"مدينة الكلمات" لألبرتو مانغويل: استمعوا للشعراء وللحالمين
في كتابه الصادر أخيرًا مترجمًا عن دار الساقي يعتبر "ألبرتو مانغويل" أنه كلّما ضاق تعريف الهويّة نما التعصّب
ليست كل الكلمات التي تقال، ولا خطابات التطرف والتعصب ولا رسائل القتل والتخويف هي التي يجب أن تسمع وتنشر وتعمم، وحدها "الكلمات التي يبثّها الحالمون والشعراء والروائيّون وصنّاع الأفلام عبر الزمان والمكان، ربّما كانت القصص التي نرويها تحمل مفاتيح سرّية للقلب البشريّ".. هذه المقاربة التي يقترح المؤلف الموسوعي الأرجنتيني الكندي ألبرتو مانغويل صاحب "مدينة الكلمات" أن نختبرها؛ إذ يعتبر في كتابه الصادر أخيرًا عن دار الساقي بترجمة عربية ليزن الحاج، أنه كلّما ضاق تعريف الهويّة نما التعصّب، وكلّما قدّمت اللغة إجابات قاطعة ضاق خيالنا عن الكون والآخر، وخاصّة عن أنفسنا، من ملحمة جلجامش وقصة أيّوب النبيّ، إلى دون كيخوته وأفلام السينما، هذه "الكلمات" – قصصًا وروايات وشعرًا – هي التي تصوغ مجتمعاتنا وواقعنا، وهي سجلّنا عن أنفسنا وعن الآخر.
"كلمات المدينة" الذي يقع في 176 صفحة يجمع 5 محاضراتٍ ألقاها عام 2007 ملخصًا فيها نظريته لفهم القاسِم المشترك بين البشر، في مختلف الأزمنة وفي كل الأماكن، من خلال اللغة، وهو ترجمة للكتاب الصادر في العام 2009 عن دار "اكت سود" الباريسية، ويشكل الكتاب مادة بحثية هامة حول مسألة "العيش المشترك"، وحولها يطرح مجموعة من الأسئلة التي يود من خلالها الخوض في مسألة بحثه: "لماذا نبحث عبر الكلمات عن تعريفات"هوياتية"؟ وما هو دور راوي القصص في بحثٍ من هذا النوع؟ كيف يمكن اللغة أن تحدِّد وتنمّي تخيّلنا للعالم؟ كيف تساعدنا القصص التي نرويها في طريقة إدراكنا لذاتنا وللآخرين؟ وهل إن مثل هذه القصص قادرة على منح هويةٍ، حقيقية أو مزيّفة، لمجتمعٍ بكامله، وهل هي قادرة على تحويلنا وتحويل العالم الذي نعيش فيه؟"
لا يذهب مانغويل إلى العلوم السياسية والاجتماعية لإيجاد الأجوبة عن أسئلته أو لإطلاقها بالدرجة الأولى، بل يغرق في القصص التي برأيه يمكن الخوض فيها من دون الخوف أو طلب الحلول، ويكتب كنوع من الاعتراف "اكتشفتُ مع مرور السنين عدمَ إلمامي بمجالاتٍ كثيرة من المعرفة - كالأنثروبولوجيا، والإثنولوجيا، وعلم الاجتماع، والاقتصاد، والعلوم السياسية، وكثير غيرها - من علوم تتعاظم أهميتُها مع الزمن.
وفي الوقت نفسه، اكتشفتُ أنَّ ممارستي طوال حياتي للقراءاتِ العشوائية جعلتني أميلُ إلى الكتبِ التي أجد في صفحاتها أفكاري الخاصة في كلماتٍ وضعها الآخرون، وأشعرُ بالراحة في عالم القصص، حيث إنها - بخلاف الكتب ذاتِ الطابع العلميِّ البَحت - لا نتوقعُ منها (الرفض، في الواقع) أو أجوبة واضحة، ويمكنني أنْ اخوض في هذه المناطق دون الشعور بالخوف، أو طلب الحلول أو المشورة.
الكتاب البحثي يشكل بحسب ما وصفته "ذا إيكونمست" "قراءة تشبه نزهة في أرجاء المدينة أو وجبةً متأنّيةً مع صديق كوزموبوليتيّ عميق التفكير".. الوجبة المتأنية هذه تتمثل جليًا في رواية مانغويل لنقاشه مع رونالد رايت، صاحبِ المحاضراتِ الرائعة حول مفهوم التقدم، إذ قال له "أنَّي أفكر أنْ أُطلِقَ سؤالَ "لماذا نحن معًا؟" عنوانًا لمحاضراتي، كان ردُّه: "وهل هناك بديل آخَر؟!" بالطبع ليس هناك بديل أفضل أو أسوأ؛ فالإنسانُ مخلوقٌ اجتماعيٌّ، يشقى أو ينعم بمهمة العيش مع الجماعة. في الواقع أنا لم أقصد بسؤالي أنَّ هناك بديلًا، بل هو محاولة لمعرفة بعض فوائد ومساوئ التعاون والعمل الجماعي، وكيف نستطيع صياغةَ هذا التعاون المنشود في كلماتٍ.
مانغويل الروائي والمترجم وكاتب المقالات الذي ولد في بوينس آيرس، انتقل إلى كندا عام 1982، ويعيش الآن في فرنسا حيث عيِّن مديرًا لهيئة الفنون والآداب، وله مجموعة كبيرة من الكتب والروايات والأبحاث منها "تاريخ القراءة"، "مع بورخيس"، "المكتبة في الليل"، "يوميات القراءة"، "فنّ القراءة"، "الأوديسا والإلياذة هوميروس: سيرة"، "عودة"، "عاشق مولع بالتفاصيل"، و"أخبار آتية من بلاد غريبة".
aXA6IDE4LjE4OC4xNDAuMjMyIA==
جزيرة ام اند امز