستنا في التعامل مع الهجرة؟ فهل نحن ملتزمون بالسعي إلى الوصول إلى السوق الأوروبية المشتركة وفقاً لشيء مثل شروطنا الحالية؟ وهل نتمكن من تأمين حقوق «ممارسة العمل» لبنوكنا وخدماتنا المالية، بحيث يتسنى لها البقاء في بريطانيا في حين تعمل في بقية أوروبا؟
القضية الرئيسية في الإجابة على هذه التساؤلات هي: ما الذي يمكننا التفاوض عليه بشأن حرية حركة العمالة. ففي الوقت الراهن، يبدو أن موقفنا إزاء التجارة والهجرة يتلخص في شعار بسيط، ولكنه متناقض: «الانفتاح على شركات الأعمال، ولكن الانغلاق في وجه الأجانب». أتمنى وأشك أن يكون من الممكن توظيف بعض المرونة في هذا المجال.
إن خروج بريطانيا لا ينتقص من قيمة بريطانيا فحسب، بل وينتقص من قيمة الاتحاد الأوروبي أيضاً بدرجة أقل. وينبغي أن تكون الدول الأوروبية الأخرى راغبة في جعل خروج بريطانيا سهلاً وودياً قدر الإمكان. ولكن على مدار العام المقبل أو ما إلى ذلك، ربما يدرك العديد من زملائنا السابقين أنهم أيضا يريدون شكلاً من أشكال مكابح الطوارئ لتقييد تدفقات الهجرة بين دول الاتحاد الأوروبي. وعندما يحدث هذا، فينبغي أن يكون من الممكن تقديم صفقة أفضل لبريطانيا، من دون مساس بسلامة معاهدات وسياسات الاتحاد الأوروبي.
بيد أن هذا لن يخدم ذلك النوع من العنصرية التي كانت سِمة مخزية لجزء من حملة «الخروج» في بريطانيا والتي خلفت بقايا ضارة من معاداة الأجانب من كل شكل أو لون. وقد سجلت جرائم الكراهية المبلغ عنها ارتفاعاً حاداً.
الآن، يُنكِر القائمون على حملة «الخروج»، بالطبع أي علاقة لهم بهذه الجرائم. بل ويزعم بعضهم أنهم لم يدعوا قط إلى الحد من الهجرة لمجرد «فرض السيطرة» على حدودنا.
وهي مراوغة كاذبة ومنافقة. فلم يقل أحد «نريد أن نفرض السيطرة على حدودنا حتى يظل لدينا نفس العدد من المهاجرين». بل كان أنصار خروج بريطانيا الأكثر غِلظة صريحين عندما أعلنوا أنهم سوف يمنعون دخول الأجانب المغتصبين، المجرمين، السريعي التناسل (الأتراك بشكل خاص)، الذين سوف يغرقون البلاد لو لم نمنعهم.
خلال حملة الاستفتاء، لم تتسبب النزعة القومية في إثارة الغرائز العنصرية فحسب، بل وأيضاً نظريات المؤامرة الشعبوية التي استهزأت بالخبراء والمؤسسات التي تؤويهم. ولم تسلم نزاهة الدوائر الحكومية مثل وزارة المالية، وبنك إنجلترا المستقل، وجامعاتنا العظيمة من الهجوم، كما حدث مع البرلمان ذاته، وهو ما يرجع جزئياً إلى أن أغلبية ساحقة من أعضاء البرلمان أيدوا البقاء في الاتحاد الأوروبي.
والواقع أن إدموند بيرك، الذي شكلت أفكاره العميقة النظام السياسي في المملكة المتحدة، كان ليصاب بالفزع إزاء تجاهل أنصار الخروج لأي حس بالاستمرارية الوطنية والخزي إزاء استعدادهم لطرح مثل هذا القرار للاستفتاء.
كان هُتاف حملة الخروج «نريد استعادة بلدنا». ويبقى السؤال الذي يتبادر إلى أذهان بقيتنا: هل يظل بلدنا دولة عامرة بمجتمع متسامح تعددي، يفخر بمؤسساته وتقاليده الدستورية، وينال إعجاب العالم أجمع بسبب قيمه الراقية؟
* نقلا عن صحيفة "الخلي"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة