وودي آلن.. الثمانيني في عز شبابه
وودي آلن في الثمانين، هو يعترف بحق عمره عليه، لكنه لا يسلّم أو يستسلم.
وودي آلن في الثمانين، هو يعترف بحق عمره عليه، لكنه لا يسلّم أو يستسلم، المخرج الأمريكي الاستثنائي، الذي جعل من السخرية معادلًا موضوعيًّا للألم في صيغتيه الفردية والجماعية، أنجز منذ أسابيع فيلمًا جديدًا وسلسلة تلفزيونية، وهو يفكر بجديد، دون أن تقف مسألة العمر عقبة أمامه، فوالدته تخطت التسعين من عمرها، ووالده وصل إلى المائة، فلماذا لا يكون قدره مماثلًا لهما؟
ما زال صاحب "إلعبها ثانية يا سام" محافظًا على روتينه منذ كان شابًّا: الغرق في مطحنة العمل اليومية حتى الثمالة، يقول ذلك بجدية.
لكن لماذا التلفزيون الآن، بعد سنوات من مديدة من الإنجاز السينمائي والمسرحي، يجيب آلن الذي لم يتعود على المقابلات الصحفية جريدة "الغارديان" البريطانية، بأن الشركة المنتجة أمازون، ألحت ثم ألحت، قالوا له لا ترسل لنا أي نص مكتوب، لا نريد الإطلاع على القصة والسيناريو، فقط صوّر وعندما تنتهي أرسل لنا ما أنجزته، وهكذا اختار المخرج الثمانيني موضوع سلسلة "أزمة في 6 مشاهد" عن الإضرابات التي شهدتها الولايات المتحدة في حقبة الستينيات من القرن الماضي، البطل عنده هذه المرة وكما كل مرة، كانت الطبقة المتوسطة، ماذا فعلت بها تلك التحولات وكيف واجهتها، من خلال تتبع مصائر أفراد عائلة تعيش في الضواحي، يؤكد آلن أنه تعامل مع العرض الذي تقدمت به أمازون بمسؤولية مطلقة، فهم دفعوا المال وكان عليه أن يقدم أفضل ما عنده.
تجربته التلفزيونية الجديدة سوف تكون إضافة لرحلة طويلة ومتعددة، يدخل فيها اليوم محطة أخرى مع فيله الجديد "المقهى الاجتماعي" Café Society. يقول إنه يقدر بأن الناس يدفعون من مالهم لكي يحصلوا على تجربة إنسانية مغايرة، وإن هذا الفيلم يوفر لهم ما يتطلعون إليه، وبرأيه فإن هذا الفيلم هو أفضل أفلامه على الأطلاق منذ "ياسمين أزرق" Blue Jasmine. الفيلم حاد ومضحك ومتحرك على حد تعبير مخرجه.
Café Society يقدم للمشاهد وودي آلن بديل، هو الممثل جيسي أيزنبرغ، الذي يتجه من بروكلين إلى هولوود للبحث عن حظه هناك. إنها سنوات الثلاثينات من القرن الماضي، عندما كان نجوم السينما في مصاف أنصاف الآلهة، وصناعة السينما في ذروة زهوها وتأثيرها، هناك سيلتقي المرأة التي ستجعله يكتشف ظاهر المدينة وخفايا الصناعة السينمائية، والتي تقدوم بدورها في الفيلم الممثلة كريستين ستيوارت.
يقول آلن وهو يتحدث عن فيلمه: "أنا لست واحدًا من هؤلاء الناس الذين ينحنون للثروة، أنا أحب أن أراقب الأغنياء، وأستمتع بالتجول بين عقارات فاحشي الثراء". لكنه لا يريد أن يكون أكثر ثراءً، كما يقول، على الرغم من أنه ينفق أكثر من 100 دولار أسبوعيًّا على شراء تذاكر اليانصيب، ولكن الفوز إن حصل لن يغير من طريقة حياته: "لقد تحدثت في ذلك مع زوجتي، ما زلنا نستمر في العيش في نفس المنزل، وأود أن أذهب إلى العمل، ولا أريد أن أمتلك قاربًا، أو طائرة". الفيلم الجديد عن هذه النوعية من الناس، عن وودي آلن نفسه، أو عمن يشبهونه.
ومع ذلك فإن المخرج لا يريد أن يخدع الناس بفيلمه الجديد، فهو لا يقدم فلسفة جديدة، ولا يقدم نقدًا صارخًا، ولا يطالب بإعادة النظر بأي شيء، هو يتحدث عن الأشياء العادية كما هي، وقد يقول قائل، إن الفيلم ممل وسيء؛ لأن عالم المال هو كذلك، وما يجري فيه يشبه تمامًا عندما "يأكل الكلب الكلب" كما يقول وودي آلن، لكن تخرج بفيلم عن عالم المدينة المعاصرة لا بد أن تشتغل على "الأنا.. أنا الأفراد، وأنا المكان".
يضيف وودي آلن "أنا متأكد من أن كل مجالات الأعمال يملأها المزيفون، والناس الذين لا يردون على المكالمات الهاتفية، لكي يبدون عالي الجانب، أنا متأكد من أن هذا السلوك موجود في وول ستريت ولندن وروما، ولكن هوليوود هناك دائمًا ضرب تحت الحزام".
مثل كل وودي آلن فإن فيلم Cafe Society يغوص أكثر في موضوعة الموت، وعن ذلك يقول، إنه يبحث عن الخلود من خلال عدم الموت، هذه الفكرة يقدمها من خلال عصابات شوارع يهودية تتحول إلى الكثلكة، ومحكوم على أعضائها بالإعدام، كل ما يجدونه أمامهم (سواء في اليهودية أو المسيحية) هو العزاء وليس الخلود، هي نفس الموضوعة الفلسفية الشيقة التي قاربها وودي آلن في فيلمه "هانا وأخواتها".
في كلامه المتدفق يناقش آلن جانبا آخر من القضية، يقول: "لم أستطع التحدث إلى جميع المفجرين الانتحاريين، ولكن من دون إيمان راسخ في الحياة الآخرة، فإن كثيرين منهم لن يفعلوا ما يفعلونه، إنهم يعتقدون أنهم عندما يفجرون أنفسهم فإنه سيكون هناك مردود إيجابي لهم، إنهم مضللون، في رأيي، لكنهم لا يتفقون معي".
وفي رأي آلن فإن العالم المعاصر مليء بالتعصب والتحيز، هو ينظر إلى موضوع معاداة السامية من زاويتين: زاوية العداء وزاوية مسبباته، بهذا المعنى يشير إلى السود، والمجموعات الدينية، إنها نزعة متأصلة للقتل أحيانًا بلا سبب، الأعسر يقتل الأيمن، والعكس بالعكس، فقط بسبب طريقة استخدام اليد، كل ما تحتاجه لكي تفرج عن شحنة الغضب والعداء في داخلك، هو أن يوجد (آخر)، يقول وودي آلن.
وودي آلن الذي أصيب قبل سنوات بكآبة عميقة، حولته لوقت ما إلى عدمي، هو اليوم أشد واقعية من أكثر الواقعيين التزامًا بالمعنى الحرفي للحياة والصراع والموت، وقد وصل إلى العمر الذي يمكنه أن يتحدث عن كل تجاربه وعلاقاته المتقلبة والملتبسة خصوصًا مع النساء، بكل صراحة وبلا حذر، وأكثر من ذلك أن يصيغها في أفلام.