دانيال عربيد لـ"العين": "الباريسية" يكسر الصورة النمطية عن المهاجرين المهزومين.

"الباريسية" فيلم عن القوة، قوة شابة تختبر نفسها في عالم جديد، وتكتشف ذاتها في شخصيات الآخرين.

هذه ذاتنا نحن التي نشاهدها في فيلم "الباريسية" للمخرجة اللبنانية دانيال عربيد... الذات التي تحب، وتُخدع، وتحزن، وتفرح. ذات لينا كرم، الشابة التي تهاجر إلى باريس في التسعينات لمتابعة دراستها فتدخلنا معها إلى ذات الخوف، وذات الغربة وذات الفقد وألم الأماكن الجديدة.

ليس فيلم عربيد الجديد الذي عرض في "مهرجان دبي السينمائي" فيلم عن المعاناة، بل فيلم عن القوة، قوة شابة تختبر نفسها في عالم جديد، وتكتشف ذاتها في شخصيات الآخرين.

دانيال عربيد صاحبة "معارك حب" (2004)، و"رجل ضائع" (2007)، و"بيروت بالليل" (2011) تعرفنا إلى القوة التي يكتسبها مهاجر تضيق به السبل ولا يجد أمامه إلا خيارا واحدا: تشبث بكل الفرص الضئيلة التي تقدمها الحياة والوصول من خلالها إلى بر الأمان.

مهاجر يعيش ليخلع عنه الصورة النمطية التي تلبسه قبل أن يطأ أرض البلاد الجديدة.. هو الآتي من العالم الثالث إلى عالم قد يتقبله وقد يحكم عليه وقد يرفضه.

من خلال عيني الطالبة لينا كرم (منال عيسى) نرى حب شابة للحياة رغم صدمات عاطفية متتالية، ورغم العلاقة الهشة التي تربطها بعائلتها وتربط أفراد عائلتها ببعضهم البعض.

"العين" التقت دانيال عربيد للحديث عن فيلمها وإنتاجاتها المقبلة.

عدستك تنقل بواقعية وبشفافية عالم شابة متشبثة بالحياة ومتعطشة للحب وخائفة من الرفض، كيف "نجوت" من "الكليشيهات" التي قد تطغى على هذه المواضيع؟

 في الواقع أنا لست ضد "الكليشيه"، هناك أفلام عالمية مبنية على الكليشيه، لنأخذ كوبولا، أفلامه كلها عبارة عن ألبومات من الكليشيهات، إنما قدمت بطريقة مختلفة جعلت الكليشيه واقعاً وليست العكس.. وأنا أصور لم أفكر بالموضوع، قررت أن أقدم العمل على طريقتي، لم أفرض على نفسي أن أتخطى الكليشيه أو أن أتجنبه، فقط حاولت أن أنقل الأيام الأولى لمهاجرة في بلد جديد.. الصدمة التي يعيشها والتي تكون في البداية كليشيه ثم تتحول إلى حقيقة.

هناك أمور لابد أن تنقل وإن ظهر أنها "كليشيه" كبرج إيفل ونظرتنا إليه مثلاً، فأول ما يراه المرء هناك هو هذا البرج... يراه من البعيد فيشعره ببرودة المدينة ووحدته فيها ومن ثم تدريجيا يكتشف الناس والأزقة والمقاهي والمسرح والموسيقى باحثاً عن دفء المدينة، وهذه هي قصة الفيلم، البحث عن النفس وعن الدفء في مدينة جديدة، أكانت فرنسا أم مدينة أخرى.

-لا تشبه لينا كرم الصورة التي نراها غالبا عن المهاجرين والمهاجرات، مهزومات، ضحايا، ضعيفات، ينهكهن الحنين، من هي "الباريسية"؟

كثيرون من الممولين سألوني لماذا لا تكون بطلتي فقيرة، ربما مهاجرة من أي من بلدان الأزمات، تأتي من بيئة محافظة ويريد والدها تزويجها بالقوة لرجل من بيئتها... ولم يفهموا كيف تكون مهاجرة، قوية، محبة للحياة رغم الأزمات، تكتب عن فرانك بلاك، تحب الأدب والفن.. المسائل التي يعتبرها البعض هناك حكرا على الفرنسيين.. ولهذا لم أحصل على تمويلي للفيلم بسهولة... والآن أقول إنه وبالرغم من التحديات التي واجهتها في الفيلم، ألاقي ترحيباً واسعاً من الفرنسيين للفيلم، وهم اليوم من أشد المعجبين به، وسيوزع على إطار واسع في فبراير المقبل.

-تسعين في فيلمك إلى كسر صورة نمطية عن العربي المهاجر، الخارج عن القانون، الإرهابي، المتخلف.. ما أهمية الفيلم اليوم، بعد هجمات باريس الأخيرة؟

في الغرب يرون العرب كجماعة ولا يروننا كأفراد، كلنا برأيهم نشبه بعضا ولدينا الانتماء عينه والتقاليد عينها وبهذا نقع كلنا تحت صورة نمطية واحدة... بالفعل كنت أريد أن أكسر وجهة النظر الغربية على العرب واليوم تتناسب أكثر مع ما يجري... أنا أقدم صورة أخرى، حقيقية وجميلة ومشرقة عن مهاجرة، من دون أن يعني ذلك أنني بفيلمي أقوم بثورة على الصورة النمطية وعلى الأفلام الأخرى التي تنقل قصص المهاجرين، كل ما في الأمر أنني أريد أن أنقل وجهة نظري، وجهة نظر أنا عشتها، الفيلم يرصد تجارب شخصية في بلاد جديدة.

-إذن ليست قصة لينا محصورة بمعاناة مهاجرة لبنانية، بل بقصة أي مهاجر أو مهاجرة إلى بلاد جديدة مختلفة؟

تماماً، وعلى الرغم من أنني كنت أبحث عن شابة لبنانية، لكن عندما طال البحث ولم أجد بطلتي رحت أبحث في دول عربية أخرى وحتى تركيا وإيران، فتجارب الهجرة واستكشاف البلاد الجديدة مشابهة، ولكن صدف أن عدنا ووجدنا منال عيسى، وهي بالمناسبة طالبة لبنانية تدرس الهندسة في فرنسا وليست ممثلة، لكنها برعت في الدور وأضافت عليه الكثير".

-لمن يعرف عربيد، وأفلامها وسنواتها الطويلة في فرنسا يعرف أن في الفيلم كثيرا منها، "كم تشبهك لينا كرم"؟

 الفيلم كله يشبهني، يتضمن كل الموسيقى والكتاب والفنانين الذين أحبهم، ويعكس ما عشته في أيام أولى هناك، ويعكش تجارب الكثير من الأصدقاء في بلاد الاغتراب.