على نحوٍ طارئٍ ومع وصول خميني إلى طهران قفزت العمامة هناك إلى مركز الزعامة، وسرعان بدأت بين العمامات حرب تصفيات
على نحوٍ طارئٍ ومع وصول خميني إلى طهران قفزت العمامة هناك إلى مركز الزعامة، وسرعان بدأت بين العمامات حرب تصفيات انجلى غبارها الخانق عن تمكين العمامات الخمينية ومن والاها في الداخل والخارج والمحيط الإقليمي القريب.
وبدأ حزب الدعوة الشيعي الراديكالي العراقي بوصفه الحزب الأم لكل الأحزاب في الإقليم وخارجه فأعلن انضواءه رسميًا في مشروع خميني، وهذا ما فعلته ولحقت به العمامة البحرينية الراديكالية «فرع حزب الدعوة» ودخلت في صراع معلن وخفي مع العمامات الأخرى مستقوية بالمد الخميني الجارف آنذاك فكانت لها الزعامة / القيادة.
ولأن الزعامة بلا زعيم لا تكون ولا تقوم، فكان أن تقاسمت ولن نقول تفاهمت عمامتان «عبدالأمير الجمري وعيسى قاسم» الزعامة للخط الراديكالي «الاجتثاثي الموالي» في البحرين حتى توفي الأول فاستفردت عمامة الثاني بالزعامة للخط لا ينافسها منافس حتى أولئك الذين كانت عماماتهم بعنوان شيرازي سرعان ما أعلنوا الولاء لعمامة قاسم وقلدوها زعامة خط انقلابي بامتياز.
والإشكالية التي واجهت منطقتنا المشرقية أن العمامة أخذت حجمًا وحيزًا ومساحةً في المشهد والتأثير فيه أكبر من حجمها وأكثر بكثير من إمكانياتها وقدراتها وثقافاتها ووعيها السياسي والاجتماعي والفلسفي والفكري... الخ.
فكل عمامة دخلت بقوة دفع الموجة الطاغية على خط السياسة في كل بقعة عربية وتقافزت أسماء وألقاب وظهرت وجوه معممة بمؤهلات حوزوية متواضعة سياسيًا وفكريًا وثقافيًا واقتحمت المشهد على نحو طارئ بوصفها قيادات سياسية كبيرة، تستضيفها فضائيات وتفرد لها برامج وتجري معها حوارات ولقاءات.
فاستهوتها لعبة الزعامة من خلف العمامة وتصدرت مشهدًا صعبًا عليها تصدره، وقادت مرحلة من المستحيل عليها قيادتها وإدارة دفتها وتحريك جماهيرها.
وقد ساهمت قوى وأحزاب «مدنية» يسارية وقومجية وليبرالية في إبراز زعامة العمامة عندما تراجعت عن مكانها ومكانتها لمجموعة عمامات طارئة على المشهد، وتركت لها صنع قرارها وتحديد خيارها ورهنت نفسها بها فيما يشبه زواجًا كاثوليكيًا معمدًا هذه المرة في الحوزة، إن رضيت عن هذا اليساري او ذاك القومجي كان ضمن الحلفاء، وإن لم ترضَ فهو خارج الحظيرة، وكان مؤشر الرضا او عدم الرضا يقاس بمدى موالاة وتقديس العمامة التي تفردت واستفردت بكل شيء في ذلك المدار والمحيط.
ولأن منطق السياسة يختلف كل الاختلاف عن منطق العمامة، فقد أضاعت العمامة البوصلة هنا ودخلت براديكاليتها المفرطة في صدام مع الجميع حتى خسرت الجميع.
فما عادت الخطوط الحمراء حمراء، فهذا منطق السياسة التي تقبل كل الألوان وكل الأطياف في زمن يتنفس بالرأي والرأي الآخر فكيف له أن يقبل بصوت وبرأي عمامة واحدة لا تسأل عما تفعل؟؟!!
والخطأ الذي تحوَّل مع الوقت إلى خطيئة هو استنساخ او بالأدق علميًا وواقعيًا محاولة استنساخ تجربة عمامة قم في بيئة أخرى وظروف أخرى وواقع آخر مختلف.
فمن ورط من؟؟
سؤال سيبدو متأخرًا، هذا إذا ما طرحته عمامة الزعامة هنا على نفسها وهي الآن منزوية تجتر وحدتها خارج حلم الاستنساخ.
والأسئلة التي ستتركها تجربة زعامة العمامة الراديكالية هنا ستكون كبيرة ومعقدة ومهمة لبعض الأطراف المدنية التي قبلت زعامة العمامة، فهل تفتح تلك الأطراف علامات استفهام أسئلة معلقة على بوابات مقارها وجمعياتها وبين من تبقى من عدد بسيط لها من أعضاء ومنتسبين يقال إنهم يلملمون هذه الأيام آخر ما لهم من بعض وريقات قبل أن يغادروها غير نادمين واسفين.
وستظل حكاية الزعامة والعمامة حكاية طويلة مليئة بالأسرار والمفاجآت حتى يكشف الغطاء عنها ذات يوم قريب.
*- نقلا عن صحيفة "الأيام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة