أتي تقرير الأمم المتحدة الذي ناقشه مجلس الأمن بتاريخ 18 7 – 2016 ،ليزيد من تلك الصعوبات والانتقادات التي يواجهها روحاني
مع استمرار الانتقادات الداخلية للاتفاق النووي بين إيران و«مجموعة 5+1 ،«والضغوطات التي تواجهها حكومة روحاني، يأتي تقرير الأمم المتحدة الذي ناقشه مجلس الأمن بتاريخ 18 7 – 2016 ،ليزيد من تلك الصعوبات والانتقادات التي يواجهها روحاني، وتمتد لتطال الرأي العام الإيراني الذي بدأ يفقد الثقة بذلك الاتفاق وتنخفض نسبة التأييد له. نسير مع القارئ في هذا المقال لنتناول الاتفاق النووي بعد مرور عام عليه بين الآمال والواقع. بداية يمكن تلمس بعض الحقائق التي صاحبت هذا الاتفاق عند التوقيع عليه في يوليو (تموز) 2015 ،وهي كالتالي:
1 العقوبات سترفع تدريجًيا متزامنة مع تنفيذ النظام الإيراني لالتزاماته.
2 البرنامج النووي الصاروخي غير مرتبط بهذا الاتفاق، وهو ما وجده النظام الإيراني نقطة إيجابية.
3 عدم ارتباط البرنامج الصاروخي بالاتفاق النووي يعني أن العقوبات المفروضة على النظام الإيراني على هذا البرنامج لن ترفع.
4 شهدت الفترة التي تلت التوقيع على الاتفاق اندفاًعا جاء بوصفه استمرار لحالة التفاؤل التي تلمستها الشركات الأجنبية، بعد التوصل إلى الاتفاق المؤقت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2013 ،وارتفع منسوب ذلك التفاؤل ليرتفع معه عدد الزيارات المتتالية إلى إيران ومستوى التمثيل ليصل إلى رؤساء دول ووزراء.
وعلى الرغم من ذلك الاندفاع، فإن الحذر ظل قائًما، فالتوقيع على اتفاقيات ومذكرات التفاهم سواء على مستوى الحكومات أو الشركات بين إيران وغيرها، اصطدم مع بدء تحويله إلى واقع ملموس إلى صعوبات لم تكن واضحة في بداية توقيع الاتفاق وموجة التفاؤل، فبقي الأمر، كما أشار المرشد الإيراني، حبًرا على ورق. ولعل القارئ يتساءل إذن ما النتائج الإيجابية التي يمكن تلمسها من الاتفاق النووي فيما يخص النظام الإيراني؟
لعَّل العلامة البارزة التي تجلت مع تنفيذ الاتفاق النووي هي رفع العقوبات عن تصدير النفط ووصول الإنتاج إلى ما يقارب 4.3 مليون برميل حتى الآن، على أمل وصوله إلى 4 ملايين برميل يومًيا كما صرح وزير النفط الإيراني.
أضف إلى ذلك عودة صناعة السيارات وتوقيع إيران مع شركة بيجو الفرنسية، للوصول بإنتاج السيارات إلى 180 ألف سيارة سنوًيا، ناهيك عن توقيع اتفاقية مع شركة بنز الألمانية لتصنيع فئات معينة في إيران.
وكذلك تعزيز صناعة البتروكيماويات، وهي من الصناعات الرئيسية في إيران. وعلى الرغم من تلك النتائج الإيجابية، فإن الواقع أثبت أنه وعلى الرغم من نجاح النظام الإيراني في التوقيع على الاتفاق النووي بعيًدا عن برنامجه الصاروخي، فإن هذا البرنامج والعقوبات المفروضة على إيران بسببه، مضاًفا إليه العقوبات المفروضة؛ بسبب ملف حقوق الإنسان ودعم الإرهاب، أثبت الواقع أنها لا تزال تشكل عائًقا حقيقًيا في رفع الإشكاليات التي تحول دون عودة الشركات الأجنبية للتعامل مع إيران.
نتيجة لتخوفات الشركات والبنوك من التعامل مع إيران وفرض عقوبات عليها من قبل الولايات المتحدة، أصبحت جميع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم غير مفعلة، بعد أن أصبح من المستحيل التعامل مع إيران عن طريق الدولار أو الدخول في النظام المالي الأميركي، وتخوف الشركات أن تفرض عليها غرامات من قبل أميركا. في مقابل ذلك وبدلاً من أن يقوم النظام الإيراني بتقديم تطمينات للغرب بشأن برنامجه النووي قام بعدد من التجارب الصاروخية بعد الاتفاق النووي اعتبرت لا تتماشى وروح الاتفاق النووي، ولكن لم يصدر بحقها أي قرار من مجلس الأمن، واعتبر النظام الإيراني تلك التجارب بعيدة عن تجاوز الاتفاق النووي.
وفي خضم ذلك جاء تقرير الأمم المتحدة خلال جلسة خاصة يتهم فيها النظام الإيراني بنقض القرار الأممي بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وزعزعة استقرار المنطقة عبر إرسال أسلحة إلى جماعات خارج حدودها، وتحديًدا في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك إرسالها سلاًحا إلى العراق واليمن من دون الحصول على موافقة مسبقة، في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي.
إذن ما آفاق مستقبل الاتفاق النووي بين إيران و«مجموعة 5+1«؟ في ظل موقف الكونغرس الحالي واستمراره محاولة فرض عقوبات جديدة وتشديد على السابقة، فإنه لا يتوقع أن تكون هناك انفراجة واضحة لنتائج الاتفاق النووي في المستقبل القريب للنظام الإيراني. كما أن تغير الإدارة الأميركية الحالية سيشكل مزيًدا من الضغوط على النظام الإيراني، وبالتالي التأثير في النتائج المأمولة من هذا الاتفاق وانعكاسه على المستوى الاقتصادي الإيراني.
ولعل المظاهرات التي صاحبت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني لمحافظة كرمنشاه قبل يومين تشير إلى امتعاض داخلي من الوضع المعيشي، وهو ما تجلى من خلال استطلاع رأي أخير أُجري في إيران أشار إلى انخفاض نسبة المتفائلين بالاتفاق النووي وتأثيره في الوضع المعيشي. لا يعني هذا التقرير اتخاذ القوى الغربية مواقف مشددة تجاه إيران، وإنما محاولة إلى دفعه نحو مزيد من تغيير السلوك في المنطقة مع الاستمرار في اغتنام الفرص الاستثمارية في إيران متى ما توفر ذلك، ولذا نجد على سبيل المثال أن الاتحاد الأوروبي قد أصدر بياًنا أشار فيه إلى زيارة وفد اقتصادي منه إلى إيران، وأنه يدعم عودة طهران إلى الاقتصاد العالمي والانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
وماذا عن الوثيقة المسربة التي نشرتها وكالة أسوشييتدبرس الأميركية؟ يتساءل القارئ. يقول في ذلك محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، تعليًقا على تلك الوثيقة، إنه «حين يتم نشر الوثيقة بالكامل، سيتبين الفخر الذي صنعه زملاؤنا المفاوضون» على حِّد زعمه. هنيًئا للشعب الإيراني إن كان ذلك يصب في مجال الاستفادة من الطاقة النووية النظيفة والسلمية. ولكن إن كانت كذلك ما الذي يدفع باتجاه أن تكون سرية؟ وهنا نتساءل مع القارئ ما تبعاتها على المنطقة واستقرارها؟
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة