إدارة الأزمات تخصص علمي حديث النشأة، ويمثل مجالاً مشتركاً لعدد من التخصصات مثل الإدارة والاقتصاد والسياسة والأمن والاجتماع والإعلام
إدارة الأزمات تخصص علمي حديث النشأة، ويمثل مجالاً مشتركاً لعدد من التخصصات مثل الإدارة والاقتصاد والسياسة والأمن والاجتماع والإعلام، وقد انتقل ببطء إلى الدول العربية التي حاولت الاستفادة منه وتطبيق بعض نماذجه والاستفادة من دروسه. لكن يمكن القول إن غالبية التجارب العربية في إدارة الأزمات الداخلية أو الخارجية جاءت متواضعة وأقرب إلى الفشل منها إلى النجاح، رغم وجود عدد كافٍ من دارسي إدارة الأزمات، الذين حصَّلوا معرفة نظرية جيدة من دون أن تتاح لهم فرص حقيقية لممارسة ما تعلموه ومراكمة خبرات في الإدارة العملية للأزمات.
أسباب كثيرة تفسر غلبة الجوانب النظرية على الممارسات العملية في إدارة الأزمات والفجوة بين العلم والتطبيق، ومن ثم الفشل في إدارة الأزمات، أهمها:
1- تغليب الاعتبارات الأمنية والسياسية على التطبيق الجاد للأسس العلمية في إدارة الأزمات، وبعضها يقود إلى إخفاء الحقائق والافتقار إلى الشفافية والاعتماد على الإدارة بالأزمة عوضاً عن إدارة الأزمة. وهناك كثير من الوقائع التاريخية التي لجأ فيها بعض الحكومات العربية إلى افتعال أزمات أو شغل الرأي العام بأزمات فرعية، حتى لا يواجه الأزمة الحقيقية سواء كانت اقتصادية أو سياسية. كما يلجأ بعض الحكومات إلى سياسة الإطفاء الموقت للأزمات أو ترحيلها في محاولة لكسب الوقت.
2- الافتقار إلى قواعد بيانات حديثة عن تاريخ الأزمات والكوارث، ودورية وقوعها، والمواد والإمكانيات المتاحة لإدارة الأزمات. ولا شك في أن غياب هذه المعلومات يضاعف من مشكلات التخطيط الفعَّال لإدارة الأزمات والكوارث في الدول العربية. لذلك قلما نجد خططاً استراتيجية، قادرة على التنبؤ والمبادرة بإدارة الأزمات، رغم الطابع النمطي والتكراري لكثير من أزماتنا. ويمكن القول إن الأزمات والكوارث التي تضرب الدول العربية تكرر نفسها، كما أن الإدارة برد الفعل في مواجهتها تكرر أيضاً نفسها، وبالتالي تقع خسائر مادية وبشرية كبيرة.
3- مقاومة الأجهزة البيروقراطية في الدولة لأي تغيير تتطلبه الممارسات العلمية لإدارة الأزمات. والمفارقة هنا أن تلك الأجهزة تعلن التزامها بخطط إدارات الأزمات وتُشكل لجاناً مختصة وتنفق على التدريب والاستعداد، بينما هي تُفرِّغ كل تلك الإجراءات من مضمونها الحقيقي، وتكتفي بالشكل من دون تغيير حقيقي لطبيعة تلك المؤسسات وثقافة العاملين فيها. من هنا عندما تنفجر الأزمات والكوارث يأتي رد الفعل ضعيفاً أو ومتأخراً للغاية، وقد تلجأ الإدارة البيروقراطية إلى إنكار الأزمة أو الالتفاف حولها، والغريب أن الأداء البيروقراطي يحاول تجميل نفسه بادعاء النجاح في إدارة الأزمة.
4- غياب المنهج المتكامل في إدارة الأزمات والكوارث، إذ تختص جهات عدة داخل الدولة العربية بإدارة الأزمات من غير أن يكون بينها تنسيق وأحياناً تقع بينها صراعات غريبة، ما يبدد طاقة الدولة ويحول دون التوظيف الأمثل لمواردها. وثمة تجارب عربية لتشكيل لجنة أو خلية أزمة على مستوى الدولة، لكن غالبية تلك التجارب لم تنجح، ما يتطلب مراجعة شاملة وحرصاً على ضمان أعلى درجات التنسيق بحيث تكون هناك جهة مركزية قادرة على التنبؤ والتخطيط لإدارة الأزمات ووضع استراتيجيات وتحقيق التكامل في الأداء بين مؤسسات الدولة كافة.
5- غياب ثقافة الشعور بالخطر وضرورة إدارة الأزمة بين الأفراد والمؤسسات في الدول العربية، حيث ترفض هذه الثقافة أي حديث عن الأخطار والتهديدات المختلفة واحتمالات وقوع أزمات وكوارث، وترى في ذلك فألاً سيئاً وروحاً تشاؤمية لا داعي لها، رغم أن الأزمات والكوارث هي إحدى حقائق الحياة عبر التاريخ، ولا يوجد مجتمع يخلو منها. كما أن التقدم البشري والتطور التكنولوجي لا يعنيان نهاية الأزمات وإنما يفرزان أنماطاً جديدة منها، ربما أكثر خطورة من الأزمات والكوارث التي وقعت في مراحل تاريخية سابقة.
6- سيادة ثقافة الاستسهال أو الفهلوة في إدارة الأزمات والتي تعني بذل أقل مجهود ممكن للحصول على أكبر فائدة ممكنة، وهو نهج لا يتماشى مع الإدارة العلمية للأزمات، التي تتطلب التنبؤ والاستعداد والتدريب والتعلم من الخبرات السابقة. وهي ممارسات تتطلب تفكيراً منطقياً وجهداً علمياً منظماً، يستبعد آلية التفكير في المؤامرة الخارجية والتي تحولت إلى «شمَّاعة» تُعلَّق عليها جوانب القصور والفشل في الأداء العام. ولا شك في أن الاستسهال في إدارة الأزمات يؤدي إلى نتائج كارثية، حيث يتضخم البسيط منها ويتحول إلى كوارث تُسبب خسائر مادية وبشرية كبيرة.
7- استبعاد المجتمع المدني من معادلة القوة في إدارة الأزمات والكوارث رغم أهمية دوره، حيث يعاني بعض الدول العربية من ضعف أو تقييد حرية المجتمع المدني. كما أن هناك حالات أخرى يجرى فيها اعتبار إدارة الأزمات من اختصاص أجهزة الدولة فقط، ومن ثم يُختزَل دور المجتمع المدني في التبرعات المطلوبة لإغاثة المنكوبين أو المضارين من دون إدراك ضرورة دوره في الاستعداد لإدارة الأزمة والمساهمة في جهود التدريب التي يُفترض أن تقوم بها أجهزة الدولة، فضلاً عن لعب دور حيوي في حل الأزمة نفسها. وأشير هنا إلى أهمية دور الجاليات العربية في أميركا وأوروبا في حلحلة الأزمات التي قد تقع بين تلك الدول وبعض الدول العربية.
الأسباب السابقة تؤكد أن الإدارة العلمية للأزمات في مختلف مجالات الحياة العربية تكاد تكون فريضة غائبة، والمفارقة أن الخطاب العام يتحدث عن إدارات وهيئات لإدارة الأزمات والكوارث. ما يعني أننا في حاجة إلى مراجعة جادة مع النفس لإعادة تقويم أداء مؤسسات كل دولة عربية مع الأزمات التي تضرب علاقاتها مع الخارج أو الأزمات والكوارث التي تقع داخل حدودها، خصوصاً أن إدارة الأزمات تحدد مدى تقدم المجتمع وفاعلية أجهزة الدولة والمجتمع المدني.
وتبقى ملاحظة أخيرة وهي أنني لم أتحدث عن تحرك عربي – عربي للتعاون في إدارة الأزمات والكوارث، وهو موضوع بالغ الأهمية ولا غنى عنه في تفعيل الإدارة القُطرية والإقليمية للأزمات، لكني مقتنع بأن التعاون أو التكامل العربي في إدارة الأزمات يتطلب، أولاً: بناء مؤسسات وهياكل حديثة لإدارة الأزمات داخل كل بلد عربي. وثانياً: بناء شبكات من التعاون وتبادل الخبرات والقدرات بين مؤسسات وهياكل إدارة الأزمات في الدول العربية. وثالثاً: رسم استراتيجيات شاملة لإدارة الأزمات التي تواجه الدول العربية سواء على مستوى كل قطر أو على مستوى الدول العربية مجتمعة. وهنا قد يكون التعاون والدعم المتبادل أداة العرب الرئيسية في مواجهة أزمات القرن الواحد والعشرين والتي تبدو حتى الآن كبيرة وخطيرة.
نقلاً عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة