الأزمات العربية بين مطرقة التحالفات وسندان المنافسة الإقليمية
موضوع تحليلي عن القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على الصراعات المختلفة في المنطقة.
تأتي سلسلة الاتفاقات المقبلة في جنيف بشأن الأزمتين السورية واليمنية ببارقة أمل للمصالحة في المنطقة، بعد أن أصبحت النزاعات تجتاح الركن العربي من الشرق الأوسط، لا سيما بعد موجة ما سمي بـ"الربيع العربي" الذي خلف وراءه مسارح عمليات للكثير من "الحروب بالوكالة" التي اجتاحت المنطقة في السنوات القليلة الماضية، لا سيما في سوريا وليبيا واليمن.
وجعل بزوغ قوى إقليمية جديدة، مثل إيران وتركيا، بالإضافة إلى اللاعبين الجدد في الساحة، روسيا والاتحاد الأوروبي الساحة العربية مرتعا خصبا لقيام تحالفات متعددة، إما لمكسب سريع على الأرض، أو لمد جذور السيطرة والهيمنة الإقليمية للقوى الجديدة، ليبقى السؤال الأبرز هنا، ما نتائج تلك التحالفات وتأثيرها على مستقبل الشرق الأوسط؟.
الأزمات الأبرز في الشرق الاوسط:
هناك ثلاث جبهات مشتعلة في منطقة الشرق الأوسط والتي تنال اهتماما عالميا، الأولى هي السورية، فمنذ بداية الربيع العربي في 2011، وتلك البلد في اقتتال دائم بين نظام بشار الأسد الحاكم والمعارضة لفرض السيطرة على الأرض، بالإضافة إلى انضمام قوى جديدة لساحة المعركة مثل "داعش" الذين دفعوا بدورهم الأكراد إلى الدخول في القتال للدفاع عن أراضيهم.
لكن إذا تم تحليل الوضع الميداني السوري، فهناك قوى إقليمية وعظمى تلعب دور الموجّه في تلك المعارك، في مقدمتها الدور الإيراني البارز في دعم الأسد، سواء بالتدخل المباشر على الأرض من خلال الحرس الثوري أو بدعم حزب الله اللبناني الشيعي في المعارك، وكذلك الدور الدبلوماسي الروسي في دعمه.
وعلى الوجه الآخر، نرى أن الجيش السوري الحر المعارض يتلقى دعما لوجستيا كبيرا من القوى الغربية في مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يساعده هذا الدعم بالاستمرار في القتال ضد الاسد، أما بالنسبة للأكراد، فمعركتهم ليست ضد الأسد او الجيش الحر، لكن ضد تهديد "داعش" على المناطق الكردية، سواء كانت في الشطر السوري أو العراقي.
ثاني الجبهات وهي الليبية لم تخل من الاهتمام الدولي أثناء الحرب على نظام معمر القذافي منذ الربيع العربي أيضا، حيث تفككت معالم الثورة الليبية بعد سقوط القذافي لتتحول الساحة إلى صراع مرير على السيطرة على الحكم، لا سيما مع التركيبة الاجتماعية القبلية، حيث أصبح الصراع مشتتا بين القبائل الليبية التي تسعى لفرض سيطرتها على أراضيها ومحاولة الحكومة المركزية رأب صدع التشتت وانتشار السلاح الثقيل بين الميليشيات وانتشار الحركات المتطرفة بشكل مكثف مما يخلق بيئة خصبة للأنشطة غير الشرعية وصعود التطرف وانتشاره في المنطقة.
لكن هذا لا يمنع وجود مؤثرات إقليمية على حيثيات النزاع في الأراضي الليبية، بالرغم من هدوء القتال هناك خلال الشهور الماضية.
أما الجبهة الثالثة، فاليمن خير مثال على التدخل المباشر للقوى الإقليمية، حيث تلعب كل من إيران والولايات المتحدة دورا بارزا في تلك الحرب، فالتمدد الحوثي كان بدعم إيراني مباشر (تسليح، لوجستيات، تدريب) بالإضافة إلى التحالف مع الرئيس المعزول على عبد الله صالح والتي صعدت وتيرة الصراع بدرجة كبيرة أدت إلى تدخل دول بالمنطقة بشكل مباشر للسيطرة على الصراع.
من يسابق من؟
تحتل إيران وتركيا المكانة الأبرز في القوة الإقليمية من حيث المشاركة في الأحداث والصراعات التي تحدث في المنطقة، فوضعهما السياسي والعسكري يمنحهما مكانة استراتيجية لفرض الهيمنة الديبلوماسية وأحيانا العسكرية في بعض المواقف.
سياسة إيران طويلة المدى برهنت على طموحات كبيرة في السيطرة الدينية، والعسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة، فكما جاء في تصريح لبعض المسؤولين الإيرانيين في 2013 قولهم "نحن لسنا دولة مهمة في المنطقة فحسب، بل نحن أهم دولة في المنطقة بأكملها" مما يعكس إصرار طهران على بسط سيطرتها جغرافيا وسياسيا كما يحدث في من دعم لبشار الأسد في سوريا، والمليشيات والجماعات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن بالإضافة التي حزب الله في لبنان.
وبعد الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العظمى مؤخرا والتي رفعت العقوبات الاقتصادية عنها، يتوقع العديد من المحللين أن تقوم إيران بزيادة التعاملات الاقتصادية والتجارية مع جيرانها في المنطقة، واعتمادا على تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي أكد توجه ايران لحل الخلافات مع جيرانها العرب، فإنه يعد خطوة في بسط الدبلوماسية الإيرانية كوجه لقوة إقليمية تتحاور مع جيرانها في المنطقة وتستطيع التأثير في أي أحداث أو نزاعات.
أما على الجانب التركي فقد ساهم نموه الاقتصادي في التوسع سياسيا في المنطقة قبل أن يصطدم بأزمات داخلية وخارجية لا سيما مع عدد من الدول العربية في مقدمتهم مصر، غير أن ذلك لم يمنعه من الهيمنة الاقتصادية في مجالات التجارة الخارجية والاستثمارات والسياحة والتي جعلت من تركيا رائدا اقتصاديا باستثمارات بلغت 19 مليار دولار أمريكيا في منطقة الشرق الأوسط وحدها، حسب تقرير لمنظمة التجارة العالمية.
واستغلت تركيا ذلك في ضخ استثمارات في دول كثير في المنطقة لوضع موطئ قدم للدبلوماسية التركية في المنطقة، وكونها عضوا في حلف شمال الأطلسي "الناتو" أكسبها دورا بارز في القضية السورية، لا سيما أنها تعد باب الهجرة للاجئين السوريينأ وهي الأزمة التي أرّقت الاتحاد الأوروبي ودفعته إلى الاتفاق مع أنقرة ومدها بحزمة مساعدات قدرها أكثر من 3 مليارات يورو.
سيناريوهات كثيرة لنمو تلك الدولتين إقليميا كقوى محورية في المنطقة، لكن أبرزها هو اشتعال المنافسة بين الطموح الإيراني في توسيع قاعدة تأثيرها الإقليمي والرغبة التركية في التحول إلى قوة عظمى والسيطرة على المنطقة اقتصاديا.
ما سبق يؤشر إلى حدوث توازن في المنطقة بين الكتلة الإيرانية والتركية وقد يصل إلى تقسيم مناطق التأثير بينهما اعتمادا على التركيبة السكانية والجيوغرافية، حيث ستكون إيران مهتمة بدعم الكتل الشيعية في المنطقة، بينما تركيا ستحاول جذب الدول التي تعاني من تعثرات اقتصادية إلى دعم تركيا في ملفاتها المختلفة، بالذات الملف الكردي.
مستقبل غامض
تجتاح الانقسامات الداخلية معظم دول الربيع العربي، ولذلك توجد عدة سناريوهات محتملة عن تحالفات مختلطة في مناطق مختلفة، وبالأخص المناطق ذات النزاعات المستعرة والتي تتضمن خليطا من الطوائف والاتجاهات الدينية المتعددة.
وتعتبر لبنان مثالا حيا لتعددية التحالفات في نفس الدولة، حيث يتواجد المسلمون بتياراتهم المختلفة (سنة وشيعة) والمسلمون والأرمن والدروز والأكراد وغيرهم من الطوائف المتداخلة في الدولة الواحدة.
وبالنظر إلى الوضع اللبناني فسنجد أن هناك الكثير من تلك الطائف تتلقى دعما من قوى إقليمية، الأبرز هي تنظيم حزب الله الشيعي الذي يدخل بثقله في الداخل اللبناني ممثلا لتوجهات إيران الدينية والسياسية.
ولا تخل الطوائف الأخرى من قوى إقليمية، وأحيانا دولية، تدعمها في مجالات عدة، مما جعل الساحة اللبنانية تشهد الكثير من الصراعات والتصفيات لعقود، ولا يزال المشهد اللبناني يشتعل إلى الآن بسبب التحالفات الإقليمية المختلفة داخل المشهد السياسي اللبناني.
وقياسا على ذلك، قد يتطور الوضع إلى صراع طويل الأجل في بعض المناطق الساخنة مثل اليمن وليبيا، بسبب دخول قوى إقليمية في صراع للسيطرة على المشهد وخلق حالة من "الحرب بالوكالة" لتجنب التدخل المباشر في المعارك على الأرض، على غرار الحالة السورية وبالتالي خلق احتمالات سلبية بمستقبل المنطقة.
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4xODkg
جزيرة ام اند امز