أثارت الاعتداءات المتتالية التي ضربت ألمانيا في الأيام الأخيرة الهلع في أوروبا، والعالم بأسره، وكشفت أن المخاطر تتصاعد
أثارت الاعتداءات المتتالية التي ضربت ألمانيا في الأيام الأخيرة الهلع في أوروبا، والعالم بأسره، وكشفت أن المخاطر تتصاعد وتأتي من حيث لا تحتسب أجهزة الأمن والاستخبارات. وبالكاد يفرغ المجتمع الدولي من إدانة جريمة، حتى تقع أخرى، وبأبشع الصور، وفي أكثر الأماكن طمأنينة، بينما يعمل المحققون على ملاحقة المتورطين وتحليل الوقائع والأسباب ليكتشفوا متغيرات على معنى الإرهاب ودوافعه.
لا جديد من حيث وقع الجريمة باعتبارها عملاً إرهابياً غادراً يستهدف الأبرياء، أما ما هو طارئ فيتعلق بأن المحققين في أغلب الجرائم لم يجدوا صلة وثيقة بين المنفذين والجماعات المتشددة، مثل «داعش» الذي تبنى أغلب الاعتداءات خلال الأشهر الماضية.
من نفذ مذبحة ميونيخ تبين أنه إيراني الأصل (17 عاماً) يعاني مرضاً نفسياً، ومهووساً بسير السفاحين، ولم تتبين له صلة بجماعات التطرف. وقبلها في فورتسبورغ تسلح لاجئ باكستاني (17 عاماً) بفأس وجرح خمسة من ركاب قطار، قبل أن تقتله الشرطة، ولم تجد له التحقيقات صلة بجماعات الإرهاب التقليدية. وبعد هاتين الجريمتين ارتكب لاجئ سوري (21 عاماً) جريمة قتل بساطور فأردى امرأة حاملاً، وجرح اثنين آخرين، وسقط بأيدي الشرطة، وبعدها بساعات في اليوم نفسه، انفجر لاجئ سوري آخر (27 عاماً) بقنبلته بعدما أصاب 12 شخصاً، وقد وجدت له صلة بتنظيم «داعش»، مثل الإرهابيين اللذين هاجما كنيسة في منطقة النورماندي الفرنسية.
أما في اليابان، فقد حدث ما لا يخطر بحسبان، إذ ارتكب شاب (26 عاماً) مذبحة قتل خلالها 19 شخصاً من المعوقين في مركز لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي جريمة بلغت أفظع ما يمكن أن تفعله ذات بشرية بحق مقعدين لا حول لهم ولا قوة.
لم يكن منفذ جريمة اليابان «داعشياً»، ولكنه إرهابي من درجة خطرة جداً، ولم يكن دافعه عقيدة دينية أو فكرية، وإنما عقدة نفسية من المعوقين الذين خدمهم في وقت مضى حتى قرر أن يفعل ما فعل. وفي ألمانيا، أكدت التحقيقات حول الاعتداءات البشعة أن ثلاثة، على الأقل، من المنفذين يعانون «مشكلات نفسية»، وارتكبوا جرائمهم بدوافع غير «إرهابية»، بحسب توصيف المحققين، على الرغم من أن ما حصل من إزهاق لأرواح الأبرياء، لا يختلف عن أي جريمة أخرى قد يرتكبها شخص متطرف. محاولة الفصل بين من هو «داعشي» وسواه، لا تنفي صفة الإرهاب عن الجريمة، بل إن بعض الجرائم مثل التي وقعت في طوكيو، فاقت في وحشيتها ما فعلته التنظيمات الإرهابية المحسوبة زوراً على المسلمين. وربما حانت اللحظة الحاسمة ليتفق المجتمع الدولي على تحديد مفاهيم واضحة للإرهاب ومرجعياته، فقد تبين أن هناك حالة جنونية غريبة تسود مختلف الدول والثقافات هي التي أنتجت هذا العدد من المذابح، وهي التي دفعت بشبان ومراهقين إلى تنفيذها بحثاً عن شهرة أو بطولة تمليها عقدة مزمنة.
التهديدات مازالت تتوالى، والإرهاب الذي كان ينسب إلى جماعات بعينها، أصبح اليوم من مختلف الألوان، وهو تحول خطر يرفع كثيراً من الالتباس، ويؤكد أن الأديان، وفي صدارتها الشريعة الإسلامية، تنبذ العنف والجريمة، وهي بريئة من كل ما ينسب إليها، والدليل في برلين وطوكيو، وفلوريدا أيضاً.
نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة