هل يتعرض المتفائلون لخسارة الرهان على إمكانية التوصل لحل الأزمة اليمنية في وقت قريب ويسلمون بحقيقة أنها ستمضي من مواجهة إلى مواجهة أخرى
كانت الشرعية بما تملكه من خبرة وتجربة طويلة - يقظة في التعامل مع ألاعيب الحوثي وصالح، وقد أحسنت التصرف حين حسمت أمرها ووضعت شرطي التزمين والالتزام، حيث ألزم المبعوث الدولي على تحديد الخمسة عشر يوماً كحد أقصى للجولة الثانية.
هل يتعرض المتفائلون لخسارة الرهان على إمكانية التوصل لحل الأزمة اليمنية في وقت قريب ويسلمون بحقيقة أنها ستمضي من مواجهة إلى مواجهة أخرى، وأن أيام الحسم ستطول ويدفع الأبرياء ضريبة التعنت الذي يرفعه الحوثيون في وجه اليمنيين والعرب والدنيا كلها، مع يقينهم بأن الحسم العسكري لم ولن يكون في صالحهم فلا هم قادرون على قهر الشرعية و جيوش التحالف ولا هم في وضع من لديه الرغبة في الجنوح إلى السلم والخضوع لبنود القرارات الدولية وقرارات اللقاءات المشتركة والمبادرة الخليجية، كما أنهم ليس لديهم المشروع النهضوي الشامل لبناء اليمن ومؤسساته السياسية وتعويض سنوات الهوان التي وضع صالح اليمن في ثقبها الأسود طوال العقود الثلاثة الماضية، وكانت النتيجة وقوع اليمن في أتون حرب أهلية لم يشهدها طوال تاريخه القريب أو البعيد؟.
فما هي الذرائع التي تدفع الحوثيين إلى تبني أسلوب الرفض لكل الحلول المطروحة وتفويت الفرصة التي أتاحتها نزعة التحيّز الواضحة التي تبناها المبعوث الدولي لصالحهم وكان على وشك أن يعترف بجدارتهم في حكم اليمن وإدارة شؤونه والإعلان عن قيام حكومة ائتلافية يصبح للحوثيين نصيب من الشراكة السياسية ربما تؤهلهم في مراحل قادمة إلى الاستئثار بالسلطة كاملة ومن ثم إعادة اليمن إلى عهد الإمامة الذي يحلو لليمنيين وصفه (بالعهد الكهنوتي البغيض)؟.
كانت الشرعية بما تملكه من خبرة وتجربة طويلة يقظة في التعامل مع ألاعيب الحوثي وصالح، وقد أحسنت التصرف حين حسمت أمرها ووضعت شرطي التزمين والالتزام، حيث ألزم المبعوث الدولي على تحديد الخمسة عشر يوماً كحد أقصى للجولة الثانية، والالتزام الخطي الذي قدّمه ولد الشيخ لوفد الشرعية بشأن صيغة التفاوض يقطع الطريق أمام وفد الحوثي للتسويف ومضيعة الوقت الذي طبع أسلوب التفاوض طوال الشهور الماضية، وكان سبباً في النهاية البائسة التي آلت إليها المفاوضات.
وما إن بدأت الجولة الأولى حتى كشف الحوثيون عن وجههم القبيح، وظهر بجلاء أنهم افتقدوا الحنكة السياسية، حين أعلنوا من الوهلة الأولى وفي اليوم الأول للمحادثات رفضهم المطلق لكل الحلول، كما أعلنوا تخليهم عن كل الالتزامات المسبقة دون النظر ولو لوهلة في مقترحات المبعوث الدولي التي تركز على الالتزام بخارطة الطريق، مع أن هذه الخارطة كان يمكن أن توفر للحوثيين مكاسب لا يحلمون بتحقيقها؛ إذ لن تتاح لهم الفرصة في المرات القادمة، ولن يحصلوا على دور أكبر بكثير من حجمهم الحقيقي في الكيان اليمني.
هم في واقع الحال قلة معزولة في أعالي جبال اليمن، والحقائق كلها تشي بأنهم صناعة صالح التي هي كما أثبتت الأيام صناعة بائرة مآلها للزوال والاختفاء من الساحة العربية، تماماً كما هي حال «القاعدة» و«داعش»، أوكما هي النهاية التي تنتظر حزب الله في لبنان.
مثل هذه الحركات شهدها العالم العربي والإسلامي في حقب تاريخية متعددة ومتكررة، ولكنها كانت وفي كل مرة تنتهي للفشل، وتتكسر موجاتها على جدار الاستحكامات الحضارية لهذه الأمة التي جعلها الله أمة وسطاً، حماها بالإسلام وعراقة الإيمان.
الناس ينشغلون الآن بالتساؤل إلى أين تسير الأحداث، وما هي مآلاتها على ضوء إخفاق المحادثات، وما الذي ينتظر اليمن إذا عادت الوفود دون اتفاق كما تشير اتجاهات الأحداث؟
الرد وكي لا نبدو فاقدي الأمل، ولكي لا نعتبر هذا الجيل اليمني بائساً وعديم الحيلة، نقول بأن اللحظات الأخيرة قد تشهد تنازلات كبيرة من جانب الحوثيين وصالح؛ فهم في وضع لا يحسدون عليه، ومع ذلك فإن هذا الاختراق لو حدث فلن يكتب له البقاء ولن يدوم طويلاً، والأسباب يعرفها الجميع.
فالحوثي لن يسكت إلّا إذا واجه هزيمة ماحقة كما حدث لأجداده في حصار السبعين يوماً لصنعاء في حرب الملكية والجمهورية
وإذا قرر ولد الشيخ إنهاء مهمته فالميدان سيحسم الأمر، ويبدو أن العرب اهتدوا إلى هذه الحقيقة من وقت مبكّر، فالسيف أصدق أنباء من الكتب.
*نقلا عن جريدة "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة