تركيا والأكراد.. صراع 38 عاما ينتظر الصفقة الدولية حول سوريا
التحول المفاجئ في الموقف التركي من بشار الأسد، بدا أن كلمة السر فيه هو الخوف من التمدد الكردي على الحدود التركية السورية
"يمكن أن يكون لرئيس النظام السوري بشار الأسد دور في القيادة الانتقالية".. هذا التصريح الهام الذي خرج عن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل ثمانية أيام، شكل تحولًا كبيرًا في الموقف التركي إزاء بشار الأسد، والذي تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أربعة أشهر على ضرورة محاكمته أمام محكمة العدل الدولية.
هذا التحول المفاجئ من رئيس يجب محاكمته أمام محكمة العدل الدولية، إلى رئيس يمكن أن يكون له دور في المرحلة الانتقالية، بدا أن كلمة السر فيه هو الخوف التركي من التمدد الكردي على الحدود التركية السورية.
فمنذ بداية الأزمة السورية قبل خمس سنوات، ظلت تركيا تتابع نشاط الحزب الذي نجح في السيطرة على 3 مناطق ذات أغلبية كردية، وهي الحسكة وكوباني وعفرين.
ولكن التحول الذي بدأ يقلق تركيا هو نجاح القوات الكردية في التصدي لتنظيم داعش الذي هاجم بعض مناطقهم، ولم يكتفوا بذلك بل بدأوا يتسللون رويدا رويدا للسيطرة على مناطق أخرى ليست خاضعة لهم، تحت غطاء محاربة داعش.
وآثار ذلك المخاوف التركية من نشأة "حزام كردي" على حدودها الجنوبية، بما يهدد "أمنها القومي"، وهو الحلم الذي يسعى حزب العمال الكردستاني إلى تحقيقه منذ نشأته السرية قبل 38 عاما، على يد عبدالله أوجلان.
نسف المواقف
وسبق ذلك، فوز حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بنتيجة غير مسبوقة بالانتخابات التشريعية التركية في يونيو 2015، مما دعم الطموحات الكردية، التي واجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنسف كل مواقفه القديمة في سبيل الخلاص من هذا الصداع الكردي.
فلم يكتفِ النظام التركي بتبني لهجة أقل حدة تجاه بشار الأسد، كما ظهر في تصريح بن علي يلدريم، لكنه أيضًا تخلى عن أحد أهم الثوابت التركية في إدارة موقفها من الأزمة السورية؛ وهو عدم الانجرار إلى المستنقع السوري.
فتركيا التي عملت جاهدة على تفادي الانجرار إلى هذا المستنقع تاركة الأطراف المتصارعة في سوريا حرية تصفية حساباتها بعيدًا عنها، وجدت أن تدخلها بات ضروريًّا، بعد أن صار الخطر قريبًا منها.
ولوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 أغسطس إلى أن تركيا قد تتدخل في شمال سوريا لمواجهة ما وصفه بالتهديد الذي تشكله وحدات الحماية الكردية.
وقال في خطاب بثه التلفزيون التركي، إن الوحدات الكردية تشكل تهديدًا لأمن تركيا القومي، وإن بلاده قد تضطر إلى التدخل في شمال سوريا إذا لزم الأمر.
هدف مستتر
وتحت غطاء الرد على هجوم إرهابي استهدف حفل زفاف بمدينة غازي عنتاب الحدودية، دخلت القوات التركية إلى شمال سوريا في 24 أغسطس، بهدف معلن وهو القضاء على تنظيم داعش، الذي حمله الرئيس التركي مسئولية الهجوم الإرهابي، وهدف مستتر وهو مواجهة الوجود الكردي.
وكان اللافت أن موسكو التي طالما حذرت من التدخل التركي في سوريا، واعتبرته خطًّا أحمر، أضحى بين عشية وضحاها مسألة عادية تحظى بقبول ضمني؛ حيث قال بيان للخارجية الروسية إن جهود أنقرة ستكون أكثر فاعلية في مكافحة الإرهاب على الحدود التركية السورية إذا نسقت مع دمشق.
وقدمت دمشق من جانبها مبادرة تهدف إلى إرضاء تركيا، بتوجيه ضربات لحزب العمال الكردستاني في منطقة الحسكة، على الرغم من أن مواقف الأكراد ظلت طيلة سنوات الأزمة السورية "أميل" للنظام السوري منها إلى المعارضة.
حراك دبلوماسي
وسبق هذه التطورات الحراك الدبلوماسي التركي المكثف لرأب الصدع في العلاقات مع موسكو إثر حادثة إسقاط القاذفة الروسية في الأجواء السورية، وهو الحراك الذي تكلل في 9 أغسطس بلقاء الرئيسين التركي والروسي في موسكو، وهو اللقاء الذي على ما يبدو تم الاتفاق فيه على مرونة تركية أكبر تجاه بشار الأسد ونظامه، مقابل إطلاق يد أنقرة في وأد حلم الدولة الكردية على الحدود مع سوريا.
وتتهم أنقرة واشنطن بمساعدة قوات الحماية الكردية لتحقيق هذا الحلم، بينما لا تنكر واشنطن مساعدتهم، ولكن بحجة مواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة، الأربعاء 24 أغسطس/آب، بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم، قال بايدن إن واشنطن أبلغت المليشيات الكردية بعدم العبور إلى غرب الفرات، حيث تقع مدينة جرابلس.
وأضاف "قلنا بوضوح لن يحصلوا على دعم أمريكا إذا لم يلتزموا بذلك".
ومنذ التحذير الأمريكي لم يحدث أي تغيير، بل إن التوتر على الحدود التركية السورية بين أنقرة والأكراد زادت وتيرته، ولقي أمس السبت جندي تركي مصرعه وأصيب 3 آخرين باستهداف عناصر قوات سوريا الديمقراطية دبابتين في جرابلس، كما تم إطلاق 4 صواريخ في اليوم نفسه باتجاه مطار ديار بكر، من قبل مسلحين يشبه في انتمائهم لحزب العمل الكردستاني.
وعلى ذلك، يبدو أن التدخل التركي في شمال سوريا، لن ينتهي سريعًا، بل سيكون مرتبطًا باتفاق الأطراف الدولية الفاعلة على حل للأزمة السورية، ينهي الحلم الكردي أو يمنحه قبلة الحياة.
ولا يستطع أحد الآن تحديد إلى أي الاتجاهات تسير الأمور، حتى تكتمل ملامح الصفقة الدولية حول سوريا، فالمواقف تتباين بين عشية وضحاها، وأعداء الأمس يصبحون أصدقاء اليوم.. والعكس صحيح.
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xNjAg جزيرة ام اند امز