لم تتخذ دولة الكويت هذه الخطوة « المحفزة « إلا بعد أن رأت أن لا فائدة من الاستمرار في مفاوضات عبثية
حسنا فعلت الخارجية الكويتية بتحديد سقف زمني لاستضافتها مشاورات السلام اليمنية التي منذ انطلاقتها في 18 أبريل الماضي وحتى اليوم لم تصل إلى نقطة اتفاق واحدة تشير إلى أن هناك بصيصا من أمل يمكن أن يقود إلى حل نهائي للأزمة اليمنية . حتى المقترحات التي قدمتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إسماعيل ولد الشيخ أحمد وعديد من الدول التي يهمها وقف نزيف الدم اليمني، وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد الذي اكتوى شعبه بنيران الصراعات والحروب ، لم تجد أذنا صاغية ، ولا قلوبا حانية لأوضاع أبناء الشعب اليمني الصابر لأكثر من 16 شهرا تحت وطأة الحرب والحصار والفقر .
لم تتخذ دولة الكويت هذه الخطوة « المحفزة « إلا بعد أن رأت أن لا فائدة من الاستمرار في مفاوضات عبثية كلما ظننا أنها تقدمت خطوة إلى الأمام – وفقا لما تنقلها لنا تصريحات بعض المسؤولين عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام – فإذا بها تتراجع خطوات إلى الخلف .
«كلما قلنا عساها تنجلي قالت الأيام هذا مبتداها» فرغم مرور أكثر من سبعين يوما على بدء المشاورات ، إلا أن بناء الثقة بين المتفاوضين لم يتحقق حتى اليوم، فكيف يمكن أن يخوضا في تفاهمات تفضي إلى رؤى مشتركة لما يمكن من حل للأزمة ؟ خلال هذه الفترة ، لم تألو دولة الكويت، بأميرها وحكومتها وإعلامها، جهدا إلا بذلته بدءا من استضافتها للمفاوضات وتهيئة الأجواء المناسبة للمتفاوضين ، ومرورا باللقاءات التي أجراها أمير البلاد ووزير خارجيته ونائبه مع الوفدين المشاركين في المشاورات ، أو مع المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ وتقديم النصح والسعي لتقريب وجهات النظر للدفع بالمشاورات إلى الأمام ، حرصا منهم على عودة الحياة الآمنة والمستقرة لليمن وشعبها .
إنطلاقا من ذلك أرى أن ما تبقى من الفترة المحددة لانتهاء استضافة الكويت للمشاورات تعتبر فرصة تاريخية يجب أن يستغلها المتفاوضون إستغلالا جيدا ، ويحكموا عقولهم وذلك بالعمل على إعادة حساباتهم في ما يتعلق بالمشاريع والمقترحات المطروحة عليهم ، والخروج منها بتوليفة تقود إلى الحل ، ففي اعتقادي إذا انتهت المشاورات الحالية إلى اللاشيء ، من الصعب عقد مشاورات جديدة في أي دولة كانت في وقت قريب ، وهو ما يعني أن الخيار العسكري سيبقى هو الخيار الوحيد رغم أنه لن يحمل معه غير المزيد من الآلام والأحزان للشعب اليمني الذي عانى منذ قيام ثورته في العام 1962 ويلات العديد من الحروب، ولم يجن منها غير الخراب والدمار وإزهاق الأرواح ، ليجد المتحاربون في النهاية أن لا حل إلا بالحوار والجلوس إلى طاولة المفاوضات ، كما حدث في أولى الحروب، بعد الثورة والتي استمرت ثماني سنوات من 1962 وحتى 1970 وانتهت باتفاق رعته المملكة العربية السعودية .
وشهدت اليمن بعدها حربا بين شطريها الشمالي والجنوبي عام 1972 على حدود الشطرين و أخرى بين الجيشين في العام 1979 انتهت أيضا بالمفاوضات التي احتضنتها دولة الكويت بين رئيسي البلدين حينذاك . ربما الحرب الوحيدة التي لم تنته بالمفاوضات هي حرب صيف 1994 والتي نشبت على إثر خلافات حادة بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض الذي كان قد اتهم صالح بالاستيلاء على السلطة والثروة وإقصاء شركائه الجنوبيين ، ثم الحروب الست التي خاضها نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد جماعة الحوثي في صعدة والتي استمرت من 2004 وحتى 2010 . فما الذي جنته اليمن من تلك الحروب ؟ سؤال أطرحه على المتفاوضين في مشاورات الكويت ، علهم يجدون في الإجابة عليه ما يدفعهم إلى الإنصات لصوت العقل ، ويعتبرون أن المهلة المحددة لإنتهاء المفوضات حافزا لهم للتفكير بضمير وطني بعيدا عن أي ولاءات أو إملاءات خارجية ، واضعين مصلحة اليمن فوق كل المصالح الأخرى مهما كانت .
نقلا عن جريدة "السياسية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة