مثقفون يهاجمون زيدان.. والكاتب لـ"العين": ثويزا رد لي الاعتبار
الكاتب صرح أنه "لا حضارة في الجزيرة العربية" ودخن عنوة على المنصة
يبدو أن الزوبعة التي أثارها الكاتب يوسف زيدان بتصريحاته في مهرجان "ثويزا" في المغرب، لن تهدأ وآخرها إدانة اتحاد الكتاب العرب لها.
يبدو أن الزوبعة التي أثارها الكاتب المصري يوسف زيدان بتصريحاته في مهرجان "ثويزا" في مدينة طنجة المغربية، تتحرك بإيقاع كرة الثلج، وآخرها إصدار الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بيانًا أعرب فيه عن أسفه الشديد تجاه الآراء التي صرح بها زيدان ووصفه عرب شبه الجزيرة العربية بأنهم (سراق إبل)، وأن المنطقة لم تكن فيها حضارة في يوم من الأيام، وأن المراكز الحضارية تقتصر على القاهرة والقرويين وفاس وبغداد ودمشق. وأثارت هذه التصريحات استهجان الكثير من المثقفين والكتاب والأدباء والجهات العربية؛ نظرًا لما تضمنته من مغالطات تاريخية، وتعصب.
وبالإضافة إلى تصريحاته هذه، قام زيدان في ندوة "في الحاجة إلى التنوير" التي شارك فيها إلى جانب التونسي يوسف الصديق والمغاربة أحمد عصيد وحسن أوريد وبيرلا كوهن، بإشعال سيجارة وهو على المنصة، الأمر الذي دفع مسير الندوة الروائي المغربي ياسين عدنان إلى تحذيره أن التدخين ممنوع في الأماكن العمومية بالمغرب، فرّد زيدان: "هل هناك نصّ ديني يجرّم ذلك"، فكرّر عدنان طلبه، ليرّد عليه زيدان أن المكان حيث يدخن لن يؤثر على القاعة، لكن عدنان شدد على طلبه، فلم يملك زيدان غير مغادرة منصة الندوة وهو يدخن سيجارته، ليعود بعد أن أنهاها وأكمل الندوة.
ويضاف إلى انتقاد المحاضرين والمغردين لتصريحاته ما وصفوه بـ"عجرفة تصرفاته"، ارتفعت حدة التعليقات بعد اتهام عدد من الصحفيين لزيدان بأنه استغل الموقف وعمل على ابتزاز منظمي المهرجان مقابل عودته إلى المنصة، وأشاروا إلى طلبه رفع قيمة المكافأة المالية التي سيتقاضاها في المقابل لتصل إلى 5 آلاف يورو بدل 4 آلاف. وما كان من زيدان إلا أن يصف الاتهام هذا بـ"الكذب والتلفيق الحقير"، مطالبًا في تعليق على صفحته على "فيسبوك" إدارة المهرجان بفضح هذا الكذب، ليهدّد مرة أخرى بأن يكون هذا آخر تواصل له معهم. وبعد إصدار إدارة المهرجان لبيان توضيحي أكدت فيه أنه لا مكافآت لأي من المشاركين، كتب زيدان شاكرًا رئيس المهرجان للبيان "الكاشف لأكاذيب المساكين" كما وصفه.
وقال زيدان -لـ"بوابة العين الإخبارية"- إن "إدارة المهرجان ردت له الاعتبار في إصدارها للبيان الرسمي حول مسألة المكافآت، ومن ثم المسألة انتهت بالنسبة لي". أما فيما يتعلق بتصريحه حول وصفه عرب الجزيرة بأنهم "سراق إبل" وبيان الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، فقال إنه لم يطلع على البيان ورفض التعليق على تصريحاته.
وفي موقف صارم، أكد اليوم بيان اتحاد الأدباء العام للأدباء والكتاب، ضرورة التحلي بحس المسؤولية في البحث والتحليل وقراءة التاريخ، وعدم الانجرار وراء المغالطات التي تم الترويج لها من قبل أنظمة وتيارات وقوى تخوض شعوبنا الآن أشرس معاركها ضدها، لا سيما ما يتصل منها بنظرية الهوامش والمراكز التي تجاوزها الزمن، وكانت تعبيرًا بغيضًا عن نزعات استعمارية عنصرية لم تجلب سوى الويلات والكوارث، على حد تعبير البيان.
ودعا أمين عام الاتحاد، حبيب الصايغ، إلى ضرورة التصدي لأي قضية تتعلق بالتاريخ في إطار علمي منهجي محكم، وضمن قواعد رصينة من التحليل، لا عبر تصريحات أو آراء مرتجلة بغرض إثارة الإعجاب أو لفت النظر، وقال: نعتقد أنه قد حان الوقت كي يتجاوز بعض المثقفين العرب مرحلة الارتجال إلى مرحلة البحث، وأن يدركوا أن مسؤولياتهم تتخطى طموحاتهم الشخصية الضيقة لتصبح مسؤولية سياسية واجتماعية وأخلاقية، لا سيما في هذه المرحلة التي نبحث فيها عما يجمع لا عما يفرق، دون أن نضحي بالحقيقة، والحقيقة في موضوعنا ثابتة وفوق كل الشبهات.
وكانت أزمة تصريحات زيدان قد أثارت عاصفة على مواقع التواصل الاجتماعي ودفعت إلى إطلاق هاشتاق "#أخبروا يوسف زيدان"، الذي استخدم للتعريف بتاريخ الجزيرة العربية.
ومن جهته، كان الدكتور عيد اليحيى مقدم برنامج "على خطى العرب" الذي يبث على قناة العربية، قد أكد في مداخلة له بداية الأسبوع أن ما قاله زيدان يدل، حسب تعبيره، على فقر شديد ونقص كبير في المعلومات، مؤكدًا أن الجزيرة العربية هي مصدر اللغة العربية، وقد أعاد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي تغريدها تأكيداً على مضمونها.
وتساءل اليحيى "كيف لا يوجد فيها علماء لغة عربية، والإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، هو أبو اللغة العربية، وهي التي خرجت أبو الأسود الدؤلي والأصمعي والهمذاني وسيبويه وابن جني، حتى الموالي تعلموا اللغة العربية في الجزيرة العربية، وكانوا يرسلون أبناءهم إلى نجد لتعلم العربية، وكفى للغة العربية فخرًا أن يدخلها أناس من غير العرب ثم يكونون علماء بها".
وأشار اليحيى إلى أن اللغات خرجت من الجزيرة العربية بما فيها بعض اللغات التي يفتخر بها المصريون أنفسهم مثل الهيروغليفية، وعلماء الغرب يرون بأن كل الهجرات السامية خرجت من الجزيرة العربية إلى بلاد الرافدين والشام وحوض النيل، مؤكدًا أن من الجزيرة العربية ولدت أكبر الحضارات مثل حضارة أم النار، والهيلي ودلمون وساروق الحديد، وعاد الأولى والثانية وثمود، وحضرموت وحمير والأنباط، وغيرها.
ومن أبرز ردود الأفعال عن زيدان، سلسلة تغريدات لهيئة السياحة والتراث السعودية اعتبرت فيها أن من يشكك في ثقافة أبناء الجزيرة العربية يجهل أو يتجاهل سبقهم في تطوير الحرف العربي المميز الذي لا نزال نكتب به الآن، مضيفة أن وسط الجزيرة العربية كان همزة الوصل بين الشرق والغرب فمنه تعبر القوافل التجارية وحضارة كندة خير شاهد. واعتبرت الهيئة أن الدراسات أثبتت قوة التواصل الحضاري للجزيرة العربية منذ 3000 سنة قبل الميلاد مع الحضارة ببلاد الرافدين والشام ومصر. وشددت على أن مكة المكرمة البوتقة التي انصهرت فيها لغات الشمال والجنوب ونتج منها لغة القران التي يفهمها أهل اليمن وأهل الشام.
وقال الكاتب والصحافي السعودي حمد التركي "لو تجرد يوسف زيدان من تحيزه وقرأ كتابا مثل"تاريخ اليمامة في صدر الإسلام " لعبدالله العسكر لما تفوه بكثير من مغالطاته..ولكنها العنجهية.."، مضيفاً "حقيقة أنا من متابعي أعمال يوسف زيدان، ولكن قاتل الله العنجهية وضيق الأفق فهي تحجب الحقائق البسيطة وتجعل العالم جاهلا..".
واعتبر أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب الدكتور علي بن تميم أن زيدان موهوم، فحتى الثقافة المصرية نفسها استقبلت شوقي وبيرم والخضر شيخ الأزهر القديم وكلهم قادمون من ثقافات أخرى، ثم إن كلام زيدان ينقلب على ما أسسته الثقافة المصرية، وما يطرحه فيه مغامرة لأن الثقافة ليست صافية. الثقافة العربية لم تقل إنها ولدت ثقافة صافية في عرقها، وما طرحه لا يمثل سؤالاً في الثقافة العربية أساساً. كل التقاليد العربية التي أسست قديما احتفت بالمكونات الغريبة وهضمتها وجعلتها جزءا من ثقافتها، ومن شواهد ذلك التأثير المتبادل بين الثقافة الفارسية والعربية، مضيفاً "يبقى أن مفهوم الجزيرة العربية واسع، وربما رآه زيدان من منطلق الجنسية، وهي فكرة حائرة ومحيرة، فالمنطقة جغرافيا تضم الخليج واليمن والعراق، وكان أبو الطيب المتنبي يحتفي بالجزء البدوي في الثقافة العربية لأنه الأكثر قوة فكريا، ويرى أن الحضارة فيها جزء مصنوع في حين أن البداوة فيها الفطرة والقوة. وإذا توقفنا عند سيبويه سنجد أنه مع مجايليه عندما انتقلوا إلى المنطقة العربية انتقلوا من ثقافة ترفضهم أصلا، وكان انتقالهم إعجابا بالثقافة العربية وكان أيضاً فرارا من العرقية الفارسية التي دمرتهم، فوجدوا أن العربية هاضمة لهم وغير عرقية انطلاقا من القول عن العصبية:«اتركوها فهي منتنة». وعند سيبويه تحديدا علينا أن نفرق بين البنوة بالانتماء البيولوجي وبين تبني الثقافة، فأن تتبنى ثقافة أخرى هو الأهم، نتحدث عن تبني عالم كبير للثقافة العربية التي لا ينتمي إليها، في حين أن الكثير من أبناء الثقافات يتنكرون لعرقهم مثلما فعل زيدان، وهؤلاء يشكلون مشكلة، تبني ثقافة بشكل عام أهم من الانتماء العرقي لها، وهذا هو ما يصنع التغيير والتحول".
وبرأي بن تميم إنه "على يوسف زيدان أن يمتلك الشجاعة ليحدد ما الذي يريد قوله ويناقش الموضوع، فثقافة شبه الجزيرة العربية لم تمنع من الاحتفاء بزيدان الذي استضيف في عدة مدن هنا، وكتب عنه من يسميهم (سرّاق إبل)، في إشارة إلى أنهم لم يكونوا عنصريين واحتفوا بإبداعه. إن ثقافة الجزيرة العربية ليست ثقافة عرق، وهذا ما يجعلها قوية ومستمرة وأسهمت في إخراج أصوات أقليات حافظت على التنوع بين الألوان والعرقي والنوع من ذكورة وأنوثة، كما أنها حافظت على المدونات الدينية القديمة ولم تتلف الإلماحات الوثنية فيها. والحديث عن الصفاء العرقي طرح ليس له قيمة وهو انقلاب على التطور الفكري الذي أحدثته الثقافة الكونية التي ينتمي فيها الإنسان إلى عدة ثقافات".
وكتب مدير أكاديمية الشعر في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث سلطان العميمي في حسابه في "تويتر" "هل يعلم #يوسف_زيدان أن أول معجم عربي هو معجم العين، وجُمع بالجزيرة العربية، وألفه وجمع مادته العالم العماني الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي"، مضيفاً "هل يعلم #يوسف_زيدان أن أقدم نقش مكتوب باللغة العربية الجنوبية تم اكتشافه في منطقة مليحة بإمارة الشارقة، ويعود إلى عام 215-216 قبل الميلاد؟ وهل يعلم #يوسف_زيدان عن النقش الأقدم للأبجدية العربية الذي اكتشف في المملكة العربية السعودية شمال نجران، ويعود إلى القرن الخامس الميلادي؟"
وكتب مقدم البرامج علي الغفيلي #أخبروا_يوسف_زيدان أنها (حائل) أحد مواقع التراث العالمي وسجلتها هيئة السياحة باليونسكو. وأضافت الكاتبة الصحفية حليمة المظفر #يوسف_زيدان يقول العرب سراق إبل!! فماذا عن سرقتك روايتك عزازيل من رواية هيباتيا للقسيس "تشارلز كنجزلى" عام 1853 ميلاديًا وكشف سرقتك العيادي!!
أما الكاتب الإماراتي عبدالله النعيمي فدعا إلى ضرورة استبعاده وعدم دعوته قطعيا لأية فعالية، وكتب "لو اتخذت دول الخليج قراراً جماعياً باستبعاده نهائياً من فعالياتها الثقافية .. سيتعلم كيف يحترمها".
ومن جهته، كتب الكاتب السعودي مشاري الذايدي، في مقال في جريدة "الشرق الأوسط": تعاملت مع كلامه بوصفه رأيًا سياسيًا، لا مقاربة علمية تاريخية، نتوقعها منه، فالأستاذ زيدان، بلا ريب، يملك مفاتيح التاريخ واللاهوت الشرقي". وأضاف أن زيدان "قال أشياءً كثيرة عن الفراغ الحضاري، والفقر في إنتاج علماء اللغة العربية، لكن لفت نظري حنقه الشديد على الصحراء، بوصفها منتجة للسوء والشر. ليست هذه المرة الأولى التي يصوب فيها زيدان سهامه للصحاري، كما فعل في غضبته المضرية على الجزائريين بمقالته الشهيرة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 بعنوان: "ذكريات جزائرية"، وكان مما قاله حينها: "عَّزْت الأسماء وندرْت، فجعلوا للبلد وعاصمته اسًما واحًدا!". أيضًا: "هذا البلد المسمى (الجزائر)؟ مع أنه في معظمه امتدادٌ صحراوي لا يحوطه بحٌر مثلما تحوط البحار الجزر (الجزائر)". وأيضًا عن الجزائر: "الصحراء التي تمتد في كل الجهات، وتمتد في نفوس الناس".
aXA6IDE4LjE5MS4xMDMuMTQ0IA== جزيرة ام اند امز