السورية بهيجة إدلبي: تماس "السرد والشعر" غوايتي الأثيرة
تكشف الكاتبة السورية بهيجة إدلبي عن كيفية الجمع بين مسارات كتابية مختلفة مزجت بين الشعر والسرد والنقد
«حوادم» أو (حواء + آدم بما يساوي الإنسان الكامل)، عنوان رواية الكاتبة السورية بهيجة مصري إدلبي، الصادرة أخيرًا بالقاهرة، في الوقت الذي تزامن فيه صدور كتابها النقدي عن محمود درويش بعنوان «محمود درويش .. والعروج إلى ما وراء المعنى» في الأردن. هكذا تجمع إدلبي بين متعتيها الأثيرتين الإبداع والنقد، وتمارس لونًا من التلوين والشغف بين مجالات إبداعية عدة؛ الشعر والمسرح والرواية. تعتبر أن كل ممارسة إبداعية أو نقدية كانت، هي "لعبة" تستجيب لغوايتها بكامل الإرادة.
تكشف إدلبي في هذا الحديث الذي أدلت به لـ"رويترز" عن كيفية الجمع بين مسارات كتابية مختلفة، فبعد عدة دواوين شعرية ومسرحيات للأطفال، كتبت الرواية والدراسة النقدية، وهي لا ترى أي تناقض بينها، على العكس هي ترى أن الكتابة الإبداعية درجات أو أنواع من الغواية، فأحيانًا تقوم القصيدة بدور الغواية، وأحيانًا تلعب الرواية هذا الدور. ولكنها تضيف أن طبيعة الإنجاز في الجنس الأدبي تختلف بين الشعر والرواية.
تقول إدلبي، إنه في حالة الشعر "تتعامل الذات مع العالم من خلال ذاتها؛ بمعنى أن العقل المبدع يركب الوجود بدهشة موسيقاه وإيقاعه؛ لأن الشعر بأحد تعريفاته هو موسيقى الأفكار. أما في الرواية فالعقل يحلل لأنه يتعامل مع أشخاص وأحداث وأزمنة". وتضيف ردًّا على أسئلة لـ"رويترز" بالبريد الإلكتروني: إن الشعري يتماهى أحيانًا بالسردي "فيركب الشعري بأصابع دهشته ذلك الوجود، لكن دون أن يؤثر في نسيج البناء السردي، إنما يشكل جزءًا منه"، وبهذا المعنى لا ترى أنها تحولت من الشعر إلى الرواية.
وهي ترى أن السرد الروائي منح تجربتها الشعرية "عمقًا آخر في التماس بين السرد والشعر لتصبح القصيدة أكثر انتباهًا لتحولات الذات وتحولات العالم، وأكثر استجابة لتحولات الحداثة الشعرية المعاصرة". وتضيف أن الاتجاه إلى كتابة الرواية لم يكن تحولًا في مشروعها الشعري بقدر ما كان استمرارًا له في السرد الروائي؛ "فأنا أكتب الرواية بهيئة الشعر ليصبح السرد أكثر استجابة لمشروعي الذاتي في استبصار الوجود كما هو استجابة لتحولات الذات في فهم العالم".
وتشدد بهيجة مصري إدلبي أيضًا على أن الانشغال بكتابة النقد لا يسحب من رصيد الشعر؛ "لأن النقد لدي ليس حالة احتكاك بين المصطلح النقدي والنص، وإنما هو حالة استبصار لحركة النص اللانهائية في الذات والعالم". وبهذا ترى أن النقد يكون اختبارًا تبادليًّا بين الذات الناقدة والذات الشاعرة.
وتقول إن النقد من هذه الزاوية لا يعطل المشروع الشعري، ولكنه يخلخل "الثابت في الذات عبر الدرس النقدي الموازي للنص الإبداعي بعيدًا عن النقد الأكاديمي الذي يرهق النص بمصطلحاته". ولإدلبي الحاصلة على الدكتوراه في فلسفة الإدارة التربوية مجموعات شعرية منها: «امرأة من خزف الروح» و«صلاة في محراب الذات»، ومسرحيات للأطفال منها «مملكة اللغة»، وفي النقد الأدبي «الأدب التفاعلي وحوار الثقافات» إضافة إلى كتابها الأخير «محمود درويش والعروج إلى ما وراء المعنى» الذي تعتبره نوعًا من الشغف في استبصار النص الشعري لدى درويش.
وتقول إنها واجهت سؤالًا عن الجديد الذي تقدمه في قراءتها لشعر درويش وهو سؤال وجه إليها أيضًا قبل عشر سنوات مع صدور كتابها «القصيدة الحديثة بين الغنائية والغموض» عام 2005 والذي تناولت فيه شعر السوريين نزار قباني ومحمد الماغوط. وتشدد على أن التجربة الشعرية لشاعر في "مقام محمود درويش لا يمكن أن يستنفد النقد رؤاها في استدراج مجاهيلها وأسرارها .. هي تجربة تمتاز بالتجاوز المستمر .. لم أكن مشغوفة بالنص بقدر شغفي بما وراء النص". فغير المنصوص عليه أي الغائب غير المكتوب هو ما يستبصره القارئ، ويجعل النص قابلًا للاختبار المستمر وتعدد المعاني والدلالات.
وتقول إن درويش أدرك "مأزق" الربط بين الشعر الفلسطيني وتعاطف القارئ مع "قضيته" فاستطاع بأعماله وخصوصًا ديوانه (جدارية) وما بعده أن "يوسع رؤيته الشعرية وأن يلقي عليها ظلالًا فلسفية في تأويل الذات والوجود لتتسع معه قضيته". تضيف "لذلك فتجربته عصية على الكشف النهائي وعصية على التصنيف؛ لأنها تجربة المعاناة والمعرفة. تجربة الوجود والعدم. تجربة الموت والخلود. حيث تشكلت من ألمه كفلسطيني مهجر منفي إلى ألمه كإنسان منفي عن وجوده فإذا بالألم الفلسطيني ألم كوني.. يحمل فلسفة الكائنات". وتمضي قائلة: "القصيدة الدرويشية تحولت من مقامها الأول -مقام المعاناة الفلسطينية- إلى مقامها الأوسع .. مقام الأسئلة المقلقة.
الأسئلة الوجودية التي استوقفت الشاعر وهو في طريقه إلى الخلود. هكذا كانت جداريته رحلة في الموت الكشفي. الموت الذي يفضي إلى معرفة بيضاء تعين الشاعر على خلوده وتفتح أمامه نوافذ الرؤيا على شساعتها فيدخل في غيبوبة التأمل وتأمل الغياب." وتخلص إلى أن "التعاطف مع القضية" لم يعد هو الوحيد الذي يغري بقراءة درويش، بل الحس الجمالي الذي ينهض بالذات الشعرية إلى ما ورائيات الوجود. وتشير إلى أن درويش كان يرفض أن يسمى بـ"شاعر القضية"؛ لأن هذا المصطلح يضيق عليه الدهشة الجمالية التي أصبح أكثر شغفًا بها في قصائده بعد الجدارية.
aXA6IDE4LjIyNi45My4yMiA=
جزيرة ام اند امز