صفقة "داريا" السورية.. هل يكون "عض الأصابع" حلا للأزمة؟
الصفقة التي تم إبرامها بين النظام السوري والمعارضة في داريا، رغم بنودها المجحفة، إلا أنها ألقت بحجر في المياه الراكدة
في شهر يونيو/حزيران الماضي، اشترط النظام السوري رفع العلم الوطني فوق مدينة معضمية الشام في غوطة دمشق الغربية، مقابل السماح بدخول المواد الغذائية إلى المدينة التي كان حصارها الخانق قد دخل وقتها شهره الخامس.
وقبلها وقع الطرفان صفقات "تبادل الأسرى مقابل الكهرباء" بمدينة إدلب في 5 فبراير 2015، و"الجثث مقابل المعتقلات" بمدينة حماة في 23 نوفمبر 2015، و"الجرحى مقابل الجرحى" بالزبداني في 28 ديسمبر 2015، و"الجثث مقابل المعتقلات" بريف حمص في 26 مايو 2016.
هذه الصفقات بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، لم تحظ بنفس قدر أهمية أحدث صفقة بين الطرفين، التي تم بمقتضاها التوصل إلى اتفاق يقضي بخروج المدنيين والمسلحين من مدينة داريا، حيث يتوجه المدنيون إلى مناطق سيطرة النظام في بلدة "صحنايا" بريف دمشق، بينما يخرج المقاتلون إلى محافظة إدلب (شمالي سوريا)، بضمانات من الصليب الأحمر الدولي وبإشرافه.
أهمية هذا الاتفاق لا تنبع من رمزية "داريا" التي توصف بأنها " أيقونة الثورة"، لكنها تنبع من الرسائل التي يحملها هذا الاتفاق، وأولها تلك التي يدور مضمونها حول أنه لا توجد ثوابت في السياسة.
فمنذ بداية الأزمة السورية، لا تمل المعارضة السياسية ترديد عبارات "لا تفاوض مع نظام بشار الأسد"، "بشار الأسد ليس له دور في المرحلة الانتقالية"، دون أن تقدم الحلول التي يمكن البناء عليها لإنقاذ المناطق التي يحاصرها النظام.
ولم تنجح هذه المعارضة السياسية، المنقسمة على نفسها، بين الائتلاف السوري المعارض وهيئة التنسيق الوطنية وعشرات التجمعات الأخرى، في تحقيق أي تقدم يذكر في إدارة الأزمة السورية على مدار الخمس سنوات الماضية.
ورغم ما تحمله الصفقة الجديدة من شروط إذعان، ومخاوف عبر عنها بيان الجامعة العربية، الذي رأى أنها قد تمهد لتسويات مشابهة تنطوي على تغيير ديموغرافي لأوضاع المدن السورية، إلا أنه ربما يكون الدرس المستفاد من هذه الأزمة، أن الحلول تأتي ممن يعايشون الآلام على الأرض.
فخلال الخمس السنوات الماضية لم تتخلَّ المعارضة المسلحة عن تمسكها بالبقاء بالبلدة حتى بعد أن أصبحت حطاما، وبات الجوع والموت يهدد أهلها، حيث كانت تنظر لها على أنها بوابة الدخول إلى معقل النظام في دمشق، والنظام من جانبه، تمسك بحصارها رغم الكلفة المادية والمعنوية التي تكبدها، لإدراكه أن داريا هي خط الدفاع الأول عن دمشق، وأن سقوطها سيكون بداية النهاية له.
وخاض الطرفان سياسة عض الأصابع، وجاء الصراخ أولا من المعارضة المسلحة، التي أدركت وفق معطيات الأمر الواقع؛ أن البقاء في المدينة "انتحارا لا مقاومة".
واتساقا مع القاعدة العسكرية التي تقول إن "الانسحاب من المعركة أحيانا يكون عملا بطوليا"، كما فعل الصحابي خالد بن الوليد في غزوة "مؤتة"، قررت المعارضة المسلحة تجرع الشراب المر بتسليم المدينة للنظام.
وقد تفتح هذه الصفقة أذهان الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية إلى أن الحل لا يكمن في جمع المعارضة السياسية والنظام في جنيف ليتحاورا حوار الطرشان، ولكن قد يكون التفاهم مع الأطراف العسكرية الفاعلة على الأرض أجدى وأنفع، وهو ما فعله الصليب الأحمر في داريا.
قد لا نرضى عن تفاصيل هذا الحل وسياسة عض الأصابع التي استخدمت لفرضه، ولكن ما حدث قد يفتح الباب أمام الالتفاف إلى الأطراف الفاعلة في الحل لعقد صفقات مماثلة في مناطق أخرى، لإلقاء حجر في مياه الأزمة السورية الراكدة، والتي عانت من تمسك كل الأطراف بمواقفها.
aXA6IDMuMTQyLjU0LjE2OSA= جزيرة ام اند امز